جفاف العراق... مواطنون نحو النزوح والهجرة

بغداد

محمود جبار

avata
محمود جبار
29 يونيو 2018
C303B410-4071-4133-AE0B-FB25E79D5CEB
+ الخط -

يبدو أنّ بعض العراقيين يفكّرون في النزوح أو الهجرة من بلادهم في ظل الجفاف الذي يهدد محاصيلهم الزراعية ومعيشتهم. ولا يبدو أن المواطنين شعروا بالاطمئنان، على الرغم من نفي الحكومة وجود أزمة

يترقّب العراقيون في الساعات القادمة انتهاء شهر يونيو/ حزيران ومعه فترة تأجيل تركيا ملء سد أليسو الواقع في جنوب البلاد. ويخيّم الخوف على العراقيّين، وبدأ كثيرون يستعدون لنزوح داخل البلد بهدف تأمين المياه، في وقت يرغب آخرون في الهجرة إلى الخارج. ومن بقي من العراقيين يحاول إيجاد وسائل أخرى لتجاوز المشكلة.

تقول جهات حكومية إن الوضع ما زال تحت السيطرة، وقد تكون بعض الخطوات كافية لتجاوز مشكلة المياه، متوقعة انتهاءها العام المقبل. لكنّ جفاف النهر الأشهر في العراق، دجلة، خلال ساعات بعد بدء تشغيل تركيا لسد أليسو مطلع يونيو/ حزيران الجاري، كان كافياً ليشعر العراقيون بالخوف من مستقبل مجهول، وقد اشتهروا بالإسراف في استخدام المياه بسبب وفرتها.

وتؤكّد تركيا أنها دعت الجهات الحكومية، وفي مناسبات عدة، إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة، كونها تعمل على إنشاء سد أليسو الذي يتطلب تقليل ضخ المياه إلى نهر دجلة. وكان مقرراً أن تباشر بملء السد في مارس/ آذار الماضي، بحسب تصريح سابق للسفير التركي في بغداد فاتح يلدز. لكن وبطلب من العراق، أُرجئ ملء السد إلى يونيو/ حزيران الجاري.



وعاد السفير التركي ليؤكد أن قراراً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتأجيل ملء السد حتى يوليو/ تموز المقبل لم يتخذ بعد. يشار إلى أن الهدف من التأجيل هو التصدي لنقص المياه في العراق، بعد اعتراضات شعبية واسعة وجهت للسفير التركي، نتيجة بدء ملء السد مطلع يونيو/ حزيران.

أرعب شبه الجفاف العراقيين الذين لاحظوا انخفاض مستوى المياه في الأنهر بشكل غير معهود، ما دفعهم إلى مطالبة الحكومة بالسعي لإيجاد حلول، لا سيما مع الجانب التركي. وساهمت التحركات الشعبيّة في التوصّل إلى حل مؤقت، حين قررت أنقرة تأجيل ملء السد، وهو ما أعلنه وزير الموارد المائية العراقي حسن الجنابي في السابع من الشهر الجاري.

وطمأن وزير الموارد المائية حسن الجنابي العراقيين بعدم وجود "أزمة كارثية" تستدعي القلق، مشيراً إلى أن الإيرادات المائية للعام الحالي أقل بـ50%‏. كما قلل من أهمية انخفاض المياه من الجانب التركي لنهر دجلة. والحل لتفادي أي أزمة، يكمن من خلال دعوته المواطنين لـ"شراء خزانات مياه إضافية"، وهي المرة الثانية التي يطرح فيها هذا الحل، بعدما نصحهم مطلع الشهر بشراء خزانات لتخزين المياه.
ويلفت إلى أن "مخزون المياه الحالي يؤمن زراعة مليوني دونم"، متوقعاً "تحسن معدل الإيرادات خلال الأشهر الستة المقبلة".

