حمّى الوادي المتصدع... مصر تترقّب بحذر عند الحدود الجنوبية

26 أكتوبر 2019
الحمّى تهدّدهم وتهدّد ماشيتهم (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -

ثمّة قلق في مصر اليوم إزاء دخول فيروس حمّى الوادي المتصدّع إلى البلاد من الحدود مع السودان المصاب، لا سيّما مع العجز في عدد الأطباء البيطريين

تقف حمّى الوادي المتصدّع القاتلة التي تصيب الإنسان والحيوان على حدّ سواء، عند الحدود الجنوبية لمصر بعد إعلان السودان انتشار المرض في الجهة الثانية لتلك الحدود. وقد أكّد النقيب السابق للأطباء البيطريين في مصر، الدكتور سامي طه، لـ"العربي الجديد" أنّ "وزارة الصحة السودانية أعلنت قبل نحو عشرة أيام انتشار الحمّى في شمال شرقي البلاد، وذلك بعدما كانت تُسجَّل على مدى الشهر الماضي حمّى مجهولة هناك، غير أنّ أحداً لم يثبت طبيعتها قبل ذلك الحين". وعبّر طه عن تعجّبه من موقف الحكومة المصرية التي وصفت حالات حمّى الوادي المتصدع بالسودان بأنّها مجرّد حالات اشتباه في المرض على الرغم من أنّ السلطات السودانية أقرّت بالواقع".

ويوضح طه أنّ "هذه الحمّى مرض أفريقي في الأساس ظهر بداية في الوادي المتصدع الكبير في كينيا في عام 1912، بالتالي سُمّي كذلك، علماً أنّه لم يتخطَّ حدود أفريقيا منذ ذلك الحين إلى أيّ قارة أخرى. وفي عام 1976، وصل المرض إلى السودان ثمّ إلى مصر في خريف عام 1977، فطاول للمرّة الأولى مدينة بلبيس في محافظة الشرقية وأصاب حينها الناس دون الحيوانات. ثمّ ظهر في أسوان بين الحيوانات قبل أن ينتشر في جميع أنحاء البلاد ويصيب 18 ألف مواطن مصري ويودي بحياة 598 آخرين، من بينهم طبيب. يُذكر أنّ الدكتور إبراهيم بدران كان حينها وزيراً للصحة وقد ألّف لجنة طبية لمواجهة الأزمة".

ويكشف طه أنّ "اللقاح الخاص بالمرض بهدف تحصين الحيوانات لم يكن حينها متوفراً إلا في دولتَين اثنتَين هما دولة الاحتلال الإسرائيلي وجنوب أفريقيا، لكنّ العلاقات كانت مقطوعة بين مصر وهاتَين الدولتَين". وهو ما دفع الجهات المصرية إلى تطوير لقاح للحيوانات، عمل عليه الطبيبان البيطريان الدكتورة إيمان زغلول والدكتور رفعت القرماني. والمرض بحسب طه "ينتقل من خلال البعوض، وثمّة 26 نوعاً من البعوض تنقل الفيروس، أبرزها بعوضة كيولكس. ولعلّ الخطر يكمن في أنّ هذا المرض لا يُنقل من خلال البعوض فحسب، إنّما عبر ملامسة الحيوانات وسوائلها والدم في أثناء الذبح، وكذلك عند انتشار الفيروس في الهواء. بالتالي، فإنّ المعرّضين للمرض هم الفلاحون في الريف المصري والأطباء البيطريون". ويشرح أنّ هذا المرض يتسبّب لدى الإنسان في "تلف البصر إلى جانب اضطرابات عصبية والتهابات في الكبد، فضلاً عن نزيف داخلي يؤدي إلى الوفاة".



ويحذّر طه من أنّ "الظروف الحالية في البلاد تُعَدّ مؤاتية تماماً لانتشار المرض مثلما كانت ظروف عام 1977، وهي بالتالي تشجّع على انتقال الفيروس إلى مصر بشكل أكثر شراسة، خصوصاً أنّ المرض قد يظلّ كامناً لمدّة شهر كامل مثلما حدث في السودان. والأمطار هي من أبرز الظروف المشجّعة على نشاط الفيروس، ونحن مقبلون على فصل الشتاء في مصر، بالإضافة إلى أنّ بحيرة ناصر جنوبي مصر هي مرتع للبعوض. ومحافظة الشرقية حيث ظهر المرض للمرّة الأولى، هي كذلك مرتع للبعوض من خلال مصرف بحر البقر، والأمر سيّان بالنسبة إلى بحيرة المنزلة في سيدي سالم في محافظة كفر الشيخ".

