الشهيدة وفاء جرار.. حكاية مؤسِّسة "رابطة تجمع أمهات الشهداء والأسرى"

05 اغسطس 2024
لم تسلم الشهيدة وفاء جرار من بطش الاحتلال وجرائمه الممنهجة (فيسبوك)
+ الخط -

منذ أكثر من عامين، كانت الفلسطينية وفاء جرار (50 عاماً) إحدى مُؤسِّسات "رابطة تجمّع أمهات الشهداء والأسرى" في الضفة الغربية، ولم تكن تعلم أنها ستصبح إحدى هؤلاء الشهداء الذين التحقت بهم صباح اليوم الاثنين، بعد أكثر من شهرين على إصابتها خلال اعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي لها من منزلها.

كانت وفاء جرار كتلة من النشاط كما يُعرف عنها، وكانت لا تترك بيت عزاء لشهيد في مختلف أنحاء الضفة الغربية إلا وتزوره برفقة أمهات الشهداء، علاوة على نشاطها الاجتماعي والدعوي، وسبق ذلك النقابي والسياسي.

من مقولاتها "كنت دوماً أحتاج إلى من يقف بجانبي في محنتي المتكررة وقت اعتقال زوجي، ينصحني ويشاركني همومي، يُهوّن علي ويمسح على جرحي، ويتعاطف معي، كان هناك البعض ممن فعلوا ذلك بالطبع، ولا أنسى فضل أحد، ولكن كانت مبادرات شخصية، تهب أحياناً وتخبو أخرى، لذلك قرّرت أن أكون من يُغيّر المعادلة، أن أكون (فاقد الشيء .. ومن يعطيه بسخاء)، وأن أكون ومن معي بلسماً لجراح الناس الذين يعيشون ما عشناه ونعيشه تكراراً ومراراً".

وفي مقولة أخرى لها، "أخذت على عاتقي أن لا أترك أم شهيد أو أسير أو زوجة شهيد أو أسير إلا وأكون سنداً لها ولأبنائها، أشعرهم جميعاً أني ومن حولي نشاركهم وندعمهم ونفهمهم".

يروي نجلها حذيفة جرار في حديثه مع "العربي الجديد"، تفاصيل مؤثرة عن معاناة والدته، قائلاً: "إن والده المعتقل منذ ستة أشهر وجُدّد اعتقاله اليوم لستة شهور أخرى، كان قد تلقى خبر إصابة والدته من أحد الأسرى الذين اعتقلوا لاحقاً، حيث لم يكن يعلم عن اعتقالها وإصابتها".

ويؤكد حذيفة، وهو الابن البكر للشهيدة، أن والده عبّر عن شكره لله وسجد له، مؤكداً أن زوجته "أم حذيفة" صدقت الله فصدقها، وأنه سيكون وفياً لها ويكافئها.

وكانت "أم حذيفة"، عندما سُئلت عن سبب وجودها مع أهالي الشهداء، تدخل الأهالي مؤكدين أنهم سيشفعون لها ويدخلونها معهم الجنة، وكان لها نصيب الشهادة اليوم الاثنين.

ووفق حذيفة جرار، فإنه بالرغم من بتر قدميها، بقيت والدته صابرة ومحتسبة، وكانوا يواسونها إنها مثل الصحابي جعفر بن أبي طالب، ومثل القيادي في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، نصر جرار، اللذين بترت أطرافهما، حتى استشهدت صباح اليوم.

وفاء جرار.. استشهاد نصيرة الأسرى والأسيرات

وتعتبر وفاء جرار ناشطة مجتمعية ومؤسِّسة "رابطة أمهات الشهداء والأسرى" في محافظة جنين، ومرشّحة سابقة ضمن قائمة "القدس موعدنا" التابعة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الانتخابات التشريعية التي تم إلغاؤها عام 2021 بقرار من الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

ووفاء جرار هي زوجة الأسير القيادي في حركة "حماس" عبد الجبار جرار الذي أمضى في سجون الاحتلال 16 عاماً، ويقضي حكماً إداريّاً لـ 6 أشهر فيها منذ السابع من فبراير/ شباط الماضي، وهذا أول اعتقال تتعرض له وفاء جرار، علماً أنها أم لأربعة من الأبناء.

وشيع الفلسطينيون ظهر اليوم الاثنين، جثمان الشهيدة وفاء جرار بمسقط رأسها في مدينة جنين شمال الضفة الغربية.

وانطلق موكب تشييع جثمان الشهيدة من أمام مستشفى جنين الحكومي في مدينة جنين، ثم نقلت إلى منزلها في المدينة، حيث ألقت عائلتها نظرة الوداع الأخيرة على جثمانها. بعد ذلك، نقلت إلى مسجد جنين الكبير وتم أداء صلاة الجنازة على جثمانها، ثم حملها المشيعون على الأكتاف وجابوا بها شوارع مدينة جنين، بمشاركة نسائية، وسط هتافات تمجد الشهيدة وتندد بجرائم الاحتلال، وصولاً إلى المقبرة الغربية في المدينة، حيث ووري جثمانها في الثرى.

واستشهدت جرار صباح اليوم الاثنين، بعد أكثر من شهرين من إصابتها أثناء قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي باعتقالها من المنزل في حي المراح بمدينة جنين، وقد أدّت هذه الإصابة إلى بتر قدميها.

