تطمح الناشطة وسيدة الأعمال منى السليطي، إلى تمثيل أكبر للمرأة القطرية في مواقع صنع القرار، إذ لا تتعدى نسبة التمثيل الحالية 30 في المائة، مؤكدة أن "رؤية قطر الوطنية 2030"، والسياسات السكانية في الدولة تدفع باتجاه رفع هذه النسبة.
تقول السليطي لـ"العربي الجديد"، إن زيادة تمكين المرأة من بين أبرز القضايا التي تشغلها، جنبا إلى جنب مع خلق توازن بين العمل والواجبات الأسرية، ودعم الأرامل والنساء المُعيلات لتحسين مستوى معيشتهن، ودعم التعليم والتركيز على جودة مخرجاته، فضلاً عن مكافحة الغلاء والتضخم، وتنمية الأمن الغذائي، ودعم حقوق المتقاعدين، وهي تدعو إلى إجراء تعديلات على قانون الأسرة بما يخدم المرأة ويحمي حقوقها المالية والاجتماعية، ويدعم مساواتها في الحقوق الوظيفية بالرجال.
ويحظر دستور قطر التمييز ضد المرأة، وتتواصل الجهود لتوسيع نطاق السياسات التي تمنح المرأة حرية اتخاذ قراراتها، كما لا يتم التسامح مع العنف ضد المرأة، أو العنف الأسري، وتعد المساواة بين الجنسين ركيزة محورية في رؤية قطر الوطنية 2030 التي تولي اهتماماً بتمكين المرأة وتعزيز قدراتها، وكفالة تمتعها بحقوقها، ومن بينها المشاركة الاقتصادية، والحماية الاجتماعية.
ويشغل عدد من نساء قطر أدواراً بارزة في كل نواحي الحياة، بما في ذلك صناعة القرار الاقتصادي والسياسي، وتتصدر قطر دول المنطقة في مؤشرات المساواة بين الجنسين، بما فيها أعلى معدل لمشاركة المرأة في القوى العاملة، والمساواة في الأجور بالقطاع الحكومي، إضافة إلى أعلى نسبة لالتحاق الإناث بالجامعات، ووفق بيانات جهاز التخطيط والاحصاء القطري، بلغت نسبة الطالبات الملتحقات بالتعليم الجامعي 70.4 في المائة من إجمالي طلاب الجامعات في عام 2019، وبلغت نسبة الخريجات في العام نفسه 67.5 في المائة من إجمالي عدد الخريجين.
وترى السليطي، أن "المرأة القطرية تجاوزت ثقافة (نصف المجتمع) الرائجة، وآن الأوان لأن تكون القطرية صانعة تغيير، وأن تدرك أن تغيير الواقع وكسر المألوف لا يحتاج إلى قوة، أو تمرد، بل يحتاج إلى إرادة وإصرار. التحدي الرئيسي الذي تواجهه المرأة القطرية هو العمل، فبيئة العمل ما زالت تقليدية، والكثير من النساء يجدن صعوبة في أن يكون لهن دور فعال فيها، وهناك صعوبات الموازنة بين دور الأم ودور العاملة، كما أن هناك ضغوطاً تهدف إلى حصرها في صورة معينة، وعليهن أن يكن واعيات بمحاولات الحد من طموحاتهن".
تتصدر قطر دول منطقة الخليج العربي في مؤشرات المساواة بين الجنسين
وتضيف أن "التشريعات والسياسات الهادفة إلى تحقيق التوازن بين مسؤوليات العمل والأسرة التي تبنتها قطر، أسهمت بشكل كبير في تمكين المرأة، وتعزيز مشاركتها، سواء في القطاع العام أو الخاص، وتخطو المرأة حالياً خطوات ثابتة، وترسم مساراً من النجاح بدليل وصولها إلى العديد من المناصب القيادية الحساسة، لكن تجربة المرأة القطرية في السلطة التشريعية على سبيل المثال، تعد حديثة، والمجتمع ما زال لا يتقبل مناقشتها بعض القضايا، ويرسم لها أدواراً نمطية تحصرها في قضايا الأسرة، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تضعها تحت المجهر، وتنتقدها بقسوة في ظل ثقافة تكرس الانتقاص من قدرة المرأة على القيادة".
وتتابع السليطي: "القراءة التاريخية لمسيرة المرأة القطرية تستدعي التوقف عند بعض الأحداث، فقبل مرحلة النفط، كان للمرأة دور اجتماعي وثقافي فاعل، خاصة في فترات البحث عن اللؤلؤ، وكان المجتمع معتمداً بدرجة كبيرة على النساء، وأسهم ذلك في تشكيل الشخصية النسائية المسؤولة عن العادات والتقاليد، وتربية الأبناء، وغرس القيم، ثم تطورت مسيرة المرأة وفق منحنى تصاعدي يستدعي جهوداً شخصية ومؤسسية ومجتمعية للحفاظ على المكتسبات والإنجازات على مختلف الأصعدة، وتطويرها بما يتوافق مع أهداف وخصوصية المجتمع".
وتشير إلى أن "المرأة كانت وما زالت مبادرة، وذات إحساس بالمسؤولية في مجتمعها، وهذه نتيجة واضحة لاستثمار الدولة في العنصر النسائي، والإيمان بأنها تستحق الأفضل، لتجد غالبية القطريات واعيات، ومتمسكات بدينهن، وبعاداتهن وتقاليدهن الأصيلة، ومتميزات في مهامهن، سواء كانت السيدة ربة بيت أو موظفة".