خزانات

وبدأ العراقيون وبعد الحل الذي طرحه وزير الموارد المائية، بشراء خزانات كبيرة قدر المستطاع، لتخزين ما يستطيعون من المياه. ووفقاً لأحد التجار العراقيين، فإن الإقبال على شراء الخزانات دفعهم إلى استيراد أنواع مختلفة. ويقول لـ"العربي الجديد": "لتجهيز السوق بالسرعة الممكنة، استورد تجار خزانات بلاستيكية من إيران. وخلال أيام قليلة، يمكن تزويد السوق العراقية بما يفيض عن حاجتها بسبب سهولة النقل لقرب المسافة ووجود منافذ حدودية عدة تختصر المسافات والوقت".



وعلى الرغم من عدم قناعتهم بإمكانية تخزين الماء لفترة طويلة في حال لم تتمكن الجهات الحكومية من تنظيم تزويد المواطنين بالمياه، مع بدء تركيا بملء السد مطلع الشهر الجاري، يرى خبراء أنه يمكن تجاوز الأزمة في حال اعتمدت الوزارات المعنية آراءهم.

ويقول وائل رشيد إن "المواطنين أكثر وعياً من الجهات المسؤولة، وبدأوا البحث عن حلول آنية وأخرى طويلة الأمد". ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن هناك توجهاً من قبل المواطنين لحفر آبار داخل حدائقهم. يضيف: "إنه حل أمثل، وقد زاد الطلب على مضخات المياه".

وينبع نهر دجلة، المهدد بالجفاف، من مرتفعات جنوب شرق هضبة الأناضول في تركيا، ليدخل بعد ذلك أراضي العراق عند بلدة فيش خابور. وتصب في النهر مجموعة كبيرة من الروافد المنتشرة في أراضي تركيا وإيران والعراق. ويبلغ طول مجرى النهر نحو 1718 كيلومتراً، ويلتقي عند مدينة القرنة في البصرة، جنوب البلاد، مع نهر الفرات ليشكلا معاً شط العرب الذي يصب في الخليج العربي.

مزارع عراقي (حيدر حمداني/ فرانس برس) 


أكثر المناطق تضرّراً ستكون مناطق جنوب البلاد، وتعتمد فيها شريحة كبيرة من السكان على تربية الحيوانات والزراعة، لا سيما القرى على جانبي النهر، وسكان الأهوار، بحسب ما يؤكد علي الشويلي، عضو مجلس بلدي في محافظة ذي قار (جنوب البلاد). ويقول الشويلي لـ"العربي الجديد"، إن "عشرات آلاف الأسر ستتضرر بشكل كامل، منهم أولئك الذين يعتمدون على المياه بشكل كبير خلال زراعة محاصيلهم، لا سيما الأرز والحنطة. يضاف إليهم مربو الحيوانات الذين يملكون ماشية بأعداد ضخمة، ويعتمدون وسائل بدائية في تربيتها. وهذه تُغذى من خلال الرعي في المروج الخضراء وقرب الأنهر. وجفاف النهر يعني هلاك الماشية".

يضيف أن عدداً كبيراً من الأسر القاطنة في مناطق الأهوار تعتمد في غذائها وعملها على صيد الأسماك وتربية الجاموس. وشهدت مساحات كبيرة من الأهوار جفافاً خلال الفترة التي أوقفت فيها تركيا ضخ المياه إلى دجلة (من 1-7 يونيو/ حزيران)، وانتقلت عائلات إلى مناطق أخرى داخل الأهوار للحفاظ على حيواناتها".

هجرة

ويقول عادل الهموندي، الذي يعمل في مكتب للسياحة، إن استفسارات المواطنين نشطت خلال الأيام الأخيرة حول التملك في دول أخرى، أبرزها تركيا ومصر وسلطنة عمان. ويقول الهموندي لـ"العربي الجديد"، إن "الخوف واضح من المستقبل بسبب جفاف دجلة. البعض يفكر في بيع ما يملك في العراق وشراء عقار في بلد آخر. وآخرون يبحثون عن إقامة في بلد غير العراق".

