علي عبد الله بائع البوشار

10 يوليو 2017
"أتمنّى أن أعود إلى سورية" (العربي الجديد)
+ الخط -
هجّرت الحرب في سورية كثيرين من سكان مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، بذلك يراكم هؤلاء نكبة تلو نكبة منذ عام 1948. وترك فلسطينيو سورية هؤلاء مخيّمهم مثلما ترك مواطنون سوريون كثر بيوتهم وبلداتهم في أنحاء مختلفة من البلاد، مخلّفين وراءهم آلاماً لا تُحصى. هؤلاء بمعظمهم دُمّرت منازلهم، أو خسروا فرداً من العائلة إمّا قُتل وإمّا فُقد، أو تشتّتت عائلاتهم.

قبل أربعة أعوام، نزح الفلسطيني علي عبد الله من مخيّم اليرموك في سورية إلى مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا جنوبي لبنان. فسكن في منطقة بستان اليهودي في المخيّم مع ولدَيه وزوجته، تاركاً خلفه حياته وعمله وأهله، لينأى بنفسه عن الحرب وأوجاعها. يخبر عبد الله أنّه "بعد مرور شهرَين على استقرارنا في عين الحلوة، اضطرت زوجتي إلى العودة إلى مخيّم اليرموك لتصطحب والدتها إلى لبنان. لكنّني اليوم لا أعرف أيّ شيء عن زوجتي ولا عن والدتها، فقدت أثرهما منذ ذلك الوقت. أحدهم أبلغني أنهما قتلتا بقذيفة سقطت على منزل الوالدة". حينها، قبل أربعة أعوام، وجد عبد الله نفسه مع ولدَين صغيرَين، الفتاة في عامها الأوّل والصبي في الثالثة من عمره. يُذكر أنّ زوجته كانت تبلغ حينها من العمر عشرين عاماً.

يقول عبد الله: "منذ لجوئي إلى لبنان، أعيش حياة بائسة. فقدت كل شيء، عملي وزوجتي وبيتي، وابتعدت عن أهلي. وها أنا اليوم أجرّ خلفي ولدَين صغيرَين ليس لهما ذنب في هذه الحياة غير أنّ الحرب أخذت منهما والدتهما، وأبيع البوشار (الفشار) على عربة صغيرة في المخيم وكذلك في مدينة صيدا". ويشير عبد الله إلى أنّه "في مخيّم اليرموك كنت أعيش حياة مرفهة، فقد كنت أمتلك مصبغة وعندي بيت وحياة سعيدة. لكنّني خفت على ولدَيّ من الحرب، فتركت كل شيء خلفي ولجأت إلى لبنان، وحدث ما حدث".

يضيف عبد الله: "استأجرت منزلاً متواضعاً جداً في بستان اليهودي في عين الحلوة لقاء مائة دولار أميركي، وصرت أعمل بائعاً على عربة البوشار بعدما فقدت زوجتي. في البداية، كنت أحمل ابنتي على يدي وأجرّ خلفي ابني، أمّا اليوم فأجرّهما خلفي لأبيع البوشار وأؤمن لهما لقمة عيش. لكنّني أعمل لساعات قليلة، إذ إنّني لا أستطيع تركهما في البيت وحدهما". ويلفت إلى أن "البنت صارت تبلغ من العمر خمسة أعوام، فيما يتحوّل لون جلدها إلى سواد لكثرة تعرّضها للشمس خلال سيرها ورائي. أخاف أن تصاب بمرض السرطان الجلدي، لكنّني لا أملك حلاً آخر". ويوضح عبد الله أنّ "مدخولي من بيع البوشار قليل جداً، لكنّ الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) تقدّم لي في الشهر مبلغ مائتَي وسبعين ألف ليرة لبنانية (180 دولاراً)، ومنه أدفع إيجار المنزل واشتراك مولد الكهرباء".

وكان عبد الله قد قصد مؤسسات عدّة "لطرح مشكلة الولدَين. كلها رفضت تبنّي قضيتهما بحجة أنّ والدهما - أنا - ما زال على قيد الحياة. لو كنت أنا المتوفى لكان الموضوع أسهل. أخبرت المؤسسات بأنّني لا أريد منها شيئاً غير الاهتمام بولدَيّ". يضيف أنّهما "يقصدان المدرسة يومياً، وعند عودتهما إلى البيت نخرج كلنا معاً لنبيع البوشار على العربة. أنا وحدي هنا، أمي وأبي ماتا منذ زمن وإخواتي في سورية، كذلك لا أستطيع الزواج من جديد بسبب الضيق المالي الذي أعيشه. فأنا بالكاد أستطيع تأمين معيشة ولدَي". ويعود ليتحدّث عن خوفه عليهما، فيقول: "أريد من يرعاهما حتى لا يبقيا عرضة للبرد والمطر وحرارة الشمس ولسعاتها". ولا يخفي عبد الله أنّه بعدما ضاقت به السبل ويئس من المؤسسات، "فكّرت ببيع ولدَيّ لأضمن لهما حياة سعيدة ومرتاحة كبقيّة الأطفال. أريدهما أن ينعما بمعيشة تحفظ طفولتهما. لم أعد أحتمل رؤيتهما يتعذّبان بهذه الطريقة".

اليوم، يتمنّى عبد الله لو أنّه يتمكّن من "العودة إلى اليرموك. أتمنّى أن أعود إلى سورية وأستعيد كرامتي. من يرني في لبنان وكان يعرفني في السابق، يستغرب وضعي. من صاحب مصلحة إلى بائع بوشار!".
المساهمون