مهجّرو غزة مشتاقون إلى بيوتهم وممتلكاتهم

23 فبراير 2024
اشتاق الغزيون إلى تفاصيل حياتهم الطبيعية (عبد زقوت/ الأناضول)
+ الخط -

تتسارع دقات قلب الفلسطيني عبد القادر أبو شرخ كُلما سمع نبأ عن منطقة تل الهوا جنوبي قطاع غزة، حيث كان يسكن قبل أن ينزح قسراً برفقة أسرته المؤلفة من أربعة أفراد إلى مدينة رفح جنوب القطاع جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل. 
ويشارك مئات آلاف النازحين أبو شرخ شعور الشوق الممزوج بالحنين والحسرة، بعدما اضطروا إلى ترك بيوتهم وممتلكاتهم بفعل شراسة القصف الإسرائيلي الذي طاول البيوت والمباني والأبراج والمربعات السكنية، والتهديدات الإسرائيلية المتواصلة للفلسطينيين بإجلاء محافظتي غزة والشمال والتوجه إلى المناطق الجنوبية، وأيضاً بعض المناطق الوسطى ومدينة خانيونس.
حرم النزوح القسري فلسطينيي غزة من بيوتهم ومحلاتهم وأعمالهم، وخلق واقعاً مريراً تضاعفت فيه المعاناة يوماً بعد آخر بفعل التكدّس في المناطق التي يزعم الاحتلال أنها "آمنة"، في حين تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة بسبب إغلاق المعابر ومنع دخول مختلف المواد الأساسية من ماء وغذاء ووقود وأدوية ومستلزمات طبية ومساعدات إنسانية.

يقول أبو شرخ لـ "العربي الجديد": "أُجبِرت على ترك منزلي بسبب تهديد الاحتلال المنطقة التي أعيش فيها قبل أن يقصفها. ونزحت في اليوم الثالث للحرب إلى منطقة الشيخ عجلين جنوب غربي غزة، وظللت فيها حتى اليوم السابع من الحرب حين طالب الاحتلال سكان مدينة غزة وشمالها بالتوجه فوراً إلى المناطق الجنوبية". يضيف: "تركت بيتي وكل شيء موجود فيه باعتبار أن الحرب لن تطول وسأرجع خلال أيام، لكن العدوان امتد فترة أطول من قدرتي على الانتظار". يتابع: "نحن في حالة نزوح مستمر، وكل يوم أقسى من السابق. نعيش حياة غير طبيعية تنعدم فيها مقومات الحياة والأمن والسلامة، ونفتقر إلى راحة الحياة الطبيعية التي اعتدنا عليها في بيوتنا، وإلى الأطعمة اللذيذة التي كانت تطهوها الزوجات، والأمان الذي كُنا نعيشه في كنف بيوتنا".

حنين إلى الأمان المفقود في غزة اليوم (عبد زقوت/ الأناضول)
حنين إلى الأمان المفقود في غزة اليوم (عبد زقوت/ الأناضول)

وتقول سُمية، زوجة أبو شرخ، لـ"العربي الجديد": "رُغم طول فترة العدوان الذي شارف شهره الخامس على الانتهاء، لم أتأقلم مع حالة التشتت والنزوح من بيت إلى آخر ومن منطقة إلى أُخرى، وصولاً إلى إنشاء خيمة من خشب وبلاستيك في حي الجنينة بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة". تتابع: "اشتقت إلى تفاصيل حياتي الطبيعية والشوارع الآمنة والمريحة. كنت أستيقظ يومياً لتجهيز أطفالي للمدرسة، وإعداد الفطور لزوجي قبل أن يذهب إلى العمل. الآن انعدمت الحياة بالكامل، وتوقفت دراسة الأطفال بسبب الحرب، كما تعطّل زوجي عن العمل بعد استهداف المبنى الذي يضم مكتبه للهندسة".
وتتمنى سُمية مثل غيرها من النازحين أن تعود إلى منزلها اليوم قبل الغد كي تتفقده وتطمئن عليه وعلى أغراضه التي اشترتها مع زوجها بعناية. وتقول: "لا نعرف أي شيء عن المنزل منذ أكثر من شهر، وإذا كان لا يزال قائماً أو هُدِم، لأننا فقدنا الاتصال بالجيران الذين نزحوا بسبب اشتداد القصف".

بدوره، يواصل أحمد إنشاصي من حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة، متابعة الأخبار لحظة بلحظة على أمل سماع أنباء جديدة قد تُفرح قلبه وقلب أسرته بالرجوع إلى شقتهم السكنية التي أُجبروا على تركها بفعل القصف الذي حَوّل حياتهم إلى "كوابيس وجحيم"، وجعلهم يخرجون بأمل النجاة. ويقول لـ "العربي الجديد": "تركنا بيوتنا من دون أن ننقل أي مُستلزمات ضرورية لحياتنا اليومية، واشترينا كل اللوازم الأساسية بأسعار مُضاعفة حين وصلنا إلى مدينة دير البلح. وكُنا نعتقد بأن خروجنا من بيوتنا سيستمر أياماً معدودة، لكن الحرب طالت واستنفدت قدرتنا على الصبر ومواصلة توفير مُتطلباتنا اليومية".
ويغمُر إنشاصي الحنين بالعودة إلى بيته الذي كان يوفر كل احتياجاته، ويقول: "كانت حياة أسرتي آمنة ومُستقرة، ونقصد مُتنزهات عامة والمطاعم كلما استطعنا. وقد اعتدت على شراء ألعاب وحلوى لأطفالي يومياً، لكننا بتنا محرومين من كل هذه التفاصيل".
ويُتابع الفلسطينيون في قطاع غزة الأخبار للاطمئنان على مناطقهم التي أجبروا على تركها مُنذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ويترقبون الأنباء الخاصة بالجهود المبذولة لإتمام صفقات التبادل ووقف إطلاق النار، وعودتهم إلى منازلهم التي طال ابتعادهم عنها.

المساهمون