ملاعب مونديال قطر: إرث مستدام لتعزيز التعاون بين الشعوب

16 ديسمبر 2022
استاد لوسيل يستضيف المباراة النهائية (كريم جعفر/ فرانس برس)
+ الخط -

لم تكن فعاليات مونديال كأس العالم محصورة داخل أسوار الملاعب الثمانية، بل نظمت فعاليات فنية وتراثية وترفيهية على هامش المباريات، وتحولت العاصمة القطرية الدوحة، ومختلف مدن البلاد، إلى ميادين لاحتفال المشجعين الذين تجاوز عددهم 1.2 مليون شخص.
ولم ينحصر الحدث الكروي العالمي داخل الدولة المضيفة، بل امتد إلى خارجها "كفرصة لبناء الجسور بين شعوب العالم المختلفة" حسب قول الأمين العام للجنة لعليا للمشاريع والإرث المسؤولة عن مشاريع المونديال، حسن الذوادي.
وجهزت قطر ثمانية استادات (ملاعب) لمنافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم، بكلفة وصلت إلى 23 مليار ريال (6.31 مليارات دولار)، وهي استاد حمد بن خليفة الدولي، واستاد أحمد بن علي، واستاد البيت، واستاد الثمامة، واستاد المدينة التعليمية، واستاد الجنوب، واستاد لوسيل، واستاد "974". وأوضح الذوادي، أن "البطولة ستترك إرثاً مستداماً، وتعزز الكثير من الجوانب، بالإضافة إلى إسهاماتها الإيجابية في التغيير على كافة الصعد".
من جهته، يقول رئيس "برنامج لكل ربيع زهرة" والخبير البيئي سيف الحجري، لـ "العربي الجديد"، إن قطر تعهدت منذ فوزها باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 برفع مستوى الرياضة في العالم نظراً لأهميتها، وتنمية الرياضة في الدول الأقل حظاً، وستعمل على نقل ملعب "974" بالكامل إلى الدول النامية، وقد بدأت عملية تفكيكه بالفعل، وتقليل عدد المقاعد من الملاعب الأخرى، والتبرع بها للدول التي تحتاجها. "هذا جزء من قيم الرياضة، وإرث من قطر، بالإضافة إلى استخدام الملاعب والمنشآت الرياضية بعد البطولة في كثير من نواحي الحياة".

مشجعون من أنحاء العالم في قطر (أود أندرسن/فرانس برس)

بدوره، يرى المهندس الذي يهتم باللوحات الإرشادية نمير محمد ويس، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن تفكيك آلاف المقاعد من الملاعب في قطر يأتي ضمن خطة الدولة رفع الاستدامة في المواد المستخدمة أثناء التصميم أو التصنيع، مؤكداً أن هذه المبادرة فكرة رائدة لنشر الهدف الأسمى من رياضة كرة القدم التي كانت وما زالت نبراساً لتعزيز روح التعاون. 
ويتجسد الإرث المستدام، الذي ستتركه قطر كأس العالم في الاستادات التي ستكون مضماراً للمنافسات الكروية، والمناطق المحيطة بها، وسيفكك نحو 170 ألف مقعد من الاستادات لتوزع على عدد من الدول النامية، كإرث تاريخي لـ"مونديال قطر".

وحول الإرث الذي سيتركه استاد المدينة التعليمية بعد انتهاء منافسات كأس العالم، يوضح مدير الاستاد، علي الدوسري، أنه من المقرر تحويل الاستاد إلى وجهة مجتمعية لخدمة الطلاب وأطقم التدريس والإدارة بوسائل مختلفة، مثل تحويل أجزاء منه إلى أماكن لاستضافة الفعاليات وحفلات التخرج، أو إلى قاعات دراسية وغيرها، وستخفض الطاقة الاستيعابية من 40 ألف مقعد إلى 20 ألفاً، وسيتم التبرع بالجزء العلوي من المقاعد لدول تفتقر للبنية التحتية الرياضية، للمساهمة في تعزيز ثقافة كرة القدم، وممارسة الرياضة في جميع أنحاء العالم. 

