هكذا تأخذ الطيور كفايتها من الأوكسجين على الارتفاعات

15 ديسمبر 2020
في سماء الهند (Getty)
+ الخط -

تتكيف معظم الكائنات الحية لتتنفس بسهولة تحت عمود الهواء الذي يضغط علينا عند مستوى سطح البحر. ولكن في الارتفاعات يكون الهواء أقل حولها، لذا فإن الرئة لا توفر نفس كمية الأوكسجين لتغذية العضلات. على سبيل المثال توفر قمة جبل إيفرست، على ارتفاع 29 ألف قدم (8839 متراً)، أقل من ثلث كمية الأوكسجين الموجودة على مستوى سطح البحر. 
لفهم كيفية تعامل الطيور مع هذا النقص في الأوكسجين، هنالك العديد من المسائل التي يجب علينا التطرق إليها، خاصة تلك المتعلقة بتغير المناخ. ففي الواقع، من المعروف أن الطيور تتجنب حرارة الصيف بالصعود إلى الجبال حيث تجد الجو ملائماً لها، وإذا اشتدت الحرارة فإن هذه الطيور تصعد أكثر. ومع الصعود يخف الأوكسجين وهو صعود يتجاهل مشكلة الهواء الرقيق وسوف تتخطاه الطيور ريثما تهبط إلى إرتفاع أقل، حيث لا يحدث الهواء الرقيق ألماً في رئتيها وعضلاتها وسرعة في دقات قلبها وتشوشاً في دماغها وشللاً في أرجلها على شاكلة ما قد حدث لبعض متسلقي الجبال من البشر. 
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أن هناك طيوراً تعيش في جبال الهيمالايا على ارتفاعات عالية وأخرى تعبر فوق قمة هذه الجبال من دون أن تتأثر بنقص الأوكسجين. وفي لبنان نجد طيوراً تعشش على إرتفاع 8940 قدماً (3000 متر) من دون أن تتأثر بنقص الأوكسجين الذي تكون نسبته على هذا الارتفاع 69 في المائة مما هي على الساحل. في الواقع، إن دراسات أجريت على الطيور من أجل التعرف على كيفية عيشها في الأماكن المرتفعة فتبين أن الهازجة بيضاء الزور تفرّخ في البساتين الساحلية ومع اشتداد الحرارة تصعد إلى ارتفاع 2500 متر حيث تفرخ للمرة الثانية في الموسم الواحد. وبفحص عينات من الدم لديها تبين أنها تزيد من كرياتها الحمراء وبالتالي الهيموغلوبين لكي تحمل أكثر كمية من الأوكسجين في دمها ورئتيها. هذا الأمر قد يؤدي إلى تخثر الدم الذي قد يتسبب بجلطات لها، ولكن وجودها المؤقت وحركتها الدائمة تقيها ذلك. 
أما الطيور المقيمة في الأعالي كالغراب الأحمر المنقار والحسون القرمزي الجناح الذي يعيش بالقرب من القرنة السوداء في جبل لبنان فهي تزيد عدد الهيموغلوبينات في الخلايا لتلافي أضرار تخثر الدم وجلطاته. وهي طيور تعتبر متكيفة مع بيئتها. أما الطيور التي تصعد إلى الأعلى مع اشتداد الحرارة فيمكنها التكيف من خلال الصعود التدريجي وكذلك النزول التدريجي. فأثناء الصعود التدريجي يكون هناك زيادة لكمية الأوكسجين من خلال زيادة كمية الكريات الحمراء في الدم. هذه العملية قابلة للعكس، أي ان كمية الكريات الحمر ستعود إلى طبيعتها عند عودة الطائر إلى إرتفاعات أقل. 
إضافة إلى ما سبق تجدر الإشارة إلى أن هناك طيوراً كالعقبان والنسور قد شوهدت من قبل طيارين على ارتفاع 20 ألف قدم (6100 متر)، بينما شاهد الكثير من الناس طيور الأوز الهندي التي تطير من التيبت فوق الجبال العالية وعلى ارتفاع 24 ألف قدم (7300 متر) وهي قد تفوقت على الكثير من أنواع الطيور، خاصة وأنها تحمل في جناحيها شبكة كبيرة من الشرايين التي تغذيها بالأوكسجين. وقد يساعدها البرد في الأعالي، وفي غير وقت الظهيرة، على الحصول على كمية أفضل من الأوكسجين. وللأوز من هذا النوع رئتان كبيرتان لتخزين الهواء. 

موقف
التحديثات الحية

أما في أميركا الجنوبية فيبدو أن أوز الأنديز يحلق أيضاً كالأوز الهندي ولكن ربما لمسافات أقل. ويمتاز عن الأوز الهندي بأن نسبة الكريات الحمراء من أصل حجم الدم لديه هي أكبر من تلك الموجودة عند الأوز الهندي. ولكن ما لا يعلمه الكثيرون من الباحثين العلميين أن الطيور التي تطير على إرتفاعات شاهقة تغمض عينيها بالجفن الثالث العرضي وتغلق منخريها وتتنفس ببطء الهواء الغني بالأوكسجين والموجود في عظامها المجوفة وفي غرفها الهوائية (أكياسها) الواقعة على جانبي العنق وعلى جانبي الصدر وعلى جانبي البطن، وذلك قبل أن تعود للهاث من أجل إدخال كمية أكبر من الهواء والأوكسجين إلى الجسم كما هي الحال عند الأوز الهندي، أو إلى عملية استخدام نسبة أكبر من الأوكسجين في الهواء كما هي الحال عند الأوز الأنديزي.

(اختصاصي في علم الطيور البرية)

المساهمون