هذه هي قصة إصابة حيوان المنك بفيروس كورونا

24 ديسمبر 2020
إصابة حيوان المنك البري بكورونا تثير القلق من انتقال الفيروس للحيوانات البرية (Getty)
+ الخط -

على الرغم من إقدام السلطات الدنماركية على إعدام 17 مليون حيوان منك في البلاد، بعد انتشار فيروس كورونا في مزارعها، إلا أن ذلك لم يوقف حدة انتشار المرض في أماكن أخرى في العالم.

ففي ولاية يوتا، غربي الولايات المتحدة، يبدو أن حيوانات المنك الموجودة في المزارع، بدأت بنقل العدوى إلى حيوانات أخرى، من نفس الفصيلة، لكنها تعيش في البراري ويطلق عليها اسم المنك البري، مما أثار القلق بشأن ما إذا كان الفيروس سيجد موطناً عند الحيوانات البرية.

ولا يزال حيوان المنك ضحية لفيروس كورونا في جميع أنحاء العالم، بحسب ما جاء في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، وقد أبلغت كل من الولايات المتحدة، هولندا، فرنسا، إسبانيا، إيطاليا، السويد وكندا، المنظمة العالمية لصحة الحيوان، عن إصابات مؤكدة في مزارع عديدة للمنك.

وبحسب تقرير نيويورك تايمز، فإن المنك ليس فقط الحيوان الوحيد المعروف بإصابته وموته بسبب الفيروس، بل هو الحيوان الوحيد المعروف أنه أصيب بالفيروس من البشر ثم نقله مرة أخرى، وهو ما أرعب المسؤولين الدنماركيين.

وبحسب الخبراء، حتى إذا كانت الطفرات التي ظهرت حتى الآن لا تشكل خطراً على البشر، فمن الواضح أن الفيروس ينتشر عبر مزارع المنك بمجرد أن تبدأ العدوى وتستمر في التحور بطرق جديدة، وبعض الطفرات التي تطورت لدى البشر، جعلت بالفعل انتقال الفيروس أسهل، ومن وجهة نظر الصحة العامة لا يوجد جانب إيجابي لتقديم الفيروس نوعاً ثانياً يمكن أن يتطور فيه.

ويعد المرض تهديداً لمزارعي المنك، لدرجة أن الباحثين يعملون على تأمين لقاح لحيوانات المنك، كما أن العلماء الذين يتتبعون العدوى الفيروسية في الحيوانات قلقون، وبالنسبة للدنمارك، يبدو أن قصة المنك قد انتهت، وتنتج الدولة، التي يبلغ عدد سكانها ستة ملايين نسمة، ما بين 15 و17 مليونا من حيوان المنك سنوياً لصناعة الفراء.

وقال مارك أوتن، رئيس الاتحاد الدولي للفرو، "من المستبعد جداً أن يتمكنوا من استئناف تربية المنك في المستقبل"، وتواجه الحكومة الدنماركية مشهداً آخر لا يقل خطورة عن إصابة الملايين من المنك، حيث تخطط السلطات لكيفية، استخراج جثث المنك التي تم دفنها بشكل غير صحيح، وفي بعض الحالات بدأت في الارتفاع من الأرض، منتفخة بغازات التحلل.

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن كابوس المنك الدنماركي هو تذكير بالدور المركزي الذي تلعبه الحيوانات في الأوبئة البشرية، ويبدو أن الفيروس أتى من الخفافيش، ومر عبر بعض الحيوانات الأخرى في الطريق، ويمكن أن ينتقل بسهولة بما يكفي منا إلى نوع آخر من الحيوانات البرية، مما ينشئ ما يسميه علماء الأوبئة "الخزان" أي بحيرة دائمة للمرض تنتظرنا أن نقع فيها.

ويرى الخبراء، أن إصابة حيوانات المنك، تعد أمراً مثيراً للاهتمام، لأنها أثبتت أنها غير عادية في قابليتها للإصابة بالمرض، وبحسب الخبراء، كانت المخاوف المبكرة من إصابة الحيوانات الأليفة بالفيروس من أصحابها، لكن التهديدات من حيوان المنك يبدو أنها أقوى وأصعب، ولم تكن متوقعه.

أشار ستانلي بيرلمان، الخبير في فيروسات كورونا في جامعة أيوا الأميركية، إلى أن "الحيونات المعدلة وراثياً تصاب عادة بمرض خفيف جداً جداً، ولذا فهو أمر غير مفهوم بالنسبة إلى حيوان المنك".

 لغز الفيروس

تعيش حيوانات المنك في ظروف مزدحمة في صفوف من الأقفاص داخل المزارع، وهي على اتصال دائم بالبشر الذين يعتنون بها، وهو ما يبرر، إمكانية إصابتها بالفيروسات، وإعادتها إلى البشر، وتعد عدوى المنك، والخطر المحتمل الذي تشكله، بمثابة تذكير بأنه ليس الحيوانات البرية وحدها هي سبب الأحداث غير المباشرة.

