لعبة المحيبس..متنفس أهالي الأعظمية العراقية في رمضان

21 يونيو 2016
اللعبة تعتمد على الفراسة والدهاء (العربي الجديد)
+ الخط -
لا يكاد رمضان العراق يخلو من ممارسة لعبة "المحيبس" أو "البات" التراثية القديمة الأكثر شعبية، إذ يعود تاريخها إلى مئات السنين، وهي منتشرة على امتداد الخارطة العراقية وتناقلها العراقيون عن آبائهم وأجدادهم من جيل إلى آخر، وتعد متنفسا حقيقيا للأهالي في ظل احتقان الأجواء السياسية والأمنية.

وتعيش مدينة الأعظمية الواقعة شمال العاصمة بغداد إلى الجانب الشرقي لنهر دجلة، أجواء شبه احتفالية ومسابقات كل ليلة من ليالي رمضان بعد الإفطار، إذ يبدأ فريقان قد ينتميان إلى الأعظمية نفسها أو قدموا من الأحياء المجاورة، باللعب والمنافسة قصد الترويح عن النفس بعد يوم شاق في صيف شديد الحرارة.

مروان الأعظمي (35 عاما)، لاعب محيبس من سكان منطقة الأعظمية، يقول لـ"العربي الجديد": "في شهر رمضان من كل عام تبدأ مباريات هذه اللعبة بين مناطق بغداد المختلفة، حيث يتم تجهيز أماكن لاستقبال اللاعبين وبعض مشجعيهم، الذين عادة ما يأتون في حافلات كبيرة، وتتم اللعبة في مقاه أو ساحات وحدائق عامة أو في أندية رياضية بعض الأحيان".

ويؤكد أن عدداً من المناطق القديمة والشعبية في بغداد، وخاصة الأعظمية تتميز بأجواء خاصة، حيث تشهد توافد العراقيين إليها من مناطق أخرى، وتظل أسواقها ومطاعمها مفتوحة حتى أوقات متأخرة من الليل، وهذا العام شهدت عدد من المطاعم وفي عدة مناطق إحياء تقديم وجبات السحور فيها، بعد أن كان الأمر يقتصر على منطقة الأعظمية في السابق، وتشهد هذه المطاعم توافد مئات العائلات ومن مناطق مختلفة لتناول وجبة السحور فيها، ثم العودة إلى منازلهم، حيث تتوافر المواصلات بشكل كبير حتى الصباح.

وواصل قائلا: "رغم أن لعبة المحيبس مرتبطة بشهر رمضان المبارك إلا أنها قد تمارس في أوقات أخرى مع بعض الاختلاف في التفاصيل، وعادة ما تتم ممارسة اللعبة في أجواء احتفالية تتضمن توزيع حلويات وأطعمة وعصائر بوجود فرقة للموسيقى الشعبية تقدم أغاني تراثية قديمة والأهازيج والمربعات والمقامات العراقية، التي تتضمن قيم الفخر، فضلا عن التعليقات الطريفة والشعر والغزل أحيانا".


وأوضح الأعظمي أن السكان تعايشوا مع الوضع الأمني في البلاد، فلا يمكن البقاء في المنزل طوال أشهر السنة تحسباً لأي خرق أمني، "لذا نجد كرّاً وفرّاً في هدوء وتوتر الأوضاع الأمنية؛ ومع هدوئها وإن كان وقتيا ومناطقيا، فإن شهر رمضان فرصة جميلة لممارسة هذه اللعبة، حيث تصبح الأعظمية مقصدا لمختلف الفرق من عدة مناطق في بغداد، ومن أشهر الفرق الفضل وباب الشيخ والكرادة والكاظمية وغيرها".

وحسب المصدر نفسه، فإن طقوس هذه اللعبة، تبدأ بعد أن يجتمعوا على شاطئ دجلة بعد الإفطار، وتبدأ المنافسة بين هذه الفرق على أنغام المقامات البغدادية، وتوزع حلويات مثل البقلاوة والزلابية وأطعمة وعصائر من قبل الفريق المضيف، الذي يقع على عاتقه إكرام الفريق الزائر، ونادرا ما تحدث مشاحنات بين المشاركين بعد نهاية المباريات، وعادة ما تكون الأعظمية المنطقة الأكثر حضورا في هذه اللعبة باعتبارها من أقدم الأحياء البغدادية التي تحترف هذه اللعبة الرمضانية وغيرها من الألعاب.

ورغم خفوت بريق لعبة المحيبس بسبب انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات، إلا أن حضورها ما زال قويا في الأحياء الشعبية القديمة.

أما سعدون (26 عاما) من جمهور اللعبة، يقول لـ"العربي الجديد"، أقطع مسافة بعيدة لحضور لعبة المحيبس في الأعظمية، هناك يجتمع أصدقائي ويبدؤون اللعب، أحب متابعة اللعب وتشجيع أحد الفريقين، وأجمل شيء في هذه اللعبة أنها لا تعرف العنف، ولا الخصومة ففي النهاية تقدم الحلوى للجميع سواء كان خاسرا أو رابحا باكتشافه المحبس.

وتعتمد لعبة المحيبس، تصغير لكلمة محبس (خاتم)، على الفراسة والدهاء الذي يتم البحث عنه بين أيادي اللاعبين، وخصصت عدد من الفضائيات العراقية في السنوات الماضية برامج خاصة للعبة تقدم خلال شهر رمضان، كما نقلت جاليات عراقية المحيبس إلى دول الاغتراب، إذ أحيت جمعية عراقية في كندا هذه اللعبة حفاظا على التراث العراقي، فضلا عن انتشارها في بعض الدول العربية ودول الخليج.

المساهمون