هجرة عكسية لعشرات الأسر المسيحية من نينوى العراقية خلال الأشهر الماضية

10 يناير 2024
الأسر المسيحية في العراق ما زالت تعاني من التهميش (فيسبوك/البطريركية الكلدانية)
+ الخط -

كشف الكاردينال لويس ساكو بطريرك الكلدان في العراق والعالم، عن توجّه مسيحيي العراق نحو الهجرة، متحدثا عن هجرة 100 عائلة من "قره قوش" المعروفة باسم "بخديدا" أو الحمدانية في محافظة نينوى، شمالي العراق، في الأشهر الماضية، متوقعاً أن تستمر هجرة الأسر المسيحية في العراق بسبب التهميش الذي تتعرض له.

وكتب الكاردينال لويس ساكو، مقالاً بعنوان "العراقيون المسيحيون نحو الهجرة"، نشره موقع البطريركية الكلدانية، أن "حالة عدم الاستقرار وغياب الانصاف جددت نزيف الهجرة"، مشيراً إلى أن "100 عائلة من قره قوش هاجرت في الأشهر الماضية والحبل على الجرّار".

وأضاف أن "هجرة عشرات العائلات من المدن الأخرى كبلدة عينكاوا في إقليم كردستان بسبب القلق من المستقبل وعدم صرف الرواتب منذ أشهر"، متسائلاً: "هاجر أكثر من مليون مسيحي، ومعظمهم من النُخَب العلمية والاقتصادية والمهارات، لكن من يكترث لذلك؟".

وأكد ساكو أن "المكوّن المسيحي يشعر بالحزن والألم والخوف والهشاشة حيال التهميش الكلي أو الجزئي. خطف وقتل وفدية بعد سقوط النظام (يقصد صدام حسين)، ثم تهجيرهم من قبل تنظيم (داعش) من الموصل وبلدات سهل نينوى".

وشدد على أنه "لولا استقبال حكومة إقليم كردستان لهم مشكورة، ورعاية الكنيسة لهم أثناء التهجير وإعادة تعمير بيوتهم بعد التحرير لكان حالهم حال مهجّري غزة في فلسطين، إذ لم تقدم الحكومة المركزية آنذاك لهم شيئاً".

اعتداء مستمر على الأسر المسيحية

ولفت إلى أنه "لا تزال الاعتداءات على المسيحيين مستمرة: على مقدراتهم، ووظائفهم والاستحواذ على ممتلكاتهم (ولدينا أمثلة) وحالات تغيير ديانتهم بالإكراه من قبل "داعش" أو غيرها، وأسلمة القاصرين، وعدم المحافظة على حقوقهم، ومحاولة مسح متعمّد لتراثهم وتاريخهم وإرثهم الديني، وعبارات الكراهية في بعض الخطب الدينية".

ورأى ساكو أنه "لا يوجد استقرار سياسي، ولا أمني، ولا اقتصادي، ولا السيادة التي يتطلع إليها كلُّ العراقيين. ثمة اعتماد مفاهيم مزدوجة للديمقراطية والحرية، والدستور والقانون والمواطنة، حتى لدى الذين أقسموا أمام الله بالحفاظ عليها"، مشيراً إلى أن ذلك "أضعف أداء مؤسسات الدولة، وأدى لتراجع القيم الأخلاقية والوطنية، فضلاً عن تدهور الخدمات والصحة والتعليم، وتفشي الفساد، وازدياد البطالة والأميّة".

ويبدو أن هجرة العوائل المسيحية ازدادت بعد حادثة "حريق عرس الحمدانية" في نينوى، الذي وقع في 26 أيلول/سبتمبر الماضي، وراح ضحيته نحو 120 شخصاً وأصيب أكثر من 80 آخرين بحروق وإصابات بليغة، وقتها أشار الكاردينال ساكو إلى أن الحريق كان من "فعل فاعل باع ضميره ووطنه لأجندة معينة"، في إشارة إلى مليشيا "بابليون"، بزعامة ريان الكلداني، التي تسيطر على مناطق العرب المسيحيين في نينوى.

من جهته، قال الناشط المسيحي طارق بولص، إن "المسيحيين في العراق باتوا لا يشعرون بالانتماء للوطن من جرّاء ما تعرضوا له من تهميش على المستويات كافة، بالإضافة إلى استغلالهم سياسياً وأمنياً، وعدم امتلاكهم الحق في تقرير مصيرهم، ناهيك بالكوارث التي لحقت بهم من تنظيم "داعش" وعبث المليشيات المسلحة بممتلكاتهم ومقدساتهم وحضورهم السياسي".

وأضاف بولص لـ"العربي الجديد"، أن "الهجرة مستمرة لمسيحيي العراق، وقد نصل إلى اليوم الذي لا نجد فيه أي مسيحي في بلاد الرافدين، مع العلم أنهم مكون أصيل من مكونات الشعب العراقي"، موضحاً أن "الحكومات العراقية أهملت هذا المكون، وتغافلت عن كل المآسي التي مر بها سواء في بغداد أو الحمدانية أو مناطق أخرى، لذلك فإن خيار الهجرة موجود لدى كل مسيحيي العراق".

يُشار إلى أن الحمداني الواقعة في محافظة نينوى، كان قد لحق بها دمار كبير بسبب وقوعها في مناطق سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي بين عامَي 2014 و2017، تحاول العودة إلى الحياة تدريجياً، علماً أنّ أكثر من 40 في المائة من أبنائها المسيحيين لم يعودوا إليها بعد.

وتشهد قيادة الوضع المسيحي في العراق حالة من الصراع بين بطريرك الكنيسة الكلدانية لويس ساكو، وقائد جماعة "بابليون" المسلحة ريان الكلداني، وصلت خلال الأشهر الماضية إلى تبادل التهم والبيانات عبر وسائل الإعلام والمؤتمرات الصحافية، في مرحلة جديدة من الصراع على الوضع الديني والسياسي للمكون المسيحي، الذي لم يمر بحالة جيدة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

المساهمون