شُيّد استاد أحمد بن علي في موقع استاد الريان على بعد 22 كيلومتراً من وسط مدينة الدوحة بالقرب من مجمع قطر التجاري، ويعكس التصميم البيئةَ الصحراوية للمنطقة، ويتميز تصميمه الداخلي بمقاعد المدرجات التي تتسع لـ 40 ألف مشجع، وتتزين باللونين الأحمر والأسود، في إشارة إلى ألوان نادي الريّان الرياضي الذي سيتخذ من الاستاد مقراً له عقب انتهاء المونديال.
وبحسب مديره عبد الله الفيحاني، تضم المنطقة المحيطة باستاد أحمد بن علي مرافق وتجهيزات رياضية جديدة، من بينها ممشى رياضي بطول 2.6 كيلومتر وستة ملاعب لكرة القدم، وملعب لرياضة الكريكت، ومضمار لركوب الخيل، ومضمار للدراجات الهوائية، وأجهزة لممارسة التمارين الرياضية، ومضمار لألعاب القوى ومرافق أخرى ستشكل إرثاً للاستاد، ومن المقرر التبرع بنصف مقاعد الاستاد، أي نحو 20 ألف مقعد، إلى دول تفتقر إلى منشآت رياضية.

ويقول مدير استاد الثمامة، خليفة المانع، إن المنطقة المحيطة بالاستاد تضم العديد من المرافق الرياضية، من بينها مسارات للجري والدراجات الهوائية، وسط مساحات خضراء، بالإضافة إلى عدد من ملاعب التدريب لخدمة الأندية القطرية بعد انتهاء المونديال. ويتميز بتصميمه الذي استوحاه المعماري القطري إبراهيم الجيدة من القحفية البيضاء، وهي غطاء الرأس التقليدي للرجال في الخليج والعالم العربي، وستُفكك 20 ألفاً من مقاعد الطبقة العلوية للاستاد بهدف التبرع بها لصالح مشاريع رياضية في دول نامية، ثم الاستفادة من الاستاد بطاقته الاستيعابية المخفّضة، لاستضافة منافسات كرة القدم وغيرها من الأحداث الرياضية الأخرى، بالإضافة إلى إنشاء متاجر لبيع التجزئة، وعيادة رياضية، وفندق صغير بالمنطقة العلوية من الاستاد. 
استضاف استاد خليفة الدولي قائمة طويلة من الفعاليات الرياضية التاريخية منذ إطلاقه عام 1976، و خضع لسلسلة من عمليات التجديد والتغيير استعداداً للمونديال، ويعتبر من أشهر الملاعب الرياضية في الخليج والمنطقة. وشهد أواخر 2014 عملية تحديث لتعديل مواصفاته كي تصبح متوافقة مع معايير ومتطلبات الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، وشمل التصميم الجديد تحديث شكل أرضية الاستاد وإضافة 12 ألف مقعد لتصل سعته الإجمالية إلى 40 ألف مقعد، وفي مايو/ أيار 2017 افتتح كأول ملاعب المونديال.  
ويحاط الاستاد بالعديد من المباني والمرافق، مثل فندق الشعلة، ومجمع حمد للرياضات المائية، وقبة "أسباير"، وهي أكبر قاعة مغلقة متعددة الرياضات في العالم، بالإضافة إلى حدائق ومتنزهات، وسيحافظ الاستاد على مقاعده.
أقيم "ستاد البيت" على شكل بيت الشعر، أي الخيمة التقليدية التي يقطنها أهل البادية، في مدينة الخور شمالي البلاد بنحو 60 كيلومتراً، بسعة جماهيرية هي 60 ألف مقعد، وستُخفض طاقته الاستيعابية إلى 30 ألف مقعد بعد انتهاء منافسات البطولة، بينما ستتحول المنطقة الخالية من المقاعد إلى صالة متعددة الأغراض لخدمة احتياجات السكان في منطقتي الخور والذخيرة.

خلال مباراة في استاد البيت (فيكتور فيفاس/Getty)

ويتجسد إرث الاستاد بعد المونديال مع حديقة البيت التي توفر مرافق رياضية وترفيهية، وتمتد المساحات الخضراء في المنطقة المحيطة بالاستاد على مليون متر مربع، كما تضم مسارات للجري، وركوب الدراجات، ومسارات للخيول والجمال، ويعتبر أول استاد في العالم يحتوي على مضمار للجمال، إلى جانب فندق من فئة الخمس نجوم يتألف من 96 غرفة.