وكانت سلطات الاحتلال قد اعتقلت جرار من منزلها في 21 مايو/أيار المنصرم، خلال عدوانها على جنين ومخيمها، وأعلنت إصابتها لاحقاً، جراء انفجار وقع في المركبة العسكرية التي اعتقلت بها، ونقلها إلى مستشفى (العفولة) الإسرائيلي، ثم أصدرت أمر اعتقال إداري بحقّها لمدّة أربعة شهور. وأدت الإصابات الخطيرة التي تعرّضت لها إلى بتر ساقيها من أعلى الركبة، هذا عدا عن جملة الإصابات في جسدها، والمشكلات الصحية التي نتجت عن ذلك. وأفرجت سلطات الاحتلال عنها لاحقاً، ونقلت إلى المستشفى وأجريت لها عدة عمليات جراحية، وتدهورت حالتها الصحية أخيراً إلى أن أعلن استشهادها.

ونعت حركة حماس في بيان لها، الشهيدة الأسيرة المحررة الجريحة وفاء جرار (50) عاماً، موضحة أنها حملت سجلاً وطنياً ودعوياً واجتماعياً حافلاً على مدار سنوات حياتها التي قضتها جهداً وجهاداً وتضحيةً وعطاء؛ رفقة زوجها القيادي الأسير عبد الجبار جرار، وها هي اليوم تختم سيرتها العطرة بالشهادة بعد عملية قتل بطيء نُفّذت بحقّها منذ لحظة اعتقالها.

وجدّدت حماس العهد مع الشعب الفلسطيني والأسرى في سجون الاحتلال، "بالحرية القريبة، والخلاص من سجون النازية الجديدة، التي يتعرضون داخلها لشتى أنواع الممارسات اللاإنسانية وعمليات القتل الممنهج، وذلك بقرار سياسي وبتحريض علني من وزراء الحكومة الصهيونية"، وفق البيان.

ودعت حماس جماهير الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، إلى تكثيف الفعاليات والجهود لدعم الأسرى، والوقوف بوجه عنجهية الاحتلال الفاشي وإجرامه. وقالت حماس: "ندعو الشباب الثائر لتصعيد كل أشكال المقاومة والتصدي والاشتباك مع هذا العدو المجرم".

في هذه الأثناء، نعت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية ونادي الأسير الفلسطيني، والحركة الوطنية الأسيرة في سجون الاحتلال، والمحررين في الوطن والمهجر، في بيان صحافي،  جرار.

وقالت الهيئة والنادي في بيان مشترك، إنّ الاحتلال نفّذ بحقّ الشّهيدة جرار جريمة مركبة، تمثلت أولاً بعملية اعتقالها الوحشية من منزلها، والتّنكيل بها، وتعرضها لإصابة خطيرة خلال عملية اعتقالها، والتي أدت إلى بتر ساقيها من أعلى الركبة في مستشفى (العفولة) الإسرائيليّ، إلى جانب إصابتها بعدة إصابات أخرى في جسدها وتحويلها إلى الاعتقال الإداريّ لاحقاً لمدة أربعة شهور؛ ولم تنته هذه الجريمة بمجرد الإفراج عنها في 30 أيار/ مايو 2024،  وحتّى استشهادها اليوم، لتكون قضيتها شهادة أخرى على مستوى إجرام الاحتلال المتواصل في إطار حرب الإبادة المستمرة بحقّ شعبنا في غزة والعدوان الشامل. 

وبيّنت الهيئة والنادي، أنّ الاحتلال وحتّى اليوم لم يسلم ساقي الشهيدة جرار، من أجل دفنهما بحسب الشريعة الإسلامية، وكان المحامي قد تقدم بطلب من أجل استرداد ساقيها المبتورتين، وذلك بعد أنّ تلقى ردّاً شفوياً مفاجئاً من أحد الأطباء في مستشفى (العفولة) أنه تم التّخلص من الأطراف، ليشكّل بذلك انتهاكاً جديداً يُضاف إلى الجريمة المركبة التي نفّذها الاحتلال بحقّها. 

ووفق الهيئة والنادي، لم يعط الاحتلال رداً كذلك على الطلب بشأن التقارير الطبيّة الخاصّة بها، حيث تم تقديم طلب آخر إلى جانب طلب استرداد ساقيها، من أجل الحصول على التّقارير الطبيّة، وتوضيح ما جرى منذ يوم 27 أيار/ مايو 2024، وهو اليوم الذي خضعت فيه لعملية بتر تحت الركبة لساقيها، وذلك بعد أنّ تم أخذ موافقة من العائلة وبمتابعة محاميها، ليتبين لاحقاً أنّ عملية بتر أخرى تمت لساقيها فوق الركبة، من دون أخذ موافقة عائلة المصابة، كونها تحت تأثير التّخدير وأجهزة التنفس الاصطناعي. وليضاف هذا الانتهاك إلى سياق الجريمة التي نفّذت بحقّها. 

وأكدت الهيئة والنادي، أنّ استشهاد جرار اليوم، يأتي في أشد المراحل وأقساها على الأسرى في سجون الاحتلال الذين يتعرضون لوجه آخر من أوجه الإبادة جرّاء جرائم التّعذيب والإذلال والتّجويع والعزل الجماعيّ. 

وحمّلت الهيئة ونادي الأسير، الاحتلال كامل المسؤولية عن استشهاد جرار، وأكّدتا مجدداً أنّ جرار تعرضت لجريمة مركبة، وهي واحدة من بين عشرات المعتقلين الذين تعرضوا لإصابات منذ بدء حرب الإبادة، وتعرضوا لجرائم طبيّة ممنهجة، فيما شددتا على أنهما ستستمران في متابعة ملف الشهيدة جرار قانونياً. 

المساهمون