استمع إلى الملخص
- أعلنت سرايا القدس استشهاد قائدها غيث رضوان، بينما أعلن الاحتلال اغتيال زاهي العوفي، قائد شبكة تابعة لحماس، الذي كان مطارداً منذ أبريل.
- تعتبر الغارة الجوية تطوراً نوعياً في استهدافات الاحتلال بالضفة الغربية، بهدف استعادة الردع وتوجيه رسالة للمقاومين في ظل تصاعد التوترات.
اختلطت الأنقاض التي عملت الطواقم الفلسطينية على إزالتها من آثار قصف طائرات الاحتلال الحربية في مخيم طولكرم شمال الضفة الغربية، مع أنقاض عمليات التدريب والتخريب الواسعة التي شهدتها حارة الحمام خلال الاقتحامات السابقة وخاصة عملية التخريب الأوسع ضمن ما سماه جيش الاحتلال عملية "مخيمات صيفية" التي أطلقها في 28 أغسطس/ آب الماضي.
تتربع أكوام الأنقاض كالجبال في مكان إحدى البنايات التي كان الاحتلال قد هدمها بشكل كامل خلال أحد الاقتحامات، أما البناية المستهدفة الليلة الماضية فقد استمرت طواقم الدفاع المدني والإسعاف والهلال الأحمر بإزالة أجزاء من جثامين الشهداء من داخلها بعدما نقلت الطواقم جثامين 18 شهيداً وعدداً آخر من الإصابات.
واستهدفت طائرات الاحتلال مبنى مكوناً من ثلاث طبقات عبر صاروخ اخترق الطابقين الأول والثاني، ووصل إلى الطابق الأرضي حيث مقهى كان موجوداً فيه عدد من الشبان والأهالي، ليحدث عدة فتحات في سقف البناية والفواصل الخرسانية بين الطوابق ثم ينفجر في الطابق الأرضي حيث يوجد المقهى ومحل تجاري يرتاده شباب وأهالي المخيم. لم يعد للمقهى أبواب وواجهات أمامية.
ويقول الأسير المحرر إبراهيم أبو زهرة، في حديثه مع "العربي الجديد"، إن الاحتلال استهدف مكاناً مأهولاً بالسكان ومكتظاً بعد ساعة تقريباً من صلاة العشاء، مساء أمس الخميس، واخترق صاروخ المبنى تم توجيهه من أعلى بشكل مباشر، وصاروخ آخر بشكل جانبي، ليحول الجثامين إلى جثث متفحمة، ويقطع أجساد الشبان والأطفال والنساء، بينهم ابن عمه محمد أبو زهرة وزوجته وطفلاه.
ويروي يوسف غراب، الذي يبعد منزله قرابة 30 متراً عن موقع الاستهداف، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنه سمع صوتاً قوياً جداً، ليخرج ويرسخ في ذهنه مشهد صعب، كما قال: "أشلاء على أسلاك في المكان، وأشلاء وفتات لأطفال ونساء وشبان تحت الأنقاض". ويعتبر المكان مكتظاً كما يقول غراب، والمنطقة حيوية، مليئة دائماً بالأهالي، والمنازل والبنايات ملاصقة لبعضها، ما يعني بوجهة نظره استخدام طائرة حربية جزءاً من سياسة الإبادة الجماعية التي تهدف لترحيل أهالي المخيم، وحتى ضيوف المخيم كما يقول لم يسلموا حيث استشهد زائر للمخيم من بلدة عتيل شمال شرق طولكرم.
وكان عدنان كنعان يجلس لحظة الغارة الجوية مع شقيقه عبد الله كنعان، أحد مصابي الاجتياح الأخير للمخيم، ووالد الشهيد الطفل محمد كنعان الذي قنصه جنود الاحتلال خلال الاقتحامات الأخيرة، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه موجود تقريباً في مكان الاستهداف بشكل مباشر، فوجئ بالانفجار، ونجا بأعجوبة، فقوة الانفجار وما وصفه "بالشفط" نتيجته، دفعا شقيقه وابن شقيقه عن الكراسي، وتخيل له أنه أصيب، هارباً إلى داخل أحد المنازل خوفاً من غارة أخرى.
واستشهد في الغارة 18 فلسطينياً، بينهم عدد من المقاومين، وسكان منزل بالكامل، هم محمد أبو زهرة وزوجته وطفلاه وشقيق زوجته، وفيما أعلنت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي استشهاد أحد قادة كتيبة طولكرم فيها غيث رضوان (26 عاماً)، فإن الاحتلال أعلن أنه اغتال زاهي العوفي، ووصفته بقائد شبكة تابعة لحماس خطط لعمليات فدائية.
