لم تتابع ميرنا الغرمتي المقيمة في مدينة صيدا، جنوبي لبنان، تعليمها بعدما أنهت المرحلة المتوسطة، فقد تزوجت في سن صغيرة جداً، لكنّها في المقابل لم تترك مهنة صنع حلوى راحة الحلقوم التي تعلمتها من والدها عاطف منذ كانت في الثانية عشرة من العمر.
واظبت على العمل يومياً مع والدها في مهنة صعبة، بعد دوامها المدرسي في مرحلة أولى، ثم بقيت تمارسها بعد زواجها، وورثتها من أبيها من دون أن يحذو إخوتها الشباب حذوها، فساهمت بالتالي في الحفاظ على إرث والدها، بعدما طالبها إخوتها الشباب بعدم إغلاق المعمل الذي يحمل اسم أبيهم. تقول: "عشت مع والدي بعد زواجي، رغم أنّني أملك بيتاً، لأنني رغبت في البقاء معه، وكنت أرافقه دائماً في العمل، وتعلمت منه المهنة منذ أن كنت صغيرة. وكنت عندما أعود من المدرسة أذهب إليه وأشاركه في صنع راحة الحلقوم في المعمل ذي الهندسة المتواضعة والذي يتضمن قناطر حجرية قديمة جداً، ويقع في مكان متفرع من ساحة ضهر المير يقود إلى أحد أزقة حي الكنان في منطقة صيدا القديمة".
تتابع: "أنا أصغر البنات والأبناء في عائلة تتألف من خمس بنات وثلاثة شبان، وقد تعلمت مهنة صنع راحة الحلقوم، وقررت بالاتفاق مع إخوتي عدم إغلاق المعمل حين توفي والدي قبل نحو عام حين كان في الـ93 من العمر، علماً أنه كان مقعداً قبل وفاته، من دون أن يمنع ذلك نزوله إلى المعمل حيث يجلس على كرسيه، ويشارك مثما اعتاد دائماً في صنع راحة الحلقوم.
وتعلّق ميرنا بأن "راحة الحلقوم ليست مريحة رغم أن اسمها يشير إلى ذلك، بل متعبة جداً، فصناعتها تتطلب الدقة في تحديد أوزان المواد التي تتضمنها، وتحتاج إلى قوة في تنفيذ حركات جبل هذه المواد، وأي خطأ قد يحدث في تركيبتها يؤثر في طبخها ويخربها، ما يضطرنا إلى إتلافها. وهذه الحلوى الطيبة الطرية تصنع من مواد النشاء والسكر وحامض الليمون والمستكة والماء، وتطبخ في جرن نحاسي بعد وضعها على النار، ويتم تحريكها نحو ساعة بالمسواط (ملعقة خشبية طويلة). وبعد انتهاء الطبخ تصب في وعاء خاص بها، ثم يتم دعكها، وتمد في الوعاء ويتم تقطيعها إلى مكعبات صغيرة، ثم تلف بأوراق خاصة بعد رش السكر الناعم عليها، وتحصل هذه العملية يدوياً بالكامل من دون استخدام آلات كهربائية.
تتابع: "تأثرت راحة الحلقوم بارتفاع الأسعار مثل غيرها من السلع في لبنان، وتراجع بيعها، إذ صار سعر الكيلوغرام المحشو بالفستق الحلبي 300 ألف ليرة لبنانية (8.3 دولارات)، والمحشو بالجوز أو البندق 280 ألفاً (7.7 دولارات)، وغير المحشي 150 ألف ليرة (4.1 دولارات)، لكننا ما زلنا نصنعها لأن الناس يطلبونها في مناسبات معينة لكن بكميات قليلة ليست كما في السابق، أي قبل الأزمة الاقتصادية في لبنان".
وتؤكد أنها أحبت مهنة صنع الحلقوم التي ورثتها عن أبيها رغم أنها متعبة جداً، وتصفها بأنها "مصلحة تطعم لكن لا تغني، وأنا أساعد نفسي من مدخولها، وأؤمن المصاريف الخاصة بي".
وعن احتمال تعلم أولادها المهنة، تقول: "لا أشعر بأن أولادي لديهم ميول لتعلم صنع راحة الحلقوم فجميعهم في المدارس، وسيتعلمون ما يرغبون به في المستقبل، علماً أنه يمكن تطوير هذه المهنة، لكن الأمر يتوقف على التمويل".
وعن حركة البيع، تقول: "يروج بيع راحة الحلقوم في ذكرى المولد النبوي الشريف، وهي عادة متبعة عند أهل صيدا الذين يعتبرون شراءها شرطاً للاحتفال بالمولد النبوي الشريف كتقليد متوارث عن الأجداد. وفي هذه الذكرى يوزع الناس راحة الحلقوم في بيوتهم، أو عند مداخل المساجد، أو في المدارس ودور الأيتام والشوارع. وفي باقي الأيام تباع بشكل طبيعي، فالمسافر الذي ينوي العودة إلى بلد يعمل فيه يأخذ معه ما تصنعه مدينته، أو السياح، أو من يقيم مولداً في بيته".
تختم: "هذه المهنة إرث من تراث مدينة صيدا، ولها ذاكرة في أذهان سكان المدينة. وبالنسبة لي ليست مهنة لكسب الرزق، فعندما أمارسها أشعر بأنني أحيي مهنة أبي، وأبقي اسم الحاج عاطف الغرمتي، كما أحس بأنني أحمل مسؤولية الحفاظ على هذه المهنة باعتبارها جزءاً من ذاكرة مدينة صيدا وتقاليدها، علماً أن والدي أخذ هذه المهنة من خاله المعلم محمد النقوزي، وهذه الحلوى تركية الأصل".
وتحفظ ميرنا وصية والدها بعدم كشف سر صنع راحة الحلقوم، ولا تنسى مطالبته إياها بالحفاظ على المهنة والتمسك بها، رغم أن صناعتها متعبة، لكن ليس للمعلم الذي يتقن صناعتها.