بعد أقلّ من ساعة على عودته من مدرسته يوم الخميس الماضي، قبل أسبوع من اليوم، وقع الطفل الفلسطيني سفيان معاوية النتشة البالغ من العمر 11 عاماً ضحية كمين نصبته مجموعة من جنود الاحتلال الإسرائيلي. فقد عمد 11 جندياً إلى ضربه وترهيبه والتنكيل به. حدث ذلك في منطقة باب الزاوية، أي بوابة البلدة القديمة من الخليل جنوبي الضفة الغربية، من جهة سوق مدينة الخليل حيث تملك والدته محلاً لبيع الملابس.
تخبر الوالدة رهام النتشة "العربي الجديد" أنّ "سفيان تعرّض خلال اعتقاله لضرب مبرح، فركله الجنود بأرجلهم وضربوه ووجّهوا إليها صفعات، كذلك تعرّضوا له بأعقاب البنادق. ونتيجة الهلع الذي أصابه تبوّل على نفسه. وقد أدّى كلّ ذلك إلى تدهور في حالته النفسية إلى جانب الأذى الذي لحق به جسدياً". تضيف رهام بغصّة: "أرسلت سفيان لشراء بعض الحاجيات من السوق، وكنت أتوقّع عودته بعد نصف ساعة نظراً إلى قرب السوق. لكنّه لم يعد بحسب المتوقّع. وعندما تجاوزت الساعة الثالثة من بعد الظهر، خرجت من المحلّ بحثاً عنه من دون أن أعثر عليه. فعدت إلى المحل نحو الساعة الخامسة عصراً. ثمّ رجّح أناس من حولي أن يكون في المواجهات، فتواصلنا مع أحد الناشطين الذي أكّد اعتقاله. لقد أنبأني قلبي بأنّ سفيان واقع في مشكلة ما".
بينما كانت المواجهات تشتعل مع جنود الاحتلال في منطقة باب الزاوية التي يؤدّي أحد الطريقَين فيها إلى منطقة تل الرميدة المقابلة للبلدة القديمة، كان قلب رهام النتشة يشتعل خوفاً وقلقاً على ابنها الغائب. لم تطق الجلوس منتظرة أكثر، فتوجّهت مستعجلة إلى حاجز أبو الريش العسكري المؤدّي إلى تل الرميدة، وهو يُعَدّ من أخطر الحواجز في مدينة الخليل وقد استشهد عند البوابة المؤدية إليه عدد من الفلسطينيين، فيما يضيّق الاحتلال من خلاله على الأهالي يومياً.
وتقول رهام: "لم أتمكّن من الدخول إلى حاجز أبو الريش لأنّني لا أحمل رقماً يمنحه الاحتلال لسكان المنطقة. فأنا من سكان منطقة عيصى البعيدة نسبياً عن المواجهات في مدينة الخليل، الأمر الذي اضطرني إلى الاتصال بوالدَي اللذَين كانا قبل سنوات من سكان تل الرميدة. فدخلا إلى غرفة التوقيف التابعة للحاجز، ليُصدما بمنظر حفيدهما وهو ملقى على الأرض ومقيّد بطريقة مهينة". تضيف رهام: "لقد أبلغني الضابط الإسرائيلي أنّ طفلي كان يرمي الحجارة في أثناء المواجهات، فأجبته: وما هو الحجر في مقابل هذا السلاح الذي تحمله؟! وبعد أكثر من ساعة سلم جنود الاحتلال ابني المعتقل إلى عناصر من الارتباط الفلسطيني الذين سلّموني إياه وعدنا بعدها إلى المنزل".
وتشير رهام في سياق متصل إلى أنّ "سفيان تعرّض لمضايقات على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل أقرانه، بسبب تبوّله على نفسه نتيجة الهلع الذي أصابه خلال عملية الاعتداء عليه واعتقاله. وهو الأمر الذي فاقم سوء وضعه النفسي". ولا تخفي الوالدة أنّ ابنها "لم ينبس ببنت شفة ليلة الاعتداء عليه واعتقاله، ومن جهتي اخترت عدم الضغط عليه ودعمه. ومساء يوم الجمعة الذي تلا الاعتداء عليه، أغرقت الدموع عينَيه حينما قرّر الحديث عن الواقعة. فأصررت على القول له إنّه بطلي ولا داعي أن يهتمّ لما يوجّهه الأطفال إليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي". لكنّ الأمر لم يكن بهذه البساطة، وتؤكد رهام أنّ "كوابيس راودته خلال نومه، وصار يشعر بالرعب من احتمال اعتقاله من جديد. فتواصلت مع مدير المدرسة لتجنيبه المضايقات والتنمّر يوم عودته إلى مقاعد الدراسة. وبالفعل تجاوب معي، وسُعدت بالدعم الذي قدّمه هو وكذلك مدير التربية والتعليم وسط الخليل والمدرّسون، عندما عاد سفيان إلى مدرسته".
وتكمل الوالدة أنّ "سفيان يعاني في الأساس من ضيق في التنفّس، خصوصاً عندما يتعرّض لحوادث ضغط نفسي. وهو صارحني بعد ثلاثة أيام من الحادثة بأنّه يشعر بخوف شديد خلال الليل على خلفيّة ما تعرّض له، لا سيّما أن الذين تناوبوا على ضربه هم 11 جندياً أي نحو دورية كاملة". ومنذ ذلك الحين، تحاول رهام تقديم الدعم لطفلها ودفعه إلى تفريغ مخاوفه. كذلك تفكّر في اللجوء إلى مرشدة أو معالجة نفسية لتوفير علاج متخصّص له، في حين أنّ أخواته الثلاث يحاولنَ قدر الإمكان دعمه وتدليله. وتقرّ رهام: "أرتعب من فكرة تكرار الاعتداء على سفيان أو اعتقاله مجدداً. هو رجل البيت مستقبلاً، فزوجي تعرّض لحادثة دهس من قبل مستوطن قبل عشرة أعوام وفقد على أثره قدراته العقلية".
من جهته، يقول الناشط عارف جابر لـ"العربي الجديد" إنّ "الوحشية التي يتعامل بها جنود الاحتلال مع أبناء الخليل ومنهم الأطفال، أمر معتاد وغير مستغرب. ومن حسن حظّ سفيان أنّ ثمّة من صوّر مشهد اعتقاله. وهذا ما قد يدفع إلى متابعة قضيته وقضايا مشابهة. لكنّنا نفتقر أخيراً إلى المتابعة القانونية التي كانت تقوم بها مؤسسات دولية عديدة في الخليل. فبعد تفشّي فيروس كورونا الجديد، جمّدت مؤسسات كثيرة نشاطها في مجال العمل الرقابي. لكنّنا نحن كناشطين لاحظنا استخدام القوة المفرطة في الاعتداء على المواطنين من قبل جنود الاحتلال والمستوطنين". ويشير جابر إلى أنّه "قبل نحو أسبوعين، تعرّض طفلان من عائلة الرجبي لاعتداء مفرط بالضرب من قبل قوات الاحتلال في منطقة السهلة في البلدة القديمة من الخليل، وأصيبا بكسور متعدّدة في الجسم. وفي اليوم التالي، اعتدت القوات نفسها على طفل آخر من عائلة جابر. كذلك تعرّض شبان من عائلة قفيشة للتنكيل والضرب، لكنّ قوات الاحتلال اضطرت إلى الإفراج عنهم بفعل توفّر فيديو يثبت الاعتداء عليهم، فيما بقي الأطفال الباقون من عائلة الرجبي وجابر قيد الاعتقال".