"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ترتكب جرائم حرب وتطهيراً عرقياً في غزة

14 نوفمبر 2024
نازحون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمنازلهم في دير البلح، 12 نوفمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

قالت "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير أصدرته اليوم الخميس، إن السلطات الإسرائيلية ارتكبت سلسلة من جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة ترقى إلى التطهير العرقي. وأكدت المنظمة الدولية أن المدنيين الفلسطينيين في غزة يعانون من قصف مستمر يستهدف منازلهم وملاجئهم، بينما يعجزون عن الفرار أو الحصول على الحماية، مشيرة إلى أن الأمهات والرضّع والشيوخ وذوي الإعاقة أصبحوا ضحايا لهذا الهجوم العشوائي، حيث فقد العديد منهم حياتهم جراء القصف العنيف. وأشارت إلى استخدام الاحتلال الإسرائيلي للحصار والتجويع أداتَين للحرب، ما يزيد معاناة السكان المدنيين، خصوصاً الأطفال الذين يموتون بسبب نقص الغذاء والمساعدات الطبية. وفضلاً عن ذلك، أكد تقرير المنظمة أن السلطات الإسرائيلية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة في غزة، ما يعرّض حياة الآلاف للخطر، لافتاً إلى أنها تسببت في النزوح القسري الجماعي والمتعمد للمدنيين الفلسطينيين في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي مسؤولة عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ويتناول التقرير الصادر في 154 صفحة بعنوان "يائسون، جائعون، ومحاصرون"، تهجير إسرائيل القسري للفلسطينيين في غزة، وسلوك السلطات الإسرائيلية الذي أدى إلى نزوح أكثر من 90% من سكان غزة -1.9 مليون فلسطيني- وإلى تدمير واسع النطاق لأجزاء كبيرة من غزة على مدار الأشهر الـ13 الماضية. وقابلت "هيومن رايتس ووتش" 39 نازحاً فلسطينياً في غزة، وحللت نظام الإخلاء الإسرائيلي، بما في ذلك 184 أمر إخلاء وصور الأقمار الصناعية التي تؤكد الدمار واسع النطاق، وتحققت من فيديوهات وصور لهجمات على المناطق المحددة على أنها آمنة وطرق الإجلاء.

وحسب "هيومان رايتس ووتش"، نفّذت القوات الإسرائيلية عمليات هدم متعمدة ومنظمة للمنازل والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك في المناطق حيث يُفترض أنها تهدف إلى إنشاء "مناطق عازلة" و"ممرات" أمنية، التي من المرجح تهجير الفلسطينيين منها بشكل دائم. وخلافاً لادعاءات المسؤولين الإسرائيليين، لا تمتثل أفعالهم لقوانين الحرب.

وقالت نادية هاردمان، وهي باحثة في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش: "لا يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تدعي أنها تحافظ على أمن الفلسطينيين عندما تقتلهم على طول طرق الهروب، وتقصف ما تسميه بـ'مناطق آمنة'، وتقطع عنهم الطعام والمياه والصرف الصحي. وانتهكت إسرائيل بشكل صارخ التزامها بضمان عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، حيث هدمت كل شيء تقريباً في مناطق واسعة".

ولا تُجيز قوانين النزاع المسلح التي تنطبق على الأراضي المحتلة تهجير المدنيين إلا بشكل استثنائي، لأسباب عسكرية قاهرة أو لأمن السكان، وتتطلب ضمانات وأماكن إقامة مناسبة لاستقبال المدنيين النازحين. وفندت هيومان رايتس ووتش مزاعم المسؤولين الإسرائيليين بأن المقاومة الفلسطينية تقاتل من بين السكان المدنيين، وأن الجيش الإسرائيلي قد أجلى المدنيين بشكل قانوني لمهاجمة هذه الجماعات مع الحد من الأضرار التي تلحق بالمدنيين، حيث تُظهر أبحاث هيومن رايتس ووتش أن هذا الادعاء خاطئ.

ووجدت "هيومان رايتس ووتش" أنه "ليس هناك سبب عسكري قهري معقول لتبرير التهجير الجماعي الذي قامت به إسرائيل لجميع سكان غزة تقريباً، وغالباً ما حصل ذلك عدة مرات. وألحق نظام الإجلاء الإسرائيلي ضرراً بالغاً بالسكان، وغالباً ما كان هدفه بث الخوف والقلق فقط. بدلاً من ضمان الأمن للمدنيين النازحين، ضربت القوات الإسرائيلية مراراً وتكراراً طرق الإجلاء والمناطق الآمنة المحدد".

