تستمر الجهود المبذولة للكشف عن مصير المفقودين في سيول العاصفة "دانيال" التي ضربت مدينة درنة في 10 سبتمبر/ أيلول الماضي، في حين يشتكي أهالي المفقودين من عدم تجاوب السلطات مع مطالبهم التي تدعو إلى تسريع هذه الجهود.
وأعلنت الهيئة العامة الحكومية للبحث والتعرف أخيراً أن فرقها في مدينة درنة أخذت 5621 عينة من جثامين ضحايا السيول، واستكملت بالتالي عملها في أخذ العينات، وإعادة دفن جثث الضحايا التي استخرجتها من مقبرتي الظهر الأحمر والفتايح. وأشارت إلى أن كل فرقها الميدانية تواصل عملها في درنة وباقي المناطق الشرقية".
ومطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، اجتمع رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، عبد الحميد الدبيبة، مع وزيرة العدل حليمة إبراهيم، وناقشا جهود إدارة الطب الشرعي في مدينة درنة، والصعوبات التي تواجه سير العمل في المدينة، بهدف معالجتها.
وأفاد مكتب الدبيبة الإعلامي بأن وزيرة العدل أكدت أن فرق الطب الشرعي تستمر في أداء عملها الخاص باستخراج الرفات لمجهولي الهوية من أجل التعرف إليها"، وأن الدبيبة أكد على ضرورة التعاون بين الطب الشرعي والهيئة العامة وجهاز المباحث الجنائية للتعرف إلى المفقودين، وتنسيق العمل مع مكتب النائب العام، كما ثمّن جهود الهلال الأحمر الليبي وجهاز طب الدعم والطوارئ، وفرق الإنقاذ المحلية والدولية، في دعم تنفيذ جهاز الطب الشرعي مهماته.
وجاء إعلان الهيئة الحكومية للبحث والتعرف عن أعداد الجثث التي أخذت عينات منها بعد انتهاء عمليات انتشال الجثث من وسط المدينة وعرض البحر، والانتقال إلى مرحلة استخراج الجثامين التي لم تعرف هوياتها من أجل مقارنتها بعينات أهالي المفقودين.
ووسط الانقسام السياسي والتخبط المؤسساتي في ليبيا، لم تعلن السلطات بعد أعداد مفقودي فيضان درنة، في حين لم تتجاوز الحصيلة الرسمية المعلنة للوفيات 5000 وفاة، وعزت الهيئة العامة للبحث والتعرف الحكومية بطء التعامل مع الملف إلى عدم إمدادها بالتمويل اللازم، لكنها أكدت استمرار أعمالها في درنة.
وتحدث رئيس الهيئة، كمال السيوي، عن نقص كبير في الموارد المالية للهيئة، قائلاً: "لا نملك أي موارد لتمويل تحاليل الحمض النووي، ويجب أن نسدد مستحقات متراكمة لصالح الفرق الميدانية التي تعمل في المنطقة الشرقية. وإذا استمر الأمر على هذا النحو قد تتوقف أعمال الهيئة نهائياً".
من جهته، يقول الناشط المدني أيوب القاضي: "جهود موظفي ومسؤولي الهيئة مشهودة وعلى درجة عالية من المهنية"، لكنه يتهم في ذات الوقت السلطات بـ"تسييس ملف كارثة درنة". ويضيف لـ"العربي الجديد": "يخضع موظفو وعمال الهيئات الحكومية لضغوط وإكراهات السياسيين والقادة الذين لا يريدون توضيح تفاصيل ملف كارثة درنة. ونسأل مثلاً هل الرقم الذي أعلنته الهيئة هو لجميع ضحايا السيول أو للمفقودين فقط؟ وواضح أن عدم توفير تفاصيل عن الحقائق يهدف إلى محاولة إثبات أن الرقم الذي أعلنته السلطات لإجمالي ضحايا السيول وهو 5000، صحيح، لكن الرقم الحقيقي يبقى رهن أهداف السياسيين وحساباتهم".
يتابع: "النقطة الفصل في قضية المفقودين هي مطابقة عينات الـ دي إن إي وإعلان نتائجها، وهو أمر لن يحصل في المستقبل المنظور لأن هيئة المفقودين ستواجه عراقيل في تأدية عملها مثل خفض ميزانياتها، وإرجاء صرف الأموال اللازمة لتنفيذ هذا العمل، وهكذا ستستمر الإشكاليات النفسية والاجتماعية وحتى القانونية التي تهدف إلى إبقاء ملف المفقودين مفتوحاً، خصوصاً أن أهالي المفقودين أصحبوا مشتتين في البلاد بعدما فقدوا منازلهم".
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، أكد القاضي ضرورة إمداد فرق هيئة البحث والتعرف، وكذلك طب الطوارئ بفرق أجنبية متخصصة من دول عاصرت تجارب مماثلة، كالنزاعات المسلحة، من أجل الإفادة من الخبرات الدولية لتسريع إنهاء ملف المفقودين. وأشار إلى التفاوت الملحوظ في الأرقام المتداولة حول المفقودين بين الإحصاءات الرسمية المحلية من جهة، والدولية من جهة أخرى. "ففي حين كشفت الأمم المتحدة في وقت سابق وجود نحو 11,300 بين قتيل ومفقود، لم تتجاوز الأرقام التي أعلنتها الحكومة المكلفة من مجلس النواب في بنغازي 5000".
تابع: "سلطات غربيّ البلاد بعيدة عن مكان الكارثة، فيما لا تريد منافستها في الشرق إصدار أرقام كبيرة بعدد الضحايا خشية أن يؤدي ذلك إلى فتح ملف فساد يشمل أيضاً مسؤوليات التأخر في صيانة السدود التي انهار اثنان منها في درنة، ما قد يخلق غضباً شعبياً كبيراً".