تنتظر نقابات الأطباء والمعلمين وعمال قطاع النفط تنفيذ السلطات وعودها في شأن مطالب رفع الأجور وتحسين الأوضاع، وذلك بعد أكثر من أسبوعين على موافقة رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة على توصية عدد من النواب بزيادة رواتب بعض القطاعات.
وأورد الخطاب الذي وجهه الدبيبة إلى مجلس النواب، وحصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، أن "الحكومة ستزيد رواتب قطاع الصحة 5 مليارات دينار ليبي (1.1 مليار دولار)، وقطاع التعليم 8 مليارات دينار (1.7 مليار دولار)، وقطاع النفط مليار ونصف دينار (332 مليون دولار)، ووزارة الداخلية 9 مليارات دينار (1.9 مليار دولار)".
وأبلغت الحكومة مجلس النواب بإقرار زيادة 59 مليار دينار ليبي (13 مليار دولار) على مرتبات موظفي القطاعات الحكومية، بدلاً من 34 مليار دينار (7.5 مليارات دولار) كانت مقترحة سابقاً لإدراجها ضمن الميزانية المعروضة على المجلس النواب للمصادقة عليها.
ودفع ذلك نقابة أطباء ليبيا، منتصف الأسبوع الماضي، إلى تعليق إضراب جزئي عن العمل بدأته مطلع الشهر الماضي احتجاجاً على عدم تطبيق الحكومة قرار مجلس النواب الخاص بزيادة رواتب الأطباء.
وترافق الإضراب مع التهديد بتصعيد الاحتجاج من وقف العمل فترة ثلاث ساعات إلى 6 ساعات يومياً. وحذرت النقابة الحكومة حينها من أن عدم تجاوبها مع المطالب سيدفعها الى إعلان إضراب العام، وتجميد العمل بالكامل في كل المرافق الصحية العامة بالبلاد.
وإثر القرار الحكومي، طالبت النقابة مجلس النواب بالمصادقة عليه، وتطبيق الزيادات في رواتب عمال القطاع الصحي "في أسرع وقت".
مطالب "شرعية"
وعلى غرار نقابة الأطباء رحبت النقابة العامة للمعلمين بقرار الحكومة، وتعهدت بمواكبة الجهود التي تبذلها الحكومة لدفع مسيرة التعليم إلى الأمام، ورفع كفاءات المعلمين. وكان اللافت عدم تأييد عدد كبير من المعلمين والمدارس في أنحاء البلاد دعوات النقابة إلى الإضراب. لكن أشرف أبوراوي، الناطق باسم نقابة المعلمين، يقول لــ "العربي الجديد" إن "قرارات النقابة الخاصة بالإضرابات شكلت دائماً وسائل للضغط على الحكومات المتعاقبة التي لبّت مطالب المعلمين ضمن إجراءات عدة بينها دفع مكافآت إضافية على رواتبهم".
ويؤكد أبوراوي أن تشكيل حكومة جديدة منح نقابات العمال في ليبيا فرصة كبيرة للفت أنظار المسؤولين إلى مطالبهم، خاصة مع بدء مجلس النواب مناقشة اقتراحات ميزانية الحكومة.
أيضاً، أبدى الاتحاد العام لعمال قطاع النفط ارتياحه لتصريح رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بأنه يحاول زيادة مرتبات موظفي القطاع التي "نعتبرها حقاً شرعياً للمستخدمين"، علماً أن الاتحاد هدد أخيراً بخفض إنتاج النفط، احتجاجاً على عدم تنفيذ الحكومة قرار زيادة رواتب عمال القطاع الصادر في عام 2013، وتوعد بتصعيد الاحتجاجات لوقف حركة الإنتاج بالكامل.
ورغم أن الحكومة أطلقت سابقاً وعوداً كثيرة لم تطبقها في شأن زيادة أجور موظفي القطاعات الرسمية، يرى أبوراوي أن "الوعود الحالية أكثر واقعية لأنها مرتبطة بميزانية رسمية، ومعتمدة. وهذا كافٍ".
النفط "الحسّاس"
لكن صالح الأحول، عضو نقابة الأطباء، يلفت في حديثه لــ "العربي الجديد" إلى أن "ظاهرة الاحتجاجات أعادت النشاط النقابي إلى الواجهة، ودفعت الموظفين الى التحرك للمطالبة بحقوقهم، لكن النقابيين يرون أن وعود الحكومة لا تزال مهددة، ما لا يستبعد تكرر التحركات. فنحن اعتدنا خطابات الحكومات السابقة وإجراءاتها، علماً أن بند الأجور في الميزانية، وحتى الميزانية كلها، مهددة بسبب الخلافات بين الحكومة والنواب، كما أن بعض حقوق الموظفين تحوّلت إلى ورقة للمساومة على مكاسب سياسية وحسابات خاصة ضيقة".
ويرى الأحول أن "تجاوب الحكومة حتى الآن حصل بسبب حساسية أوضاع عمال بعض القطاعات، وبينها النفط المهم جداً بالنسبة لها، وقد يوقعها حتى في حرج دولي لأهمية النفط في تحقيق تسويات داخلية. كما أن قطاع الصحة مرتبط بجائحة كورونا، واهتزازه سيُدخل الحكومة في أزمة حرجة، بخلاف احتجاجات موظفي قطاع التعليم التي تتجدد منذ سنوات، بلا استجابة حقيقية".
ويلفت الأحول الى عوائق أخرى قد تفشل الإضرابات. ويقول: "الأطباء والمعلمون وموظفو قطاعات أخرى يدركون عموماً حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهم وواقعها الإنساني والاجتماعي، في حين يعلم المسؤولون أن الأهداف وراء وظائف الأطباء والمعلمين تحديداً تظل أكبر قيمة من وظائفهم ومراكزهم ورواتبهم، لذا فالتجاوب الرسمي مع مطالب نقابتيهما ليست بدرجة كبيرة، ما يجعل مطالبها معلقة، وهو ما حصل مرات في الأعوام السابقة".