مشوار حنا مسمار في صنع الفخار والخزف، ابتدأ في بيت بجبل سيخ في مدينة نتسيرت عيليت، التي أصبحت تعرف اليوم بنوف هجليل، إذ اتخذ له مكانا في مبنى المحكمة المركزية القديمة التي أقيمت على أنقاض أراضي الفلسطينيين من الناصرة والقرى المجاورة، غير أن السلطات الإسرائيلية قامت بمصادرة أرضه سنة 1959، ولم يستسلم لها، بل ناضل للدفاع على أرضه في أروقة المحاكم وتشبث بحقه، وبعد سنوات طويلة تم منحه أرضاً بديلة في مدينة الناصرة بشارع نزلة مسمار، والذي نسب إلى اسم العائلة الذين يعملون في صنع الفخار والخزف منذ عام 1961.
وفي حديث مع الحفيد صاحب مصنع الفاخورة، بسام مسمار، الذي يحترف مهنة الفخار والخزف يقول:"اسم الفاخورة جاء من كلمة فخار وهو متعارف عليه بين الناس، ويعود الفضل في إنشائها للجد حنا سعيد مسمار وهو من مواليد سنة 1896، عندما وُلد توفيت والدته وأصبح يتيم الأم، فأرسله والده إلى مدرسة خاصة في القدس كانت تسمى دار الأيتام السورية "شنلر"، وخلال عودته إلى البيت في الناصرة كان يقوم بغسل ملابسه خارج المنزل وكانت المياه تختلط بالتراب، فلفته هذا الامتزاج وأخذ التراب وصنع منه تمثالا ومن هناك بدأت موهبته".
ويتابع الحفيد "سافر جدي إلى ألمانيا، وبالضبط إلى مدينة ميونيخ، وهناك تعلم فن الفخار لمدة أربع سنوات، وعندما أنهى تعليمه عاد إلى المنطقة وجال في سورية والأردن، ثم عاد إلى الناصرة إلى جبل سيخ الذي يقع شرقها، وذلك بسبب وجود تراب صلصالي فيها. فبنى المكان الأول له على الجبل مع جدتي، وصنع كل الأدوات الخزفية التي كانت تستعمل في كل البيت، بما فيها الخاصة بالطبخ وتخزين المياه في عشرينيات القرن الماضي".
ويضيف:" ولأن ابن الوز عوام، فقد تعلم أبناؤه أيضا الحرفة وأنتجوا أدوات خزفية، وعندما وفروا المال جلبوا ماكينات من الخارج لتطوير عملهم، فأصبحت الآلة تنتج 1200 قطعة فخار في الساعة، وعملوا أيضا على أفران الكهرباء ذات الجودة والسرعة بالإنتاج".
ويكمل "نحن الجيل الثالث من العائلة نسعى للحفاظ على هذه الحرفة، لأنها تروي تاريخ منطقتنا وكفاح جدنا، ونعمل على تمرريها للجيل الصاعد، فوراء كل قطعة خزفية حكاية كما كان يقول جدي".
ويوضح أنّ "فاخورة مسمار"، كانت واحدة من ستة فواخير في منطقة الشمال قبل سنة 1948، منها فاخورة كفار سمير لعائلة عطالله في طيرة حيفا ما زالت موجودة إلى اليوم، وفاخورة أخرى في منطقة الجلمة، وفاخورة لأبو عصام الغزاوي، إلى جانب ثلاث فواخير في الناصرة حتى سنوات السبعيينيات، لعائلات مسمار وقسيس في حي الفاخورة بالناصرة، وعائلة أبو محمود الحنفي بحي الخانوق بالناصرة.
ويتابع بسام:" في السابق كانت لهم نقابة، يجتمعون ويتداولون الأشكال والموديلات ويحددون الأسعار ولكل منهم منطقته للبيع، جمعت بينهم علاقات طيبة وكانوا يتباحثون في كل شؤون تسويق الفخار باتفاق النقابة، اليوم بقينا وحدنا".
ويشير المتحدث إلى أن الأحفاد ورثوا عن جدهم (توفي سنة 1988)هذه الحرفة ورسالتها أيضا، إذ إنه صنع خلال حياته أشكالا جسدت قضيتنا الاجتماعية والسياسية بعد 48".
يعمل بسام مع شقيقه ويحاول تمرير هذه الحرفة التراثية إلى الجيل القادم، وذلك من خلال دورات تعليمية للبالغين والصغار، وأيضا ورشات وزيارات لمجموعات وطلاب مدارس. ويقول " من خلال قطعة طين صحية وغير ملوثة من تربتنا وجذورنا، نحكي حكاية صمودنا وتاريخنا للجيل القادم"، مشيرا إلى أنّ ماكينة الخزف الأولى في فاخورة مسمار، اقتناها جده قبل مائة عام من إنتاج أوروبي ألماني، وما زالت تعمل حتى يومنا هذا.
ويلفت المتحدث إلى أن هناك عودة اليوم إلى استعمال أدوات الفخار للتخزين، وإلى استخدام الأدوات الطينية.