من فلسطين.. سلامات يا حريّة

25 يونيو 2015
وبعد لحظات أصبح المكان ممتلئاً بالشرطة (فرانس برس)
+ الخط -
لطالما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منبراً مهمّاً للشباب، خاصّة في ما يتعلّق بموضوع الحرّيات، كون أرض الواقع لم تعد تحتويهم كما كانت في السّابق. أو بصورة أدق، إنّ فرصة التعبير في العالم الافتراضي أوسع منها في العالم الموازي، على الرغم من وجود بعض القيود التي أجبرت الكثيرين منهم على الكفّ عن الكتابة في موضوعات معيّنة؛ كالدين والقضايا السياسيّة أو انتقاد بعض الجهات المسؤولة.


وحول الحرّيات في غزّة مثلاً، على سبيل المثال لا الحصر. يروي الناشط المقداد جميل ما حدث معهم خلال مظاهرة خرجت مناهضة لإجراءات إسرائيل في النقب ويقول: "تم الإعلان عن مظاهرة رفضاً لمخطط برافر الذي أعلنه الاحتلال عام 2013، المظاهرة كانت ضد مخطط "الاحتلال" ولم تكن ضد أي جهة فلسطينية، خرجنا في ساحة الجندي المجهول، مع عدد كبير من الشباب، منهم النشطاء والإعلاميون وبعضهم من أنصار حركة حماس"، ويلفت: "لكن بالرغم من ذلك، كان نصف المتواجدين من عناصر الأمن التابع لحكومة غزة باللباس المدني، وبعد لحظات، أصبح المكان ممتلئاً بـ"جيبات" الشرطة وعناصرها بالسلاح والهروات، سمحوا لنا بالهتاف ضد المخطط عدة دقائق، ثم طلبوا من كافة المتواجدين إنهاء المظاهرة، رفض بعضهم، فكثر تواجد عناصر الشرطة وقاموا بضرب بعض الأشخاص، وتفريق المظاهرة، ثم اعتقال بعض الشباب للتحقيق معهم".

ويتابع جميل لـ"جيل العربي الجديد": "إن هناك الكثير من الأمور التي تقف عائقاً أمامنا كشباب بغزّة لإبداء آرائنا، خصوصاً في ظل الانقسام الفلسطيني". وينتقد المقداد وسائل الإعلام التقليدية قائلاً: "غالبا ما تكون مدعومة أو ممولة من جهات معيّنة، بالتالي هذه الوسائل تعمل لمصالح الجهة الداعمة لها، ولن تقبل أي رأي مخالف لهذه الأطراف". ويشير إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي لها الدور الكبير في إيصال رسالة وفكرة الأفراد، كونها متحررة من قيود التبعية، لكنه يراها أيضاً غير كافية لإيصال الفكرة، طالما بقيت مقيّدة بحدود مواقع الإنترنت والأفراد الموجودين فيها، لذلك الوصول للشعب وعامته لا يكون إلا بواسطة الإعلام التقليدي، وفق قوله.

ولا يختلف واقع القطاع كثيراً عمّا هو في الضفّة الغربيّة، إذ نجد الملاحقة للنشطاء السياسيّين خاصّة تبلغ أشدّها في الضفّة الغربيّة، حيث تقوم أجهزة السلطة الفلسطينية بملاحقة واعتقال بعض الشباب على خلفية "ستاتوس" عرض على موقع "فيسبوك"، إضافة إلى قمع الاحتجاجات أي كانت أهدافها.

