تحدد منظمة "يونيسف" نهاية مرحلة الطفولة بالوصول إلى سنّ الثامنة عشرة، ما يعني أنّ كلّ من يصل إليها يخرج من هذا الطور إلى مرحلة الشباب. والمعروف عن المنطقة العربية أنّها من أكثر المجتمعات فتوة، فنحو ثلثي السكان هم دون الخامسة والعشرين عاماً، خلاف المجتمعات المتقدمة الأكثر شيخوخة. الفئة العمرية التي ترتاد المدارس والمعاهد المهنية والجامعات كان تعدادها أكثر من 83 مليون نسمة، عربياً، وهي الأكثر عرضة لمضاعفات كلّ ما رافق انتشار وباء كورونا من تباعد اجتماعي وإقفال للمدارس ودور السينما والمسارح والأماكن العامة. ولا شك في أنّ هناك انعكاسات بالغة الأهمية على هذه الفئة العمرية سواء أكانت منخرطة في التعليم أم لا. ولمّا كانت هذه الفئة العمرية هي الأكثر دينامية فقد كانت قوام حركات التمرد التي شهدتها المنطقة. وبقاؤها أسيرة جدران المنازل قاد إلى تعمق أزمتها من جوانبها المتعددة، خصوصاً أنّ المدرسة والمعهد والجامعة كانت بمثابة متنفس لها تلتقي فيها مع أقرانها من الجنسين، وتتفاعل معهم ومع الهيئة التعليمية، حيث يتبادلون معاً الآراء في المواد والشؤون الدراسية والعامة وغيرها.
وفي دراسة أعدها تحالف ميثاق الشباب في العمل الإنساني، المكوّن من الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، ومنظمة "ميرسي كور" والمجلس النرويجي للاجئين، ومكتب مبعوث الأمم المتحدة للشباب، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومجموعة الأمم المتحدة العليا للأطفال والشباب، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة طفل الحرب - هولندا، ظهر أنّ الجائحة أدت إلى إبعاد أكثر من 90 في المائة من المتعلمين في العالم عن المدارس والجامعات. وهذا الانقطاع الطويل عن التعليم له مضاعفاته وعواقبه بما يتجاوز العملية التعلمية إلى فقدان الثقة بالمستقبل والرعاية الصحية وزيادة معدلات التسرب، وحرمان الشباب من الدعم والوصول إلى الموارد الاجتماعية. تبدو النتائج أكثر سلبية لدى ذوي الحالات الخاصة (بمن فيهم الأشخاص ذوو الإعاقة) الذين يعجزون عن الوصول إلى التجهيزات الملائمة لأوضاعهم.
البقاء في المنازل لا يعني عدم التعرض للمخاطر، إنّما إلى نوع مختلف منها، ففيما كانت المخاطر خارجها، باتت مع العزل داخلها من خلال الإدمان المرضي على وسائل التواصل، وما تعرضه شبكات الإنترنت والجرائم الإلكترونية والمضايقات المختلفة. وتتوقع الدراسة أن يؤدي الحبس الطويل والعزلة إلى تآكل شبكات الدعم التي يبنيها الشباب مع بعضهم، لا سيما أنّ أعباء التعليم باتت أشد ثقلاً عليهم، ما يقود إلى القلق والإحباط. وقد ثبت أنّ التعلم عن بُعد هو أيضاً محرك لعدم المساواة على الصعيد الدولي والجندري بين الجنسين، فقد كشفت الدراسة أنّ الفتيات والشابات يحصلن على فرص وصول أقل نسبياً إلى التكنولوجيا الرقمية.
ومن المعروف أنّ الشباب يتعرضون إلى مزيد من الهشاشة الاقتصادية، ويعيش القسم الأعظم منهم في الدول النامية، بالقرب من خط الفقر، ويعمل بعضهم في القطاع غير الرسمي. والمؤكد أنّ موجة الركود الراهنة والمتوقعة تحتاج إلى سنوات للتعافي، ما يرفع معدلات البطالة لديهم أضعاف البالغين. ويواجه الشباب العرب المهاجرون والمهجّرون وغير المقيمين، معدلات أعلى من الاستغلال وسوء المعاملة في العمل، ويُستبعدون من الحمايات الاجتماعية الوطنية. أما المقيمون فقد خسروا فرصة الإعداد الأكاديمي والمهني وباتوا من المشكوك في كفاءاتهم العلمية والمهنية في سوق عمل شبه مقفل. ومن المتوقع أن يحدّ الفيروس من مشاركتهم في الاحتجاجات بالساحات العامة طلباً للتغيير والمشاركة في القرار السياسي والديمقراطية، ورفضاً لعدم المساواة ومطالبة بالاندماج الاقتصادي. وقد علقت ظروف التباعد والحجر هذه الاحتجاجات، ما قد يؤخر الإصلاح المنشود لمجتمعاتهم أيضاً.
(باحث وأكاديمي)