وطبقاً للتقرير، فإن أوامر الإخلاء غير متسقة وغير دقيقة، وفي كثير من الأحيان لم يُبلغ المدنيون بها قبل وقت كافٍ للسماح بعمليات الإخلاء أو لم يُبلَغوا بها على الإطلاق. لم تراعِ الأوامر احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم ممن لا يستطيعون المغادرة دون مساعدة. وبصفتها سلطة الاحتلال، تعتبر إسرائيل ملزمة بضمان توفير التسهيلات الكافية لإيواء المدنيين النازحين، لكن السلطات منعت وصول جميع المساعدات الإنسانية الضرورية والمياه والكهرباء والوقود إلى المدنيين المحتاجين في غزة، باستثناء جزء يسير منها.

وألحقت الهجمات الإسرائيلية أضراراً ودمرت الموارد التي يحتاجها الناس للبقاء على قيد الحياة، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والبنية التحتية للمياه والطاقة والمخابز والأراضي الزراعية.

وأكد التقرير أن الجيش الإسرائيلي هدم عمداً البنية التحتية المدنية أو ألحق بها أضراراً جسيمة، بما في ذلك عمليات هدم المنازل بشكل ممنهج، بهدف مفترض هو إنشاء "منطقة عازلة" ممتدة على طول حدود غزة مع إسرائيل وممر يقسم غزة، لافتاً إلى أنّ هذا التدمير الهائل يشير إلى نية تهجير العديد من السكان بشكل دائم.

ومنذ الأيام الأولى للحرب على غزة، أعلن كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية ومجلس شؤون الحرب نيتهم تهجير السكان الفلسطينيين في غزة، حيث صرح وزراء الحكومة بأن أراضي القطاع ستتقلص وأن نسف غزة وتدميرها بالكامل "أمر رائع"، وأن الأراضي ستُمنح للمستوطنين. في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قال وزير الزراعة آفي ديختر: "نحن الآن بصدد تنفيذ نكبة غزة".

 ووجدت هيومن رايتس ووتش أن التهجير القسري كان واسع النطاق، وتُظهر الأدلة أنه كان منهجياً وجزءاً من سياسة الدولة. تُشكل هذه الأعمال أيضاً جريمة ضد الإنسانية. ومن المرجح أن يكون التهجير المنظم والعنيف الذي تقوم به السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين في غزة، وهم مجموعة عرقية مختلفة، مخططاً له لأن يكون دائماً في المناطق العازلة والممرات الأمنية. وترقى هذه الأعمال التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية إلى التطهير العرقي.

ولفت التقرير إلى أن الفلسطينيين في غزة في ظل حصار غير قانوني منذ 17 عاماً، وهو ما يشكل جزءاً من الجرائم ضد الإنسانية المستمرة، المتمثلة بالفصل العنصري والاضطهاد، التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، مطالباً حكومات العالم بالإدانة علناً للتهجير القسري الذي تُمارسه إسرائيل بحق المدنيين في غزة، باعتباره جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وعليها الضغط على إسرائيل لوقف هذه الجرائم فوراً والامتثال للأوامر الملزمة المتعددة الصادرة عن "محكمة العدل الدولية" والالتزامات المنصوص عليها في رأيها الاستشاري الصادر في يوليو/تموز. ودعا التقرير إلى أن تتبنى عقوبات محددة الأهداف وغيرها من التدابير، بما في ذلك مراجعة اتفاقياتها الثنائية مع إسرائيل، للضغط على الحكومة الإسرائيلية للامتثال لالتزاماتها الدولية بحماية المدنيين.

وطالب التقرير المدعي العام لـ"المحكمة الجنائية الدولية" أن يُحقق في تهجير إسرائيل للفلسطينيين ومنعهم من ممارسة حقهم في العودة، باعتباره جريمة ضد الإنسانية. ينبغي للحكومات أيضاً أن تدين علناً الجهود الرامية إلى ترهيب مسؤولي المحكمة والمتعاونين معها والتدخل في عملها.

وشدد التقرير على ضرورة أن تعلق الولايات المتحدة وألمانيا ودول أخرى على الفور عمليات نقل الأسلحة والمساعدات العسكرية إلى إسرائيل، مؤكداً أن الاستمرار في تزويد إسرائيل بالأسلحة يعرضها لخطر التواطؤ في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وقالت هاردمان: "لا يمكن لأحد أن يُنكر الجرائم الفظيعة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة. نقل المزيد من الأسلحة والمساعدات إلى إسرائيل من قبل الولايات المتحدة وألمانيا وغيرهما هو بمثابة تفويض مطلق بارتكاب المزيد من الفظائع، ويعرضهم بشكل متزايد لخطر التواطؤ في ارتكابها".