ويتحدّث طه عن "عجز كبير في أعداد البيطريين يصل إلى حدّ 50 في المائة من القوّة البشرية المطلوبة، فضلاً عن العجز في الإمكانات اللوجستية والفنية. بالتالي، لا بدّ من تعيين أطباء بيطريين جدد، بالإضافة إلى تحصين الحيوانات مجاناً وفقاً لقانون الزراعة المصري الذي ألغته الحكومة في عام 2013 في عهد الرئيس السابق عدلي منصور". ويطالب بـ"منع ذبح الحيوانات خارج المجازر لأنّ من شأن ذلك أن ينقل الأمراض، لا سيّما هذا المرض، إلى البشر في حال كانت الحيوانات مصابة. ولا بدّ من أن تتّخذ الحكومة المصرية اليوم إجراءات احترازية، منها الحجر البيطري والصحي، وتأليف لجنة علمية لمواجهة الكارثة (المحتملة) المقبلة، ووقف استيراد الحيوانات الحيّة من السودان، وكذلك وقف استيراد مخلفات الحيوانات المذبوحة منها، مع تشديد الرقابة البيطرية على اللحوم المجمّدة الآتية من السودان".

ربّما كان الثوران مصابَين بالفيروس (إيف جيلي/ Getty)



وقد أصدرت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية بياناً أعلنت فيه اتخاذ كل الإجراءات الاحترازية بعد الأخبار المتداولة في وسائل الإعلام حول الاشتباه في حالات إصابة ماشية بحمّى الوادي المتصدّع في مناطق شمال شرقي السودان تسبّبت في نفوق بعضها وإجهاد أخرى. وأكّدت القيام بما يلزم لحماية البلاد من المرض عبر تحصين الحيوانات القابلة للإصابة في المناطق الحدودية المتاخمة لدولة السودان، مع إقامة منطقة حزام آمن ضدّ المرض". وفي السياق، أشار الوزير عز الدين أبو ستيت إلى التنسيق مع محافظي المناطق الحدودية لتقييد حركة الحيوانات، إلا إذا كانت مرقّمة مع بطاقات تسجيل تثبت تحصينها ضدّ المرض وتاريخه.

أضاف أنّ التنسيق قائم مع وزارة التنمية المحلية من خلال تنبيه المحافظين في المحافظات الحدودية إلى رشّ المركبات وما تحمله من حيوانات بالمواد اللازمة، وضبط أيّ عملية تهريب عبر الحدود، كذلك رفع درجة الطوارئ في المعامل (المختبرات) الحدودية التابعة لمعهد بحوث الصحة الحيوانية، واستنفار أطباء المحاجر للعمل على مدار الساعة وفحص كل الحيوانات الواردة إلى المحاجر.



من جهته، صرّح رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية في وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، الدكتور عبد الحكيم محمود، بأنّ التنسيق جار مع معهدَي الحشرات والصحة الحيوانية لتجميع الحشرات الناقلة للفيروس وتصنيفها وتحليلها بهدف اكتشاف وجود الفيروس من عدمه. أضاف أنّ التنسيق قائم كذلك مع الإدارة العامة لناقلات الأمراض في وزارة الصحة لرشّ وتطهير أماكن تكاثر الحشرات بجميع محافظات الجمهورية، مع تكثيف العمل في محافظات جنوب مصر والمحافظات الحدودية حيث الخطورة عالية".

تجدر الإشارة إلى أنّ وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية أعلنت قبل أيام عن تعليق استيراد المواشي من جمهوريتَي السودان وجيبوتي، موضحة أنّ قرارها في ما يخصّ السودان أتى على خلفية إعلان المنظمة العالمية للصحة الحيوانية ظهور إصابات بحمّى الوادي المتصدع بين المواشي السودانية. وفي ما يخصّ جيبوتي، فالأمر عائد إلى ثبوت وجود عيّنات إيجابية في إحدى الشحنات المرسلة إلى السعودية. وقد أكّدت الوزارة أنّها شدّدت إجراءاتها الاحترازية في المحاجر، وأعلنت تأهب الفرق البيطرية في كل المناطق السعودية.
المساهمون