كسر الشاب الفلسطيني محمود أبو ناموس مفهوم "الإعاقة السمعية"، التي يعاني منها، ونجح في تحويلها إلى حافز جديد، عبر صناعة الحلويات وتزيينها بألوان الفرح الزاهية، والنابضة بالحُب والحياة.
ويتطلع الشاب أبو ناموس، من خلال صناعة الحلوى وتزيينها إلى إثبات قدرته على التواصل مع الناس، إذ اختار هذه المرة الانضمام إلى أسرة أحد المطاعم غربي مدينة غزة، بعد أن كان ناشطاً في الفعاليات والأنشطة المحلية، إلى جانب نشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويتحرك أبو ناموس بخفة بين أنابيب الكريما الملونة، والفواكه المجففة، وأواني صنع الكيك والحلويات، يلتقطها بفرح، ويُزينها بخيال واسع، ويقدمها بِحُب، وقد امتلأ فخراً بما يصنع، خاصة وأنه حَوّل تعاطف الناس مع إعاقته، إلى إعجاب.
ولا يقتنع الشاب بمصطلح "الإعاقة" أو بمعناه الحرفي، إذ سعى بأنشطته المتنوعة، ومشاركته المتواصلة إلى توجيه أنظار الناس إلى صنيعه، وقدرته على اجتياز الأزمة، وتحويلها إلى حافز إضافي نحو النجاح والتميز.
البطالة وعدم توفر فرص العمل كانا العقبة الأولى أمام الشاب محمود أبو ناموس، تخصص إبداع الحاسوب من الجامعة الإسلامية بغزة، ما دفعه للعمل في حزمة من الأعمال المتنوعة، بدأت بالتدرب على لغة الإشارة، ودهان الجدران، والتصميم، إلى جانب عمله في أعمال حرفية مختلفة وشاقة، إلى أن وصل للعمل في صناعة الحلويات.
ويحاول أبو ناموس الذي اختار الحديث مع "العربي الجديد" من خلال تبادل الكتابات الورقية أن يبهر الجميع بقدرته على التأقلم، وترجمة الأفكار التي تدور داخل عقله بالكريما والألوان وتزيين قطع الحلوى، تأكيداً على أن الإعاقة ليست سوى إعاقة الذهن.
وأدرك أبو ناموس منذ صغره أهمية المشاركة في الأنشطة والفعاليات المجتمعية، بغرض إبراز شخصيته، وإثبات ذاته، إلا أنه بدأ ممارسة ذلك فعلاً بعد نجاحه في الثانوية العامة، والتحاقه بالجامعة، حيث شارك في الأنشطة التي تحقق له رغبة الانخراط في المجتمع.
ويوضح أنه التحق بدورة نظمتها "جمعية أطفالنا للصم" على مدار ثلاثة أشهر اختصت بتعليم طرق طهي الكيك، كانت بمثابة انطلاقته الأولى نحو عالم الطبخ والحلويات، وانتهت بإتقانه لصنع عدد من الحلويات مختلفة الأشكال والأنواع، وطرق التزيين الخاصة بها.
ويقول أبو ناموس الذي لم ينكر وجود عدد من الصعوبات، التي تغلب عليها بإصراره على إكمال الطريق، وحرصه على كسر أي حاجز بينه وبين الأشخاص الأسوياء، إنه بذل المزيد من الجهد كي يتميز في هذه التجربة الجديدة، والمثيرة بالنسبة له، ولمن حوله.
ويضيف: "حظيت بالكثير من التشجيع من الأهل والأصدقاء، وهذا كان من أسباب نجاح الخطوات الأولى"، موضحاً أنه لمس نظرات الرضا في عيون الناس الذين يؤمنون بضرورة تواجد أصحاب القدرات الخاصة، بغرض الاستفادة من مخزون أفكارهم، والتي لا يمكنهم التعبير عنها سوى في العمل.
وتواجه أبو ناموس عدة عقبات، أبرزها عدم الاهتمام المجتمعي بلغة الإشارة، كلغة مهمة تحاكي شريحة من المجتمع، بينما يوصي بضرورة الاهتمام بالأفراد ذوي الإعاقة بشكل عام، والأشخاص ذوي الإعاقة السمعية تحديداً عبر تسهيل عملية التواصل وتحقيق الدمج في المجتمع.
ويرى بعض أصحاب المطاعم والشركات والمحلات التجارية، أن استقطاب الأشخاص ذوي الإعاقة يمكن أن يحفزهم على تقديم الأفضل، ويكسر نمطية التفكير المجتمعي السلبي نحوهم، علاوة على تشجيع الزبائن أصحاب الاحتياجات الخاصة على زيارة المكان، وتسهيل عملية التواصل معهم.
وتقول ميرا بكري منسقة الأنشطة في المطعم الذي يستضيف أبو ناموس، إنه أبدى نشاطاً واضحاً في العمل، دون أن يتقيد بصناعة صنف محدد من الحلويات، مضيفة: "نتعامل معه كشخص طبيعي دون أي تمييز، إذ نحدثه بالصوت إلى جانب الإشارة، وحين يخطئ يتحمل المسؤولية كباقي زملائه (..) نتطلع فقط لنتائج عمله".