منطقة عازلة جديدة... إسرائيل تدمّر بيوت الغزيين ومزارعهم على الحدود

20 مارس 2024
لا بيوت ولا أراضٍ (أحمد حسب الله/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- سكان قطاع غزة، خاصة المزارعون، يعيشون في خوف بسبب تحويل أراضيهم إلى منطقة عازلة بعمق 1150 متراً من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مما أدى إلى تدمير الأراضي الزراعية ومنعهم من الوصول إليها.
- الاحتلال الإسرائيلي نشر خريطة توضح التوغل في قطاع غزة وإنشاء منطقة عازلة إضافية بعمق 800 متر، مما يقيد حركة الفلسطينيين ويضعف الأمن الغذائي.
- الانتهاكات تتواصل ضد سكان المناطق الشرقية لقطاع غزة، بما في ذلك هجمات ورش المبيدات الحشرية على مزارعهم، مما يؤدي إلى تدمير مصادر رزقهم وتهجيرهم قسراً، وسط استجابة محدودة من المجتمع الدولي.

يخشى الغزيون، وخصوصاً المزارعين منهم الذين كانوا يملكون بيوتاً وأراضي زراعية في المنطقة التي جعلها الاحتلال الإسرائيلي منطقة عازلة خسارة أرضهم وبيوتهم إلى الأبد، حتى بعد انتهاء العدوان.

وسّع الاحتلال الإسرائيلي سيطرته على المنطقة العازلة الحدودية مع قطاع غزة، بعد ارتكابه جرائم إبادة فيها مستخدماً كافة أنواع الأسلحة الحربية. دمّر المزارع والمباني ومنع الوصول إليها بالكامل، حتى بعد الانسحاب من بعض المناطق في وقت سابق.   
وفي السادس من شهر مارس/ آذار الجاري، نشر الاحتلال الإسرائيلي خريطة حدّد فيها باللون الأزرق المناطق التي استطاع التوغل فيها وفرض السيطرة عليها في قطاع غزة، منها المنطقة الشمالية التي تمكن من التوغل فيها بالكامل، بالإضافة إلى بعض مناطق وسط القطاع ومدينة خانيونس. كما حدد في الخريطة خطوطاً اعتبرها تحت تصرفه وهي وسط الشارع 749 الذي أنشأه ليفصل قطاع غزة إلى قسمين، بالإضافة إلى المنطقة العازلة على طول الحدود مع قطاع غزة.
في منتصف مارس/ آذار الجاري، أعلن الاحتلال عن العمل على إنشاء منطقة عازلة بعمق 800 متر، بالإضافة إلى المنطقة العازلة السابقة على طول الحدود مع غزة. وذكرت وسائل الإعلام العبرية، نقلاً عن الجيش الإسرائيلي، أنه سيتم حظر دخول الغزيين إلى المنطقة، والمزارعين منهم كذلك. يشار إلى أن المنطقة العازلة قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي كانت تصل إلى عمق 350 متراً على طول السياج الفاصل البالغ طوله نحو 58 كيلومتراً، وكان بإمكان الفلسطينيين الزراعة فيها. وبالتالي يكون الاحتلال مدد المنطقة العازلة إلى عمق 1150 متراً من نقطة السلك الحدودي الفاصل حتى داخل القطاع.
ويتعرّض سكان المنطقة التي أعلن جيش الاحتلال أنها عازلة، لانتهاكات متواصلة. ولم تتوقف الهجمات بحقهم رغم تحذيرات المؤسسات الحقوقية على مدى سنوات. وكان الاحتلال الإسرائيلي يعمد إلى رش المبيدات الحشرية عبر طائرات مسيرة على مزارعهم، كما يقول إسماعيل أبو حجر (63 عاماً)، الذي يملك مزرعة ومنزلا في قرية جحر الديك شرق مدينة غزة. نزح أبو حجر إلى مدينة رفح بعد اقتحام الاحتلال قريته، وتهجير السكان قسراً، وتدمير منزله ومزرعته. وكان من بين مئات المزارعين الذين يتخذون المنطقة الشرقية كمصدر رزق ومسكن في آن منذ عشرات السنين، وقد أعرب عن صدمته لدى رؤيته الخريطة. ويوضح أن المنطقة التي أعلن عنها الاحتلال تشكل مساحة كبيرة من قطاع غزة، لافتاً إلى أنها من أهم المناطق الخصبة التي تغذي قطاع غزة بالخضار والفاكهة والنباتات الموسمية.

