الشهادات العليا هدف محمد سبيع

30 يناير 2017
لا يرغب في العمل لدى آخرين (العربي الجديد)
+ الخط -
بعد انتهاء دوامه الجامعي، يلتحق محمد بذلك المطعم حيث يعمل نادلاً حتى ساعات الصباح الأولى. هو معيل عائلته الوحيد، مذ لجأت إلى لبنان هرباً من الحرب الدائرة في بلاده.. سورية.

قبل خمس سنوات، تركت عائلة محمد سبيع مدينة حلب في شمال غرب سورية، لتتّخذ من مدينة صيدا في جنوب لبنان مقراً لها، بحسب ما يقول الشاب البالغ من العمر 22 عاماً. وهي تعيش اليوم في منزل مستأجَر في المدينة لقاء 450 ألف ليرة لبنانية ( 300 دولار أميركي)، وهو ليس بالمبلغ البسيط. ويخبر محمد الذي يتابع دراسته في مجال إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية الدولية في صيدا، أنّه لجأ إلى لبنان مع أهله "هرباً من القصف والدمار. ولبنان هو البلد الأقرب إلى سورية". لكنّه اليوم لا ينوي العودة، "على الرغم من أنّ كثيرين من أبناء مدينتي يفعلون". ويشير إلى أنّ "بيتنا في حلب ما زال سليماً، ولم يتعرّض للقصف. لكنّنا علمنا أنّ عائلة خسرت منزلها، تعيش فيه اليوم". يضيف: "صحيح أنّ الظروف المعيشية في لبنان صعبة جداً، لكنّني أنوي متابعة تعليمي. وعندما أحصل على الإجازة، أنوي الهجرة إلى أيّ بلد أوروبي كان، لمتابعة دراستي العليا وكذلك للاستقرار فيه. فأنا أعلم جيداً أنّني لن أتمكّن من العمل في لبنان عند تخرّجي، إذ إنّ الظروف الاقتصادية فيه صعبة جداً وكثيرون هم الشباب اللبنانيون الذين لا يجدون فرص عمل لهم في وطنهم".

ويصرّ محمد على البقاء في لبنان على الرغم من صعوبة العيش. يقول: "تتألّف أسرتي من أمّي وأخي وأختي الصغيرة، وأنا المعيل الوحيد. لذا أجد نفسي مضطراً إلى العمل نادلاً في أحد مطاعم صيدا ابتداءً من الساعة الرابعة من بعد الظهر وحتى منتصف الليل أو حتى الساعة الواحدة من بعد منتصف الليل. أجد نفسي مضطراً إلى ذلك، إذ إنّ المصاريف كثيرة. فإلى جانب بدل إيجار المنزل الشهري، تأتي مصاريف أخرى تختلف طبيعتها". يضيف: "وأنا لا أتقاضى إلا راتباً قيمته 600 ألف ليرة (400 دولار) فحسب. وأكثر ما يحزنني في الأمر هو أنّني أصرف كلّ ما أجنيه، فيما أنّني غير قادر على تأمين أيّ مبلغ إضافي". ويتابع: "إذا مرض أيّ من أفراد العائلة، فأنا لا أستطيع تأمين العلاج له. ليس لديّ المال لذلك".

ويشير محمد إلى أنّ تمسّكه بمتابعة دراسته الجامعية يعود إلى أنّ "لا شيء يؤمّن للإنسان مستقبلاً لائقاً سوى الدراسة. سوف يتعب في بحثه عن فرصة عمل، غير أنّ الأمر يستحقّ ذلك". هو لا يرغب في العمل لدى آخرين، لذا يكدّ كثيراً، "فأدرس في النهار وأعمل في الليل". ويوضح أنّ "ثمّة جمعية تتكفّل بتسديد الأقساط الجامعية. بالتالي، عملياً، أنا لا أدفع شيئاً من تكاليف الدراسة، باستثناء ما قد أحتاجه من مستلزمات خاصة بالدراسة من كراريس المواد وأوراق وما إليها". كذلك، يتكلّف محمد ببدلات التنقّل من الجامعة وإليها.

ويشدّد محمد على "ضرورة أن يتابع كلّ شاب دراسته الجامعية. فهذه الدراسة هي الأمان والحماية له". يضيف أنّه "لا بدّ للشباب من العثور على مداخل للدراسة بشتّى الطرق. صحيح أنّهم قد يجدون صعوبات في ذلك، غير أنّ الدراسة هي السبيل الوحيد لتأمين حياة مستقبلية لائقة". وهو كلّه أمل، يقول: "لا أظنّ أنّ الظروف سوف تبقى على حالها".

وعن جزمه بعدم العودة إلى سورية وإلى حلب بالتحديد في الوقت الحالي، يقول: "المنطقة بحسب رأيي في حاجة إلى سنوات حتى تعود كما كانت، إن على الصعيد الاجتماعي أو على الصعيد الاقتصادي أو على الصعيد العمراني. ومن جهة أخرى، لديّ هدف آخر سوف أسعى إليه بعد انتهائي من الدراسة هنا. هدفي هو الهجرة إلى بلد أوروبي، إلى أيّ بلد أوروبي كان، ومهما كانت الطريقة والظروف".

"الطريق صعب وطويل، لكنّ لا مستحيل مع الإرادة والصبر". هذا ما يؤكّده محمد، قائلاً إنّ "لكلّ طريق نهاية. والنهاية لا بدّ أن تكون أجمل إذا وجد الإنسان العلمَ مخرجاً له وثابر واجتهد في سبيل ما يرغب".


المساهمون