وبتشجيع من شقيقه، يسعى فرياد عباس إلى تصفية أملاكه في العراق والبدء بمشروع في إحدى الولايات التركية. يقول عباس لـ"العربي الجديد": "شجعني شقيقي على هذه الخطوة. لم أكن أرغب في مغادرة البلاد، لكن الوضع أصبح مخيفاً. نتوقع كمواطنين أن تحدث مشاكل خطيرة قد تصل إلى انفلات الأمن". يضيف: "لا أحد يعرف ما سيحصل. الأحاديث والإشاعات التي يتناقلها الناس كثيرة. قررت بيع منزلي والمحال التجارية التي أملكها. ومن خلال المال الذي سأحصل عليه، سأعمل مع أخي في مشاريع زراعية في تركيا وأقيم هناك. المستقبل أصبح مجهولاً جداً في بلدي".



ولم تعلن الجهات الرسمية عن اتخاذ أية تدابير لحماية البلاد من تداعيات أزمة المياه المتوقعة، غير الاعتماد على مياه السدود. ويقول مصدر مطلع في وزارة الموارد المائية لـ"العربي الجديد"، إن "خبراء يقترحون حلولاً للأزمة تسمح للعراق بزراعة أكبر قدر ممكن من الأراضي، وتأمين حاجة العراقيين من المياه". يضيف أن الخطط طرحت منذ سنوات أمام الجهات المعنية في الوزارة، وأن أعضاء في مجلس النواب على دراية بها من دون إقرارها".
ويوضح المصدر: "أُعيد الحديث عن هذه المقترحات مع بدء أزمة سد أليسو. ويمكن البدء بها وتنفيذها للاستفادة من المياه الجوفية في مناطق محددة من البلاد". ويؤكّد المصدر على ضرورة تنفيذ هذه الخطة، التي قال إنها "تغني العراق عن المياه وإن قطع جريان دجلة والفرات، لأنها تسير بالبلاد نحو التطور التقني لإدارة المياه والانتفاع من الموارد المائية بأقل كلفة وأكثر انتاجاً".

لم يبقَ غير القليل (حيدر حمداني/ فرانس برس) 












ويشير المصدر إلى تجاهل خطط أخرى مطروحة من قبل الخبراء، تتعلّق بالاستفادة من الأنهار من خلال إنشاء سدود ضخمة تجمع مياه الأنهر وتمنع ذهابها إلى الخليج العربي. ويمكن الاستفادة منها في مشاريع توليد الكهرباء وتحويل الصحراء إلى واحات خضراء، ومشاريع سياحية واقتصادية تنعش الزراعة والثروة الحيوانية". ويستطرد قائلاً: "ما يمنع اعتماد هذه الخطط هو أن العراق سيصبح مكتفياً ذاتياً في قطاع الزراعة واللحوم والأسماك وبعض الصناعات، ما يضر أسواقاً أخرى، أهمها في دول الجوار، أبرزها إيران". ويرى أن "تدخل دول عدة في العراق، من خلال أتباع لها داخل المؤسسات الحكومية صاحبة القرار، جعل العراق يتحول إلى بلد مستورد وأدى إلى انهيار صناعته وزراعته وثروته الحيوانية".

ذات صلة

الصورة

سياسة

أعلنت وزارة الدفاع التركية، ليل أمس الأربعاء، قتل العديد من مسلحي حزب العمال الكردستاني وتدمير 32 موقعاً لهم شمالي العراق.
الصورة
تخشى النساء على أجنتهن ومواليدهن الجدد (كارل كورت/ Getty)

مجتمع

تواجه النساء الحوامل النازحات إلى مراكز الإيواء المختلفة في لبنان خوفاً كبيراً في ظل غياب الفحوصات الدورية والاستشارات الطبية، ويقلقن على صحتهن وصحة أجنتهن.
الصورة
احتجاج ضد مقتل الطفلة نارين غوران في تركيا، 9 سبتمر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

لم تلق جريمة قتل بتركيا، ما لقيه مقتل واختفاء جثة الطفلة، نارين غوران (8 سنوات) بعدما أثارت قضيتها تعاطفاً كبيراً في تركيا واهتماماً شخصياً من الرئيس التركي
الصورة
يشاركون في أحد النشاطات (حسين بيضون)

مجتمع

يساهم الدعم النفسي والأنشطة الترفيهية التي تقيمها جمعيات للأطفال النازحين في جنوب لبنان في تخفيف الضغوط، رغم اشتياقهم إلى بيوتهم وقراهم.