تكثفت في الساعات الأخيرة موجات التضامن الواسعة من مختلف فئات المجتمع، لمساعدة منكوبي الزلزال الذي ضرب بقوة 7 درجات على مقياس ريختر إقليم الحوز في جبال الأطلس المغربية يوم الجمعة الماضي، وأوقع 2901 قتيل و5530 جريحاً، حتى بعد ظهر الأمس، بحسب وزارة الداخلية. وأحدثت مأساة الزلزال، الذي صنّف على أنه أقوى زلزال عرفه المغرب منذ قرن، موجات واسعة من التضامن لدى جميع فئات المجتمع، لمحاولة مساعدة المتضررين والتخفيف عنهم. وازدادت التبرعات وعمليات جمع الإعانات ومختلف التحركات التضامنية، في هبّة تضامنية غير مسبوقة في البلاد.
وكان رئيس الوزراء عزيز أخنوش أكد أن السكان الذين تدمرت بيوتهم "سيحصلون على تعويضات استناداً إلى ملف يجري تحضيره هذا الأسبوع، وننظر في حلول لإيواء المشرّدين".
وتحدث شهود عن تنفيذ مروحيات رحلات ذهاباً وإياباً لتوصيل طعام إلى ناجين زادت احتياجاتهم في الأيام الماضية، فيما أعلن الجيش إنشاء مستشفيات ميدانية في مناطق بعيدة أحدها في قرية أسني، حيث قدمت خدمات لعلاج 300 جريح.
من جهته، أكد منسق منظمة "أطباء بلا حدود" في فرنسا، جان جونسون، أن "المغاربة يعرفون ما يجب فعله، والأمور تبدو على ما يرام في شأن كمية المعدات الطبية المتوفرة، ونحن ننتظر الحصول على ضوء أخضر من السلطات المغربية للتدخل ميدانياً". وأضاف: "يملك المغاربة كل ما يلزم لتقديم علاجات أولية، لكنهم يعانون من نقص على صعيد مستلزمات علاج الصدمات، مثل لقاحات مضادة للتيتانوس أو للألم". كما واصلت فرق الإنقاذ القطرية والإسبانية والبريطانية والإماراتية مهام البحث والإنقاذ في أماكن انتشارها، إلى جانب فرق الإنقاذ المغربية المدنية والعسكرية.
إلى ذلك، أطلق الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر نداء عاجلاً لجمع 100 مليون فرنك سويسري (112.3 مليون دولار) من أجل دعم ضحايا الزلزال. وقالت مديرة العمليات العالمية في الاتحاد: "يجب أن نتحاشى موجة ثانية من الكارثة"، علماً أن مخاوف أثيرت من احتمال أن يسبب نفوق عدد كبير من المواشي مشاكل بيئية. أضافت: "الاستجابة سباق طويل، لأن الأشخاص الذين تأثروا بالزلزال سيحتاجون إلى دعم لأسابيع وشهور".
وقع الصدمة
وإلى التحركات الرسمية، شهد المغرب هبّة تضامنية غير مسبوقة لجمع تبرعات وتقديم إعانات ومساعدات تضم مياهاً ومواد غذائية ومواد شبه طبية (كراسي متحركة، ضمادات، معقمات..)، ومواد تنظيف وأغطية.
في مدينة طنجة (شمال)، يساعد الشاب محمد أشقار وعدد من زملائه المتطوعين جمعيات في تنفيذ مبادرات لجمع مساعدات من المواطنين وفرزها وتغليفها قبل شحنها لإيصالها عبر قوافل إلى المناطق المتضررة.
ويقول لـ"العربي الجديد": "كانت التحركات عفوية وشخصية في مرحلة أولى، واستَجابت لدعوات أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم المتضررين، ثم تحوّلت إلى نماذج يضرب بها المثل في التكافل الاجتماعي والتآزر والتضامن القوي مع ضحايا الزلزال. وتبرع البعض بمواد غذاء أساسية، وآخرون بملابس وأغطية وبنزين، فيما وضع قسم منهم سياراته وشاحناته في تصرف متطوعين لنقل المساعدات إلى المناطق المتضررة".
ويشير إلى أنه "لتسهيل عملية جمع المساعدات تمّ تخصيص مستودعات في مدن عدة، مثل الرباط وسلا والحسيمة وطنجة والدار البيضاء والجديدة وأغادير وكلميم والداخلة.
ويقول إن "وقع الصدمة ومشاهد الدمار شكلت دافعاً له ولأشخاص كثيرين للتحرك وتقديم يد العون لأشخاص فقدوا كل ما كانوا يملكونه، وحضرت مشاعر التعاطف في كل المناطق".
"واجب وليس منّة"
وقد انطلقت أولى الشاحنات المحمّلة بمساعدات السبت والأحد الماضيين من عدد من المناطق، بالتزامن مع مبادرات فردية لمواطنين عاديين أحدهم محمد لمرابط الذي انتقل أول من أمس الاثنين مع أربعة من أصدقائه على متن ثلاث سيارات محمّلة بمواد غذائية وأغطية من مدينة الحسيمة (شمال شرق) إلى قرى في إقليم شيشاوة.
ويقول محمد لـ"العربي الجديد": "ندرك حجم الكارثة ومعاناة الناس باعتبارنا مررنا بتجربة مماثلة عام 2004، لذا كان من الضروري أن نتحرك، ولو بشكل فردي، لأننا نعتقد بأنه من واجبنا أن نخفف، ولو قليلاً، آثار ما حصل لأشخاص فقدوا أهلهم وأقاربهم وكل ما يملكونه. هذا واجب وليس منّة".
وفي مدينة سلا القريبة من العاصمة الرباط، لقيت مبادرات إنسانية أطلقت لجمع المساعدات إقبالاً كبيراً من سكان حرّكتهم قيم الدعم والتآزر والتضامن مع المتضررين.
قيم التضامن المتأصلة
يقول الرئيس المؤسس لجمعية "أمل سلا"، يوسف الشفوعي، لـ"العربي الجديد": "بقدر الحزن العميق الذي خلّفه الزلزال، أظهرت الفاجعة اتحاد المغاربة الذين يمكن القول إن عطاءاتهم تجاوزت حدود التصور والخيال، وعكست حبهم لفعل الخير وتقديم الدعم والتضامن". ويتابع: "تأثرتُ شخصياً بمشهد حمل نساء مسنّات أشياء بسيطة جداً لإيصالها إلى المتضررين. ومن قمة التضامن رؤية هؤلاء النساء يقدمن ما حملنه بخجل من حجم المساعدة. إنها نعمة التضامن التي عبّر عنها المغاربة أطفالاً وشباناً وكباراً".
من جهته، يؤكد عضو مركز "شمال أفريقيا للدراسات والبحوث"، عبد المنعم الكزان، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "قيم التضامن متأصلة في المجتمع المغربي، بدءاً بتضامن التويزة (تجمع السكان لحرث الأرض) ومشاركة الفقيه وحفظ القران، إضافة إلى إظهار الوحدة في العزاء والأفراح عبر تقديم دعم مادي ومعنوي". يتابع: "تتعدد شواهد التضامن، وتختلف بحسب الأحداث، وهو ما يفسر الفائض حتى على مستوى التبرع بالدم. ويعكس ذلك وعياً جماعياً امتد منذ آلاف السنين ويتكرر الآن عبر جمعيات المجتمع المدني التي تنسق مع السلطات لضمان نجاح العمليات، خصوصاً أن المناطق التي ضربها الزلزال شاسعة ووعرة وتضم تجمعات سكنية صغيرة ومنعزلة (دواوير)".