انهيارات المنازل تؤرق السودانيين وسط صمت حكومي

15 سبتمبر 2017
تحوّل منزل صديق السوداني إلى حطام (Getty)
+ الخط -

بين عشيّة وضحاها، تحوّل منزل صديق السوداني (50 عاماً) بوسط مدينة أم درمان في العاصمة السودانية إلى حطام وتساوت غرفه مع الأرض تماماً، بعد أن اخترقته مياه مجهولة وغمرت كل ركن فيه، حاله حال كثير من المنازل أصبح سكانها يعيشون في برك من المياه غمرت معظم الشوارع واخترقت المحلات التجارية في ظل صمت حكومي.

وأغرقت المياه ثلاث مناطق بوسط أم درمان، من بينها "الموردة وبيت المال"، ولازالت تهدّد مناطق أخرى، وتعدّدت أسبابها بين الطبيعية لتسرب مياه النيل تحت الأرض، وأخرى بشرية تتصل بالسلوك البشري في التعامل المختلف مع المياه، وفقاً لدراسات حكومية.

وأدخلت الظاهرة الهلع في نفوس أهالي وسط أم درمان وهم يراقبون منازلهم التي تصدعت وتشربت بالماء، وتشكلت في باحات بيوتهم برك عديدة تنبع من تحت الأرض.

وانهار نحو 30 منزلاً بشكل كامل و60 منزلاً آخر بشكل جزئي خلال الفترة الماضية، وفق إفادات الأهالي، الذين منهم من اضطر إلى الهجرة في ظل بطء التحرك الحكومي.

وعبر أهالي "بيت المال" عن تذمرهم من استمرار مشكلتهم في ظل الصمت الحكومي وتفاقمها بشكل مخيف، ما جعل حياتهم مهددة في حال انهيار المنازل فوق رؤوسهم.


قال صديق إنّه تفاجأ بانهيار منزله تماماً قبل عام، بعدما ظل صامداً في مواجهة مواسم أمطار وفيضانات كانت أقسى على المنطقة والبلاد عموماً، وأشار إلى أن حادثة الانهيار لم تتسبب في أي خسائر بالأرواح، لأنه كان خارج المنزل وقتها، كما أن زوجته والأبناء كانوا في رحلة سفر.

وذكر أنه عمل على إنشاء غرفة وصالة بالشكل الحديث لتكون أكثر صلابة، لكنها في أقل من ثلاثة أشهر على اكتمال البناء بدأت تتشرب وتتصدع، حتى أنه بدأ في التفكير في بيع منزله رغم الذكريات التي تربطه به، وأضاف "لا أستطيع مجاراة الظاهرة وليس لديّ الأموال لأقوم بالبناء وأنتظر لأن ينهار من جديد".

ولم تسلم المباني التاريخية والتراثية، فضلاً عن المساجد والمدارس بمنطقة وسط أم درمان من الانهيارات، حيث تهدم بعضها، والبعض الآخر أصبح آيلاً للسقوط في أية لحظة بعد أن تصدعت جدرانها، كما فشلت كل محاولات الترميم والصيانة.

وقال الطيب عبد الله (70 عاماً)، إنه بات لا ينام الليل خوفاً من أن ينهار المنزل ويحولهم إلى جثث هامدة، وذكر أن منزله الحالي شُيّد في نهاية القرن التاسع عشر وظل صامداً أمام كل الكوارث الطبيعية من فيضانات وأمطار ولم يتصدع إطلاقاً، وأضاف "أما حالياً فقد قمنا بتشييد الجدار الخارجي مرتين في أقل من ستة أشهر بعد أن انهار بسبب تشربٍ بالمياه التي لا نعرف من أين تأتي.

وتابع "الآن المنازل مسقية بالمياه وفي حالة رطوبة دائمة، كما أن الطفح المائي أصبح السمة البارزة في المنطقة على مدار العام، وتحولت الطرق والميادين لبرك مياه تصعب معها الحركة، فضلاً عن تأثيرها السلبي على البيئة بالنظر لحجم  الحشرات التي تنتشر بالمنطقة".

وبدا أهالي المناطق المتضررة في حيرة من أمرهم، فالبعض يرى أن الظاهرة مردّها إنشاء شارع مسفلت عند النيل دون تخطيط مع غياب المجاري لتصريف مياه الأمطار، بينما يعتقد آخرون أن المشكلة سببها شبكات المياه القديمة، حيث إن الحكومة عمدت إلى تركيب شبكات جديدة دون وضع معالجات جذرية للقديمة الأمر الذي أثر فيها نتيجة للضغط.

ويوضح رئيس اللجنة الشعبية بمنطقة أبو روف (منطقة متضررة) محي الدين عوض، أن المشكلة ظهرت منذ تشييد شارع النيل وإغلاق منافذ انسياب النيل والتصريف، فضلاً عن اندثار "الخيران"(مصب المياه الجارية في البحر)، في الأحياء.

ويتابع "كان هناك 22 مصبّاً لتصريف المياه منذ الاستعمار، لكن ما يعمل منها حالياً بين أربعة وخمسة مصارف فقط، وقد كنا في السابق نعاين الرطوبة على الجدران خلال فصل الشتاء وفيضان النيل، والآن أصبح الوضع قائماً على مدار العام".

وانتقد المتحدث المعالجات الحكومية للمشكلة، واصفاً إياها بـ"المناسباتية"، وأشار للأضرار التي لحقت بأهالي المنطقة من تهدّم المنازل وتصدعها، فضلاً عن تأثيراتها على الصرف الصحي "الآن أصبحت عمليات الشفط  للصرف الصحي بالمنازل تتم خمساً إلى ست مرات في الشهر بما لها من أعباء مالية".

وأكد المدير العام لمنطقة أمّ درمان، عبد الله محمد عثمان، أنّ الحكومة في الخرطوم أعدت دراسة متكاملة من قبل مختصين لوضع معالجات للأزمة، وقال لـ"العربي الجديد" إن الظاهرة تقع في إطار المياه تحت السطحية المعلقة والتي تحدث طبيعياً عند وجود طبقة لا تسمح بنزول المياه للداخل، حيث تعمل على فصل المياه المتجمعة فوقها من المياه الجوفية.

وشدد على أن هناك أسباباً طبيعية وأخرى تتصل بالأنشطة البشرية ساهمت في تفاقمها بدرجات متفاوتة، بينها ارتفاع منسوب مياه النيل وطبوغرافية المنطقة وتركيبتها الجيولوجية، فضلاً عن طريقة تصريف المياه ومياه الأمطار من المنازل، دون إغفال الإنشاءات الكبيرة من مشاريع طرق ومبان حديثة أسهمت في إغلاق المصارف الطبيعية المعروفة.

وذكر أنّ الدراسة وضعت حلولاً عاجلة ومتوسطة ومستقبلية لحلّ المشكلة، بينها نظافة المصارف وضبط منسوب النيل وإنشاء مشروع الصرف الصحي بأم درمان، مشيراً أن الظاهرة تسببت في ضرر عدد من الأسر "كل عام نفقد بين عشرين إلى ثلاثين منزلاً تقريباً".

ووجّه النائب البرلماني الهادي بشرى انتقادات لاذعة للحكومة واتهمها بالإهمال والفشل في وضع حل للمشكلة رغم الوعود المتكررة، وقال "يومياً تنهار المنازل وترحل الأسر ويعرض آخرون منازلهم للبيع ولا توجد حكومة تأسى على حالهم".

 

 

 

المساهمون