يقع "استاد الجنوب" على بعد نحو 23 كيلومتراً جنوبي الدوحة، وقد استوحت المعمارية زها حديد تصميمه من التاريخ البحري العريق لمدينة الوكرة، الذي ارتبط بركوب البحر للصيد واستخراج اللؤلؤ، فاستلهمت التصميم على شكل صدفة خارجية بداخلها مركب تقليدي. ويسمح السقف القابل للطي والذي يبلغ طوله 92 متراً بتخفيف حدة أشعة الشمس وتظليل الاستاد بالكامل.

ويتسع استاد الجنوب لـ 40 ألف مشجع، ومن المقرر تفكيك 20 ألف مقعد من المدرجات العلوية، والتبرع بها لصالح مشاريع رياضية في أنحاء العالم، ثم الاستفادة من الاستاد بالمقاعد المتبقية لاستضافة منافسات كرة القدم وغيرها من الأحداث الرياضية، ليصبح الاستاد في مرحلة الإرث مركزاً رياضياً لخدمة سكان المناطق المحيطة به، وفقاً لمديره عبد العزيز آل إسحاق.


يجسد "استاد 974"، الرقم الذي يشكّل رمز الهاتف الدولي الخاص بقطر، مفاهيم الاستدامة والإرث. وقد بُني بالكامل من حاويات الشحن البحري ووحدات مستقلة من الصلب، ويعتبر أول استاد كرة قدم مغطى قابل للتفكيك بالكامل، ويتسع لـ 40 ألف مشجع. وفي مرحلة الإرث بعد انتهاء البطولة، سيعاد استخدام الحاويات والهيكل وإنشاء مرافق تطلّ على الواجهة المائية تعود بالنفع على أبناء المجتمع، بالإضافة إلى مركز حيوي للأعمال.
وبما أن الهيكل الحديدي مصنّع من صلب معاد تدويره وقابل لإعادة الاستخدام، من المقرر الاستفادة منه في أغراض أخرى مثل بناء استاد آخر بنفس السعة، سواء في قطر أو في دولة أخرى، أو إعادة استخدام مكوناته في تشييد منشآت رياضية أخرى أو غير رياضية، أو استخدام أجزائه في أغراض أخرى كالشحن البحري.
يستضيف "استاد لوسيل"، الواقع  إلى الشمال من وسط مدينة الدوحة بنحو 20 كيلومتراً، المباراة النهائية لبطولة كأس العالم لكرة القدم يوم 18 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، ويعتبر أكبر استادات مونديال قطر، بطاقة جماهيرية تصل إلى 80 ألف مقعد، ويحاكي تصميم الاستاد الفنار الذي استخدم قديماً لإرشاد السفن، من خلال انبعاث الضوء من منافذه. إذ تساعد الفتحات الموجودة في الواجهة الخارجية للاستاد على تداخل الضوء والظل، مما يساعد في إضاءة الملعب بعد ساعات المغرب، وكأنه فنار ضخم يرشد المشجعين من أنحاء العالم إلى موقعه، ويدعوهم لزيارته.
وحول الإرث الذي سيتركه، يوضح مدير عمليات استاد لوسيل، تميم العابد، أن هناك مجموعة من الأفكار للاستفادة من المساحات الداخلية بعد البطولة بما يعود بالنفع على المجتمع، ومنها تحويله إلى وجهة مجتمعية تشمل وحدات سكنية بإيجارات مخفضة، ومحال تجارية، ومدارس، ومقاهٍ، ومرافق رياضية، وعيادات طبية، مع الإبقاء عليه كصرح رياضي جاهز لخدمة أية مشاريع رياضية مستقبلية. ومن المقرر تحويل الطبقة العليا من مقاعد المشجعين بالاستاد إلى شرفات خارجية لوحدات سكنية جديدة، على أن يجرى التبرع بتلك المكونات لبلدان تفتقر إلى البنية التحتية الرياضية.
تجدر الإشارة إلى أن مباريات كأس العالم لكرة القدم ستختتم  منافساتها يوم 18 ديسمبر/ كانون الأول في ذكرى اليوم الوطني القطري.

المساهمون