وفي ورقة بحثية، نُشرت عام 2007 في مجلةNature ، كتب العديد من خبراء الأمراض المعدية، بما في ذلك جاريد دايموند، مؤلف كتاب "البنادق والجراثيم والصلب: مصير المجتمعات البشرية"، عن أصول الأمراض التي تنتشر فقط في مجموعات بشرية كثيفة نسبياً، وكتب أن الحصبة والحصبة الألمانية والسعال الديكي هي أمثلة لأمراض الحشود، التي تحتاج إلى مئات الآلاف من السكان من أجل انتشار مستدام.

سرد المؤلفون ثمانية أمراض في المناطق المعتدلة، قفزت إلى البشر من الحيوانات الأليفة: "الدفتيريا، الأنفلونزا أ، الحصبة، النكاف، السعال الديكي، فيروس الروتا، الجدري، السل"، وكتب المؤلفون أنه في المناطق المدارية، تأتي الأمراض أكثر من الحيوانات البرية لأسباب متنوعة.

وتنتقل الأمراض من الحيوانات البرية إلى الحيوانات في المزارع ثم إلى الإنسان، كما تنتقل فيروسات الإنفلونزا من الطيور المائية البرية إلى الطيور الداجنة، وأحياناً إلى الخنازير ثم إلى الأشخاص الذين هم على اتصال وثيق بالمخلوقات التي تعيش في المزارع، كما حدث مع المنك، وتستمر الفيروسات في التحور في الحيوانات الأخرى.

ربما كان هناك وباء سابق لفيروس كورونا جاء من الماشية، تكهن بعض العلماء بأن أحد فيروسات كورونا التي تسبب الآن نزلات البرد، ربما كانت  مسؤولة عن وباء الإنفلونزا عام 1889، الذي أودى بحياة مليون شخص.

في الآونة الأخيرة، أدى الاتصال بين الحيوانات البرية والحيوانات التي تعيش في المزارع، إلى تفشي فيروسات عديدة، ففي ماليزيا عام 1998، انتشر فيروس من الخفافيش التي تطير فوق أشجار الفاكهة إلى الخنازير إلى البشر، في هذه الحالة، كانت أشجار الفاكهة تنمو بجوار حظائر الخنازير وأصيبت الخنازير بالعدوى من خلال التعرض لبراز الخفافيش الكبيرة التي تأكل الفاكهة، لكن جزءاً من السبب كان أيضاً أن مزارع الخنازير قد نمت مع تحول تربية الخنازير من عمليات صغيرة إلى كبيرة، مما يوفر فرصة أكبر لانتشار أي مرض.

ما هو حيوان المنك؟

المنك، هو من الحيوانات الثديية، وهناك نوعان من المنك، بحسب مجلة Nature Science، التي أشارت إلى وجود نوعين منها، تسكن عادة في نصف الكرة الشمالي، وهي المنك الأوروبي والمنك الأميركي، ويعد المنك الأميركي أحد أعمدة صناعة الفراء ويتم تربيته في الأسر في جميع أنحاء العالم.

في البرية، يكون المنك صغيراً وسرياً وغالباً ما يكون ليلياً، ويعيش بالقرب من الماء، وبعد إصابة الملايين منها بالفيروس، في الدنمارك، بدأ يثار العديد من علامات الاستفهام حول مستقبلها؟

وبحسب البروفيسورة جوان سانتيني، من جامعة كوليدج لندن، في حديث خاص لشبكة "بي بي سي" البريطانية، فإن المنك أصبح كـ "مستودعات للفيروس" ولذا المطلوب مراقبة الحيوانات البرية والمنزلية الأخرى التي قد تكون عرضة للإصابة، وقالت: "ما نعرفه هو أن حيوانات المنك تلتقط الفيروس من الناس؛ يمكن أن تصاب وتقوم بنشره في ما بينها ويعود إلى البشر"، وفي المقابل، وبحسب شبكة "بي بي سي"، يعتقد العلماء أن وباءً آخر سيحدث خلال حياتنا.

ويجري العلماء في الدنمارك دراسات وراثية على سلالات مرتبطة بالمنك، وتمت مشاركة البيانات الجينية مع باحثين آخرين، للسماح بمزيد من البحث، وبحسب البروفيسورة سانتيني، فإن المجتمع العلمي بحاجة إلى معرفة مكان هذه الطفرات وبحاجة إلى معرفة تأثير ذلك على انتقال الفيروس ومدى إصابته، لأنه إذا كان يتغير وأصبح أكثر عدوى أو لديه نطاق مضيف أوسع، فهذا حقاً مخيف جداً.

ودعا بعض العلماء إلى فرض قيود جديدة على إنتاج المنك، قائلين إن زراعة المنك "تعرقل استجابتنا وتعافينا من الوباء".

وفي رسالة حديثة إلى مجلة The Science البريطانية، طالب ثلاثة علماء من الدنمارك والصين وماليزيا بضرورة مراقبة إنتاج المنك وتقييده وحظره حيثما أمكن ذلك.

المساهمون