نازحو مرزق الليبية... الصراع السياسي يفاقم معاناتهم

12 أكتوبر 2019
المدينة محاصرة من كلّ الجهات (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -
يحظى النازحون في ليبيا على خلفيّة الحرب التي يشنّها اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس منذ إبريل/ نيسان الماضي، باهتمام محلي وكذلك دولي وإن أتيا متواضعَين. وتشير تقارير حكومية محلية وأخرى لجهات دولية إلى أنّ عدد هؤلاء النازحين تجاوز 122 ألف شخص، فيما تُسجَّل مساعٍ مختلفة لمعالجة أوضاعهم. لكنّ نازحي مدينة مرزق، وسط جنوب البلاد، لا يلقون أيّ اهتمام، لا محلي ولا دولي، بالتالي لا يتوفّر أيّ إحصاء دقيق لأعدادهم.

وتعيش مرزق، ثاني كبرى مدن الجنوب الليبي، أوضاعاً أمنية متردية منذ وقوعها في دائرة حملات حفتر العسكرية الساعية إلى السيطرة على الجنوب. وبسبب موقفها الرافض لسيطرته، تعرّضت إلى انتهاكات كثيرة، من قبيل عمليات الخطف والتصفية المباشرة في الأحياء وداخل البيوت، بالإضافة إلى القصف المركّز. وقد أقرّ المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة، في تصريحات سابقة، بأنّ القصف في أوّل أيام هجوم قوات حفتر على مرزق "أسفر عن مقتل ما لا يقلّ عن 18 شخصاً من سكان مرزق فيما أُصيب 29 آخرون، وأُحرق 90 منزلاً"، غير أنّه اكتفى بوصف القتال في المدينة بأنّه صراع داخلي من دون التنديد بتجاوزات قوات حفتر.

وتُعَدّ قضيّة نازحي مرزق مركّبة، إذ إنّ ثمّة معاناة من جرّاء الانقسام السياسي إلى جانب معاناة النزوح. فحكومة مجلس النواب الموالية لحفتر تُعدّ المدينة موالية لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا وتمتنع عن تقديم المساعدات لأهلها، بينما تصرّح حكومة الوفاق بأنّها عاجزة عن الوصول إلى نازحي المدينة بسبب حرب حفتر على العاصمة التي قطعت الطريق المؤدّي إلى مرزق.



علي إبريكاو، ناشط من مرزق، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "أهالي المدينة يعيشون الشتات حالياً. ونظراً إلى تركيبة المدينة، فإنّ سكانها لا ينتمون جميعاً إلى فصيل قبلي واحد يعارض حفتر، بالتالي لماذا التعميم؟". يضيف إبريكاو أنّ "المساعدات التي تقدَّم لنازحي المدينة هي تبرّعات بدافع اجتماعي من بلديات جنوبية استقبلتهم أو من جمعيات خيرية"، مؤكداً أنّ "جمعيات وهيئات اجتماعية فشلت في إقناع مجلس النواب وحكومته بضرورة تقديم المساعدة للنازحين". ويلفت إبريكاو إلى أنّه "بعد أيام قليلة من الهجوم على المدينة زار وفد أهليّ بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التي ما زالت تصفنا بالمكوّن القبلي، فيما يصفنا حفتر بأنّنا مليشيات تشادية ويسعى إلى طردنا من البلاد".

من جهته، يقول عيسى جمعه، ناشط مدني من مرزق، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حكومة الوفاق وعدت بمساعدات وأعدّتها، لكنّها لم تستطع إيصالها إلى نازحي المدينة المبعثرين في الجنوب بسبب سيطرة قوات حفتر"، مشيراً إلى أنّ "بلديات مناطق الغريفة وبنت بيه وبراك الشاطئ أسّست لجاناً خاصة لمتابعة نازحي مرزق بشكل تطوّعي بعيداً عن تكليفات سلطات البلاد". يضيف جمعه أنّ ثمّة حملة اجتماعية انطلقت قبل مدّة تحت شعار "من أجلك يا مرزق"، موضحاً أنّ "الهدف منها جمع تبرّعات للتخفيف من معاناة النازحين. وقد تمكّنت الحملة من توفير احتياجات كثيرة لهؤلاء لكنّها غير كافية". ويتحدّث جمعه كذلك عن "مشكلة أخرى وهي اضطرار النازحين إلى مغادرة مدارس كثيرة لجأوا إليها، في القريب العاجل، بسبب انطلاق العام الدراسي الجديد وعودة التلاميذ إلى مدارسهم".



ويلفت جمعه إلى "مشكلة كبيرة أخرى هي حقّ العودة. فالمليشيات تسيطر على مرزق وتعسكر حولها ولا تعترف بحقّ الأهالي في الرجوع إلى بيوتهم، وتصفهم بالتشاديين، وفي أحسن الأحوال تقول إنّهم حاضنون للمليشيات التشادية". ويخبر جمعه أنّ "ثمّة نازحين حاولوا العودة إلى المدينة، فواجههم أحد مسلحي حفتر قائلاً لهم: حظكم كبير لأنّنا لم نقتلكم. إيّاكم والرجوع إلى هنا". ويؤكد أنّ "ما حصل رُفع إلى منظمات دولية، من بينها الأمم المتحدة"، شارحاً أنّه "عقدنا اجتماعات مطوّلة ومتعددة مع منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) والمنظمة الدولية للهجرة وغيرها، لكن من دون أيّ استجابة".

منذ اقتحام قوات حفتر المدينة في فبراير/ شباط الماضي، نظّم نازحو مرزق وقفات احتجاجية، وقد ذكروا في أحد بياناتهم أنّ عدد العائلات النازحة من المدينة بلغ نحو خمس آلاف عائلة وعدد الأفراد نحو 25 ألف نازح منتشرين في عدد من المدن الليبية، لا سيّما سبها ووادي عتبة وأوباري وبنغازي وبراك الشاطئ وطرابلس وترهونة. وفي بيانات أخرى نشاد النازحون السلطات في البلاد والمنظمات الحقوقية وبعثة الأمم المتحدة لتشكيل لجان تقصّي حقائق والوقوف على الجرائم الإنسانية التي تُقترف بحقّ المدنيين والنازحين. كذلك طالبوا وسائل الإعلام بنقل الحقيقة من داخل مخيّمات النازحين ومن داخل مدينة مرزق، معبّرين عن رفضهم الزجّ بهم في أتون الخلافات والصراعات السياسية.
المساهمون