وتتبوأ المرأة عددا من المناصب الأكثر تأثيراً، من بينها مناصب قيادية بارزة في مختلف القطاعات التجارية، ونحو 20 في المائة من السجلات التجارية مسجلة باسم سيدات أعمال قطريات، وفق إحصاء عام 2020، وحسب إحصاء رسمي، تبلغ نسبة القطريات "النشيطات اقتصادياً" نحو 15 في المائة من إجمالي عدد السكان النشطين اقتصادياً، و70 في المائة من الموظفات القطريات في الجهاز الحكومي حاصلات على مؤهل جامعي، ورصد تقرير للجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، توجهاً نحو مزيد من تكافؤ الفرص في التدريب والتطوير.
20 في المائة من السجلات التجارية الرسمية مسجلة باسم سيدات أعمال قطريات
يقول عميد كلية الشريعة والقانون السابق في جامعة قطر، عبد الحميد الأنصاري، لـ"العربي الجديد": "حصل تقدم كبير في التشريعات، سواء في الحقوق المدنية أو الحقوق السياسية، فالمراة القطرية بات لها كافة الحقوق في التوظيف، وفي المناصب القيادية، بما فيها المناصب الوزارية والقضائية، وفي المجال السياسي بات لها كافة حقوق التصويت والترشح للمناصب النيابية، لكن أهم إنصاف تشريعي تحقق كان قانون الأسرة".
ويرى الأنصاري أن "هناك أمرين تشريعيين لم يتحققا بعد للمرأة القطرية، يتمثل الأول في منح جنسيتها لأطفالها اذا كانت متزوجة من غير قطري. ندرك إجحاف التشريع بحق الأم القطرية مقارنة بالأب القطري الذي يملك حق منح جنسيته لزوجته وأولاده، وهذا غير منصف، ويخالف كافة المواثيق الحقوقية الأممية التي التزمت بها قطر، فضلاً عن الدستور الوطني، والأمر الثاني أن الرجل القطري يمنح أرضاً للسكن من الدولة، بينما المرأة لا تمنح، وهذا أيضاً غير منصف".
وتبوأت المرأة القطرية مناصب عليا في عدة قطاعات، فكانت شيخة المحمود أول وزيرة للتربية والتعليم، وأول سيدة قطرية وخليجية تتبوأ هذا المنصب في عام 2003، كما تولت شيخة عبدالله المسند رئاسة جامعة قطر في وقت سابق، وتشغل بثينة النعيمي منصب وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2021، كما تشغل حنان الكواري منصب وزيرة الصحة العامة، ومريم المسند منصب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة، وفازت حمدة السليطي بمنصب نائب رئيس مجلس الشورى، وكانت زميلتها شيخة الجفيري، هي أول سيدة قطرية وخليجية تنتخب لعدة مرات في عضوية المجلس البلدي، قبل تعيينها في مجلس الشورى، كما فازت فاطمة الكواري في الانتخابات الأخيرة للمجلس البلدي.
عملت لولوة الخاطر كمتحدث رسمي باسم وزارة الخارجية القطرية، ثم جرى تعيينها مساعداً للوزير، لتكون أول امرأة قطرية تتقلد هذا المنصب، كما عينت علياء آل ثاني كأول سفيرة قطرية والمندوب الدائم لبلدها لدى مقر الأمم المتحدة في جنيف، ثم أصبحت المندوب الدائم لقطر في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، وخلفتها في المنصب هند المفتاح.
وسنّت قطر عشرات القوانين التي مكنت النساء من المُشاركة في صنع القرار، فضلاً عن إتاحة المشاركة في انتخابات المجلس البلدي المركزي، ورغم تحسن النظرة إلى مشاركة المرأة في المجتمع، وأهمية مساهماتها، لا تزال بعض الصور النمطية السلبية قائمة، وحسب بيانات رسمية، رشحت 6 نساء أنفسهن في انتخابات المجلس البلدي في عام 1999، لكن لم يتم انتخاب أي منهن، وفي عام 2015، ترشحت 5 نساء، وتم انتخاب اثنتين منهن، رغم أن 40 في المائة من المصوتين في الانتخابات كن من النساء، وفي أول انتخابات لمجلس الشورى، تنافس 234 مرشحاً، من بينهم 26 مرشحة، في 30 دائرة، ولم تنجح أي منهن.
انضمت دولة قطر في 24 مارس/آذار 2009، إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وصدر مرسوم بالموافقة على الانضمام للاتفاقية في نفس العام، ونصت المادة الأولى منه على أن يكون للاتفاقية قوة القانون وفقاً للدستور، ما يعني أن الأحكام الواردة في الاتفاقية تأخذ حكم القانون المحلي.
وألغت القوانين القطرية منذ ذلك الوقت، شرط موافقة الولي على إصدار جواز سفر المرأة، كما ألغت حصر انتفاع المواطنين من الذكور بنظام الإسكان، وقررته للمواطنين من الجنسين، لكن مازال الدستور يعتبر الجنسية أمراً سيادياً، وينظم قانون الجنسية كيفية اكتسابها ومنحها وسحبها واستردادها من دون تمييز بين المرأة والرجل، في ما عدا حالة زواج القطرية من غير قطري.