وأكدت عائلة عوفي لـ"العربي الجديد" أن ابنها يبلغ من العمر 39 عاماً، مطارد للاحتلال منذ شهر إبريل/ نيسان، الماضي، وهو أسير سابق اعتقل لمدة ست سنوات ونصف ذات مرة وسنة ونصف في اعتقال آخر، فضلاً عن عدة اعتقالات لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وهو من مخيم طولكرم، لاجئ من قرية وادي الحوارث في الأراضي المحتلة عام 1948 قضاء طولكرم.
ومن اللافت في حياة عوفي كما ذكرت عائلته أنه متزوج وعنده ثلاثة من الأطفال، ويعيش مستوى معيشياً جيداً، حيث يعمل تاجراً لقطع المركبات، لكن ما يمكن أن يوصف بالاستقرار في حياته لم يمنعه من العودة لمقاومة الاحتلال في ظل انتشار كتائب المقاومة في الضفة وبشكل خاص في شمال الضفة وطولكرم، وقد لقب بـ"الطوفان".
ويقول صديقه إبراهيم أبو زهرة، إنه عاش معه في سجون الاحتلال، واصفاً إياه بـ"الإنسان الصادق" وقد خط ورسم طريقه منذ نعومة أظفاره، وأمضى سنوات طويلة في السجن وسنوات في المطاردة، وكان يملك المال ويستطيع كما قال أن ينغمس مع أسرته وأولاده في الحياة، لكن نفسيته تعكس تربية جهادية حقيقية.
وكانت حياته خلال الأشهر الأخيرة كما يقول أبو زهرة كحياة المطاردين، غير مستقر الأوضاع، مضحياً بجهده ووقته ونفسه وراحته، حتى على مستوى النوم والمأكل والملبس، مواجهاً ضغوطات كبيرة، لكنه كان يملك فكراً وعقيدة راسخة كما يصف أبو زهرة. ويتهم الاحتلال عوفي بالمسؤولية عن محاولة تفجير سيارة مفخخة، في بداية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، ويسند إليه التخطيط لعمليات أخرى.
وتبدو عملية القصف الحالية الأولى من نوعها في الضفة الغربية منذ انتفاضة الأقصى، من حيث عدد الشهداء والضحايا خلال غارة واحدة، وهي تطور نوعي يضاف لسلسلة استهدافات جوية في الضفة خلال العامين الماضيين، وتكثفت بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، لكن معظمها بالمسيّرات وليس بالطائرات الحربية.
ويقول المختص بالشأن الإسرائيلي محمد أبو علان دراغمة لـ"العربي الجديد"، إن هذه هي المرة الثالثة لاستخدام الطائرات الحربية في الضفة، إضافة إلى عدد من الاستهدافات بالمسيّرات، لافتاً إلى أن بيان الاحتلال الذي صدر لتبرير الغارة الجوية يشير إلى أنها تأتي ضمن ما يقوم به جيش الاحتلال من الاستعداد لذكرى السابع من أكتوبر "طوفان الأقصى"، ووجود خشية من تنفيذ حركة حماس عمليات نوعية كبيرة في هذه الذكرى، مبرراً أن المستهدف زاهي العوفي، القائد العسكري لحماس في طولكرم، مع وصفه بأنه قنبلة موقوتة، وخطط لعمليات كبيرة ومسؤول عن تفخيخ مركبة عثر عليها قرب مستوطنة عطيرت شمال رام الله.
لكن الأمر برأي دراغمة يعود إلى محاولة استعادة صورة الردع، ونظرية الردع عبر القصف الجوي، وإعطاء المقاومين رسالة بأن الاحتلال يستطيع الوصول إليهم بأشكال مختلفة، وأن كل ما يورده جيش الاحتلال في بياناته تبرير لقتله المدنيين. ويريد الاحتلال حسب دراغمة كذلك إعطاء المجتمع الإسرائيلي انطباعاً بأنه وبتعليمات من المستوى السياسي، يقوم بما يلزم لمنع وقوع مزيد من العمليات، لكن هذا الانطباع يضرب بعملية واحدة مثل عملية يافا تل أبيب الماضية والتي أدت لمقتل سبعة، ونفذها مقاومان من الخليل، وشكلت ضربة لكل الإجراءات الأمنية الإسرائيلية التي تحاول فرضها في الضفة وخاصة اجتياز الجدار والذي يُعتبر ثكنة أمنية.
وبحسب موقع مرصد شيرين المتخصص في توثيق الشهداء، فقد استشهد في الضفة الغربية 71 فلسطينياً منذ إطلاق جيش الاحتلال ما سماها عملية مخيمات صيفية، والتي أطلقت في 28 أغسطس/ آب الماضي، ضد مخيمات شمال الضفة الغربية المحتلة، والتي سمتها في المقابل سرايا القدس في الضفة الغربية "رعب المخيمات".