ويقول أبو حجر لـ "العربي الجديد": "كنّا نتعرض لانتهاكات متواصلة من الاحتلال الإسرائيلي من خلال إطلاق نار مباشر عبر القناصة أو غير ذلك من أجل الابتعاد عن المنطقة. وكنا قد تعايشنا مع هذا الواقع، واعتدنا القول إن لقمة عيشنا مغمسة بالدماء منذ وجدنا على هذه الأرض. كانت المنظمات الدولية والحقوقية تأتي إلينا وتجري مقابلات معنا ونريهم الفيديوهات التي توثق الانتهاكات المباشرة بحقنا، من دون أية استجابة أو تحرك من أحد. لذلك، كنا نتابع حياتنا بشكل عادي". 
يضيف: "في الوقت الحالي، لا منزل ولا مزرعة. خسرنا كل شيء في حياتنا. منذ خسرت منزلي ومزرعتي، أشعر باختناق وقلبي يخفق بسرعة كلّما أتذكر ما حصل. المنطقة التي سيطر عليها الاحتلال كانت تؤمن الغذاء للغزيين، علماً أنه لم يكن يسمح لنا بزراعة أشجار كبيرة أو مرتفعة. كان الاحتلال يطلق طائراته المسيرة ويحرق كل شيء". 
ويشعر الناس بالخوف حيال مستقبل المنطقة، في ظل عدم الثقة بانسحاب الاحتلال منها حتى بعد انتهاء العدوان. ويقول سائد أبو بدوي (54 عاماً)، وهو مزارع يملك أرضاً ومنزلاً على حدود مخيم البريج وسط قطاع غزة، إنه يخشى أن تكون هذه المنطقة خاضعة للمساومات، وبذلك يكون قد خسر وهو وأقاربه وبعض أصدقائه المقيمين في تلك المنطقة منازلهم ومصادر رزقهم.

يشعر الناس بالخوف حيال مستقبل المنطقة العازلة (محمود حمص/ فرانس برس)
يشعر الناس بالخوف حيال مستقبل المنطقة العازلة (محمود حمص/ فرانس برس)

