منذ وقوع الزلزال المدمر في السادس من فبراير/ شباط الجاري، بدأت فرق الأطباء في تركيا تتحرك لعلاج الجرحى ومساعدة المشردين بعد انهيار العديد من المباني وتصدع أخرى.
الكارثة التي خلّفها الزلزال دفعت العديد من الأطباء والممرضين حول العالم إلى تشكيل عيادات ميدانية، وهو ما عملت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية على تسليط الضوء عليه، من خلال نشرها يوميات الأطباء والممرضين في الميدان.
وبحسب منظمة "أطباء بلا حدود"، جرى تفعيل استجابة فورية في سياق عملها للاستعداد للحالات الطارئة، ودعمت المستشفيات في إدلب وحلب ومستشفيات تركيا وزودتها بمعدات طوارئ وأخرى جراحية وغيرها. كما دعمت المنظمة المستشفيات بخبراء. وجاءت هذه الاستجابة بعد تضرر مئات المستشفيات في المناطق المنكوبة، والتي لم تعد قادرة على مواصلة علاج المرضى.
شهادات حية
تحدثت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى العديد من الكوادر الطبية العاملين في المستشفيات الميدانية، والذين وصفوا ما يقومون به بالمعجزة في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهونها. بعد وقوع الزلزال، استقبلت المستشفيات الميدانية ما لا يقل عن 200 مريض كل ساعة، وهو رقم مرتفع جداً للقدرة الاستيعابية للمستشفيات الميدانية. وأثرت حالة الطوارئ على حياة العديد من الأطباء في المنطقة، ما منعهم من المساعدة في الكثير من الأحيان.
في ناحية بازارجيك من ولاية كهرمان مرعش جنوبي تركيا، تمكن خمسة أو ستة فقط من أفراد طاقم سيارة الإسعاف الثلاثة عشر من العمل بعد يوم واحد من الزلزال، كما يقول أحد عمال الإسعاف الذي فقد العديد من أقاربه.
من جهته، يروي خليل كباداي (25 عاماً)، وهو ممرض في قسم الولادة، أهوال ما شاهده على أرض الواقع. يقول: "أمضيت 5 أيام بين الركام أحاول مساعدة الناجين. كان الأمر يبدو أشبه بفيلم سينمائي". يضيف: "نظراً إلى حجم الدمار، فإن حقيقة أن أنطاكيا قد أنشأت نظاماً طبياً قادراً على العمل هو أمر رائع ومهم، بعدما دمر الزلزال المستشفيات، ما جعل المستجيبين للطوارئ في 10 مقاطعات غير قادرين على تقديم الرعاية المناسبة في البداية للمنكوبين".
وتم بناء نظام رعاية صحي مؤقت وسط الدمار من قبل متطوعين من جميع أنحاء تركيا والعالم. وأرسل المصابون بجروح بالغة إلى مستشفيات غير متضررة في المقاطعات الأخرى لتلقي العلاج. وظهرت المستشفيات الميدانية في قلب منطقة الزلزال لتؤمن العلاج للأشخاص المصابين بجروح بسيطة وللمرضى. كما حضر أطباء بيطريين لرعاية الحيوانات الأليفة التي تم إنقاذها من تحت الأنقاض. وقدم طبيبان بيطريان من أنقرة إلى المناطق المنكوبة، وعملا على علاج ورعاية الحيوانات الأليفة، وتقديم الخدمات اللوجتسية للكادر الطبي الإنساني.
ويتحدث فيريت كيليتش (38 عاماً)، وهو طبيب في غرفة الطوارئ في مستشفى حكومي في إسطنبول تطوع لمساعدة المنكوبين، عن الكم الهائل من التحديات. ويقول لصحيفة "نيويورك تايمز": "يعمل الأطباء في المناطق المنكوبة من دون توقف منذ أكثر من أسبوع في ظل ظروف قاسية وبرد شديد. حتى إن الحمامات غير متوفرة للاستحمام، ما يجعل إتمام المهام صعباً. رغم ذلك، فإن الأطباء يعملون بجهد لأن الهدف الرئيسي هو إنقاذ الأرواح".
بدوره، قدم أحد طلاب الطب على متن طائرة ضمت أطباء وممرضات متطوعين من إسطنبول إلى منطقة الكارثة، حاله حال كثيرين. ولم تقتصر فرق الإغاثة على الأتراك، إذ شارك عدد كبير من الأطباء حول العالم في عمليات الإغاثة. وصل جراح هندي وفريقه الطبي إلى تركيا للمساعدة في إتمام العمليات الجراحية.
ومع الوقت، بدأت المستشفيات الميدانية تستقبل مئات المرضى من المناطق المجاورة، والقرى الريفية، الذين تقطعت بهم السبل للوصول إلى الخدمات الطبية بسبب عزل هذه المناطق عن المحافظات، إما بسبب كمية الدمار الهائلة، أو الطقس القاسي وتراكم الثلوج.
إدارة الأزمة
وبهدف إدارة الأمراض اليومية وعلاج الإصابات الطفيفة، كان العديد من المرضى يتجهون إلى عيادات مؤقتة صغيرة، كتلك التي يديرها الحزب الشيوعي التركي على الجانب الغربي من أنطاكيا. وتحت غطاء من القماش الأزرق الممتد إلى جوار أنقاض محطة وقود، وزع متطوعون أدوية جمعوها من متبرعين. واهتم أطباء بباسل النون، وهو صانع البقلاوة (معجنات محلاة تتكون من طبقات رقيقة من العجين وتُحشى بالمكسرات كالجوز والفستق الحلبي) السوري، البالغ من العمر 31 عاماً، بعدما قضى الأيام الأربعة الأولى يساعد في انتشال الضحايا من تحت الأنقاض، غير آبه بعلاج يده اليسرى المصابة.