أحوال موريتانيّات في المحاكم

21 ديسمبر 2016
ترتفع نسبة التفكّك الأسري بموريتانيا (جورج غوبيت/ فرانس برس)
+ الخط -
قرب مكتب كاتب الضبط، كانت تقف مجموعة من النساء، بينهن آسية بنت ع. تصف هذه الأم ابنتها التي تنتظر حكماً قضائياً بإلزام زوجها السابق بدفع النفقة، بـ "الضعيفة"، وذلك من خلال علاقتها معه. ومن حرقة قلبها، تشرح للنساء اللواتي كنّ متجمّعات حولها، في مقر محكمة مقاطعة دار النعيم (شمال نواكشوط)، ما حدث مع ابنتها.

تقول: "تقدم شاب يتحدر من منطقة بتلميت، وينتمي إلى عائلة محترمة وقبيلة ذات سمعة حسنة، بطلب الزواج من ابنتي التي كانت تحبه. ورغم أنّني لم أطمئن له كثيراً، وافقت على زواجهما. بعد أشهر، طلّقها وهي حامل، من دون أن يعطيها حقوقها. لاحقاً، جاء وفد من قبيلته يطالب بعودتها. نصحتُها بعدم الرضوخ، إلّا أنها كانت متعلقة به إلى درجة كبيرة، فوافقت. طلّقها مرة ثانية وسافر إلى أفريقيا، وترك ابنه من دون نفقة. وبعد عام، طلب منها العودة مجدّداً فقبلت وأنجبت منه طفلين توأم. وبعد شهر، طلّقها وتزوّج من أخرى. تلفت إلى أنّها لجأت إلى القضاء لـ"إلزام المخادع بدفع نفقة لأبنائه، رغم أنّني أستطيع أن أنفق عليهم. لكن هذه مسؤوليّته".

عشرات النساء كنّ يقفن أمام مبنى محكمة دار النعيم، في انتظار رفع قضاياهنّ إلى القضاء. هذه تريد الطلاق من زوجها لأنّه تزوّج من دون موافقتها، فيما ترغب أخرى في إلزام طليقها بالنفقة، وثالثة تريد حكماً بحضانة طفلها بعد طلاقها. ويعدّ الّلجوء إلى المحاكم أمراً جديداً في المجتمع الموريتاني، الذي اعتاد حلّ المشاكل الأسرية والاجتماعية ضمن القبيلة. لذلك، يعدّ الّلجوء إلى القضاء "عاراً" يجب تجنّبه.

من جهتها، قدّمت بنت الولي عريضة أمام المحكمة للحصول على حق حضانة طفلها الوحيد، بعدما طلّقها زوجها وانتزع منها حضانة ابنها البالغ من العمر خمس سنوات. تقول لـ "العربي الجديد" إنّها تنتظر جلسة النطق بالحكم التي سيحدّدها القاضي، على أمل أن يعود ابنها إليها. وتوضح أنّها قدّمت للمحكمة كل الأوراق التي طلبتها. ومنذ سبعة أشهر، تنتظر صدور الحكم، وكلّها أمل في أن يكون لصالحها.

وعادة ما يتذمّر أصحاب الشكاوى من تأخّر الإجراءات التي تستغرق أشهراً، قبل صدور الأحكام، علماً أن أروقة المحكمة تعجّ بالقضايا. خلال تجمّع النساء، خرج جمال ولد الوالد من مكتب كاتب المحكمة، وهو غاضب. فالأوراق اللازمة للحصول على حكم قضائي يمكّنه من استصدار وثيقة زواج كانت ناقصة. يقول لـ "العربي الجديد" إن "الكاتب يتعمد تأجيل بعض الملفات لأسباب بسيطة"، لافتاً إلى أن تأجيل قبول ملفه يعني الانتظار أسبوعاً جديداً، إذ إنّ هناك يوماً مخصّصاً لبحث هذا النوع من القضايا.

من جهته، رفض كاتب المحكمة الغارق في ترتيب أكوام الملفات والأوراق المكدسة، الحديث، قائلاً إنه غير مخوّل بالادلاء بأي تصريح.



إلى ذلك، يقول المحامي محمد ولد الشريف، المتخصّص في قضايا الأحوال الشخصية، لـ "العربي الجديد"، إنّ "حجم قضايا الأحوال الشخصية المعروضة أمام المحاكم الموريتانية اليوم يعدّ كبيراً"، لافتاً إلى أنّ التغيّرات الاجتماعيّة التي يشهدها المجتمع كبيرة، وهذا ينذر بمزيد من التفكك الأسري وارتفاع نسب الطلاق.

ورغم الآثار السلبيّة على المجتمع، يقول ولد الشريف إنّ "الاحتكام إلى القضاء أمر إيجابي لحلّ النزاعات، بدلاً من اللجوء إلى القبائل والأعراف والتقاليد، التي عادة ما لا تحمي العناصر الأضعف، أي النساء والأطفال. في القضاء، هناك فرص أكبر لحماية حقوق المرأة والأطفال". في الوقت نفسه، يأسف بسبب غياب أرقام رسمية حول عدد الدعاوى المتعلّقة بالأحوال الشخصية، لافتاً إلى غياب أية معطيات وأرقام. ويرى أنّ هذه سياسة مقصودة "وإلّا فلماذا لا تصدر الجهات المعنية حصيلة سنوية أو تقارير في هذا الشأن، حتى يتمكن الباحثون الاجتماعيّون من تحليل مختلف الظواهر وتقديم حلول ومقترحات بشأنها؟".

يقدّر ولد الشريف عدد الدعاوى المتعلّقة بالأحوال الشخصيّة بـ "الآلاف"، ما يعني أنّ حجم النزاعات الأسرية كبير جداً، إذ إن الغالبية ما زالوا لا يحتكمون للقضاء، فذلك غير مقبول اجتماعيّاً. يضيف: "نحن أمام تغيّر هائل في عقليّة المجتمع، أو بالأحرى أمام تفاقم المشاكل الأسرية، ما يدفع البعض للّجوء إلى المحاكم، علما أنّ معظم الذين يرفعون الدعاوى هم نساء شعرن بالظلم من قبل أزواجهن السابقين".

دلالات
المساهمون