كان أبو بدوي يملك مزرعة دواجن ومعملاً لتفريخ البيض وأرضاً بدأ يزرع فيها الخضار الموسمية قبل تسع سنوات، بالإضافة إلى منزل للعائلة مؤلف من أربعة طوابق. لكن الاحتلال دمر كل ما أسسه. يقول إن قوات الاحتلال كانت ترتكب في تلك المنطقة انتهاكات متواصلة على مدار الأعوام، على الرغم من سماحها للمزارعين فقط بالوصول إليها، وقد تضرر كثيراً خلال السنوات الثلاث الأخيرة. كان يحصل بصعوبة على تعويضات من صندوق حكومي مخصص للمزارعين لدعمهم. لكن التراجع أو الانسحاب لم يكن ممكناً لأن هذا المكان هو مصدر رزقه الوحيد.
ولدى انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من أجزاء من مخيم البريج بداية الشهر الجاري، يقول أبو بدوي إنه ذهب إلى آخر نقطة فيها ناس في المخيم شرقاً، ورأى مركبات الاحتلال الإسرائيلي على طول المنطقة العازلة التي أعلن عنها، وقد دمر الأراضي الزراعية وهدم مئات المنازل والمدارس من أجل إحكام السيطرة على المنطقة. ويتابع لـ "العربي الجديد": "نزحت إلى منزل أقاربي في مخيم دير البلح، وتركت قلبي في شرق المخيم، حيث منزلي ورزقي. كما أنني كنت أحبّ الهواء في المنطقة. كان الاحتلال الإسرائيلي يتعمد مراراً استهداف المنطقة في اعتداءاته المتكررة". يضيف أن "المزارع الفلسطيني يتمسك بأرضه حتى لو كان ثمن ذلك دمه. دفعت أثماناً كبيرة وتعرضت لتهديدات من الجيش بالإخلاء، وأصبحت جداً لثلاثة أحفاد. كانت ابنتاي قد نزحتا إلى منزلي. أما الابنان الأكبر فمتزوجان. فكرت كثيراً في مستقبلهما وهما في بداية حياتهما الزوجية. أخاف أن يضيع حقي في الأرض وتضيع هويتي فيها".
تتقدّم المركبات العسكرية الإسرائيلي في بعض المناطق داخل قطاع غزة وما بعد المنطقة العازلة باتجاه الغرب، وتتواجد بكثافة في مناطق شرق مدينة غزة وشرق شمال قطاع غزة والمنطقة الشرقية لمدينة خانيونس جنوبي القطاع، كما يشير عدد من النازحين الذين حاولوا العودة إلى منازلهم لإحضار حاجياتهم ومنعوا من الاحتلال، الذي لم يتردد قناصته في إطلاق النار نحوهم بهدف منعهم.
ويشير أهالي المناطق الشرقية إلى أن المنطقة العازلة كانت أمراً واقعاً بالنسبة للغزيين في الأيام الأولى للعدوان، وقد باشر بهدم المنازل والمزارع الشرقية وخصوصاً في مناطق مثل جحر الديك وبلدة بيت حانون وبلدة بيت لاهيا ومناطق العطاطرة والسلاطين شمال القطاع.

وخلال مسيرات العودة الكبرى التي انطلقت في مارس/ آذار عام 2018، اغتال القناصة الإسرائيليون 214 غزياً بالقرب من الخط الفاصل مع قطاع غزة، وشدد الاحتلال الرقابة على المنطقة العازلة في شرق القطاع والتي وصلت إلى عمق 350 متراً حتى عام 2021، علماً أن الحركة اقتصرت على المزارعين الذين كانوا يتعرضون لانتهاكات متواصلة.
في شرق بلدة خزاعة، يتواجد منزل محمد النجار (43 عاماً) على بعد مئات الأمتار من الحدود الشرقية للبلدة الواقعة شرق مدينة خانيونس، وسط محاولات النجار ونجله العودة. لكنه صدم مراراً جراء إطلاق طائرات الكواد كابتر المسيّرة، الرصاص باتجاههم لمنعهم من التقدم، ولم يعثر على منزله. ثم أشار له نجله عبد الله (17 عاماً) إلى حائط بيتهم المدمر، وقد كتب عليه "أفراح آل النجار" وعلم أن الاحتلال دمّر عدداً من المنازل في المنطقة العازلة. 
يوضح النجار أن المنطقة التي احتلها الاحتلال يعمل أهلها في الزراعة، ولديهم مساكن وبعض مزارع المواشي والدواجن، وقد لاحقهم الاحتلال الإسرائيلي مرات عدة، فنزحوا إلى أقصى الحدود الفلسطينية المصرية في مدينة رفح في الجنوب. ويقول النجار: "خسر شقيقي مزرعته والمواشي. كما أحرق الاحتلال أرض والدي التي يعمل فيها أشقائي، ودنسها بآلياته العسكرية. وهذا ما شاهدناه في الشهر الثاني من العدوان. لكن بقينا في المنازل حتى أُخرِجنا منها. نشعر بخوف كبير من أن نكون بلا منزل وأرض بعد انتهاء العدوان".

المساهمون