كذلك طالب التقرير دولة الاحتلال الإسرائيلي بوقف التهجير القسري، والامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية، ورفع الحصار وفتح المعابر وإعادة الخدمات الأساسية وتعويض الضحايا، فيما طالب مصر بفتح معبر رفح وضمان وصول الخدمات الأساسية للفلسطينيين الفارين من غزة، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم، إضافة إلى تسهيل حركة الفلسطينيين الذين لديهم طرق قانونية للهجرة إلى دول أخرى وتقديم الدعم اللازم لهم في هذا الإطار.

"هيومن رايتس ووتش" لـ"العربي الجديد": نساند بقوة إجراءات محكمة العدل الدولية

من جانبه، قال مدير التواصل والمرافعة بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، أحمد بن شمسي، رداً على سؤال "العربي الجديد" عن تفادي التقرير وصف الجرائم في غزة بـ"الإبادة" إن "هذا التقرير لا يطبق اتفاقية الإبادة الجماعية على الانتهاكات المتعلقة بالنزوح، بل يطبق المادة الـ 49 من اتفاقية جنيف ويكشف ويفضح ادعاء إسرائيل أنها تقوم بعمليات إجلاء آمنة وفقًا لقوانين الحرب". وتابع: "هذا لا يعني أن الإطار الخاص بقانون الإبادة الجماعية لا ينطبق أو لن ينطبق، بل يعني فقط أن هذا التقرير بالذات يركز على كيفية انتهاك الإجراءات للمادة الـ 49، وكيف ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة بالتهجير القسري". 

وأردف بن شمسي: "توفر القضية المرفوعة من قبل جنوب أفريقيا فرصة مهمة لمحكمة العدل الدولية لتقديم إجابات واضحة ومحددة حول مسألة ما إذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. من جهتنا، نساند بقوة إجراءات محكمة العدل الدولية، ونعتقد أن شدة وخطورة الانتهاكات الإسرائيلية المرتكبة في غزة تستدعي التدقيق من جانب أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة".

ومضى قائلاً: "طبعاً، ندرك التقييمات الأخرى التي تفيد بأن الوضع في غزة يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، ونحترم الهيئات الحقوقية والدولية التي قامت بتلك التقييمات، التي نعتبرها جزءاً من الحراك الحقوقي الكوني وتضافر الجهود من أجل الدفع نحو العدل والمحاسبة. أما نحن، فنواصل كل يوم بحثنا من كثب للوضع على الأرض، وخصوصاً، في الآونة الأخيرة. ما زلنا نبحث، وسنواصل البحث. وفي ما يخص عملنا، قاعدتنا هي أننا لا نكشف التفاصيل عن أبحاثنا الجارية أو منشوراتنا المستقبلية. أبحاثنا الميدانية وتحاليلنا القانونية شاقة وتستغرق وقتاً طويلاً، ومصداقيتنا مبنية على الالتزام بصرامة ودقة أبحاثنا وتحاليلنا، مهما طال وقت إنجازها، ودون الرضوخ لأي ضغوطات من أية جهة خارجية، سواء الجهات التي تدفعنا إلى التقليل من جرائم إسرائيل، أو تلك التي تدفعنا إلى التصعيد الكلامي استباقاً لنتائج عملنا المتواصل".

واختتم بن شمسي حديثه لـ"العربي الجديد" بالقول: "راقبنا ووثقنا الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عقود طويلة، وعبر آلاف التقارير والبيانات والفيديوهات والمقابلات الصحافية. نحن أول منظمة دولية خلُصت إلى أن إسرائيل ترتكب الفصل العنصري (أبارتهايد) والاضطهاد ضد الفلسطينيين، وهما جريمتان ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي. وجدنا كذلك أن الجيش والسلطات الإسرائيلية مسؤولون عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضخمة في غزة، فضلاً عن الضفة الغربية ولبنان. ودعَونا إلى وقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل وحذرنا جميع الدول التي تواصل تلك المبيعات من التواطؤ في الجرائم التي تقترفها إسرائيل، ودعَونا كذلك إلى فرض عقوبات على المسؤولين الإسرائيليين، وإلى الدعم القوي لتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، بما في ذلك قضية الإبادة الجماعية، رغم كل الضغوطات التي تُمارس على هاتين الهيئتين الدوليتين".

المساهمون