وفي رأي آخر، تقول إيمان صبرة: "ربّما أحد المعيقات التي تواجه الشباب في التعبير عن حريتهم هو عدم وجود تقبل للرأي الآخر عند الكثيرين، إن كان لدواعٍ سياسية أو غيرها، معتبرة أن هذا ما يمنع أو يحدُّ الكثير منهم من التعبير عن رأيه بالصورة الكاملة والمطلوبة". وتعتقد أن أكبر هذه الصعوبات هي عدم وجود جهة تؤمن بالأفكار الشابّة، خاصة الأفكار غير التقليدية منها، والتي لم يسبق أن نُفّذت من قبل، وبالتالي الشباب هنا إما أن يتجهوا نحو الأفكار المعتادة والتي سبق تنفيذها وهذا يُضعف الاهتمام بها، كونها مكررة، سواء أكان ذلك من جهة إعلامية أم حتى من جهة المجتمع نفسه، أم أنهم يصدّرون أفكارهم للخارج.

وترى صبرة أن مواقع التواصل الاجتماعي أتاحت للشباب فرصة كبيرة لإيصال أفكارهم وآرائهم، ولكن يبقى أنه لا بدّ من المشاركة المجتمعية على أرض الواقع إلى جانب هذه المواقع لإيصال الأفكار المنشودة على أكمل وجه ولكل الفئات المهتمّة.

في حين أصبح الكثير من الشباب يفضلون الصمت في كل من العالمين الواقعي والافتراضي، تلافياً للملاحقات الأمنية التي يمكن أن تودي بهم خلف أسوار السجون.

يعلق "أحمد" الذي فضل عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية: "لا توجد جرائد ومجلات مستقلة في غزة، ومشكلة غياب هذه الصحف مرتبطة بالانقسام، ووجود جرائد مصفقة للحزب الحاكم، والأمر يشمل الضفة". ويضيف لـ"جيل العربي الجديد": "مشكلة الفيسبوك والإعلام الاجتماعي أنه يستهدف فئة المتعلمين ولا يصل للجميع. عدا عن أنه نخبوي إلى حد ما".

ويتابع: "نحاول إيصال أفكارنا من خلال الاستمرار في عرضها وفتح النقاشات المطولة، ولكن أصبحنا نلجأ للأسماء المتخفية كي نعبر عن آرائنا، خوفاً من الملاحقة كما حدث معي في السّابق". ويواجه "أحمد" صعوبة في التعبير عن بعض القضايا، مشيراً: "توجد ملاحقة من قبل الأمن في قطاع غزة. لا توجد قوانين تحمي أصحاب الآراء ولا الأفكار. بمجرد المسّ ببعض الأفكار قد تطالك الملاحقة الأمنية من جهة، ومن جهة ثانية الرفض والشجب من الناس وهنا لا خيار أمامي سوى الصمت أو التعبير باسم متخفٍ".

بدورها، وحين تعرض فكرة الخروج إلى الشارع لرفض أي سلوك أو ممارسة، تتساءل منى بشير عن الإجراءات التي ستتخذها حكومة غزة لمنع أي تجمع، حتى ولو سلمي، ويدعو لمصلحة وطنية، هذا بعد ممارسة إجراءات معقدة للموافقة على ما يودّون التعبير عنه في حال تم السماح لهم. وتتحدث عن القمع الموجود في كل مكان في المجتمع؛ من العائلة الصغيرة إلى الكبيرة إلى الوسط المحيط، حيث دائماً ما يفرضون أنفسهم على أي فكرة من الممكن أن تصدر عنك. وتعتقد أن هذه الإشكالية موجودة وبصورة كبيرة في المجتمع الغزي.

وعن الصعوبات التي تواجه الشباب في طرق باب الإعلام التقليدي تقول: "غالباً ما تكون هذه النشاطات محصورة ولا تصل للجمهور مباشرة وينتهي تأثيرها عند الخروج من باب قاعة الندوة أو الاجتماع، فيلزم تغيير في النمط السائد للطرح والتغلغل بصورة أكبر في الشرائح المعنية"، وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي غير كافية للتعبير ما لم تترجم الأفكار لأفعال على أرض الواقع وهذا فرصته قليلة غير أن مواقع التواصل أصبحت مسبوغة بالابتذال وقل تأثيرها في الجمهور مع كثرة المعبرين ومطلقي الأفكار عامة.

(فلسطين)
المساهمون