ملابس الفلسطينيين في غزة... تحايل على الواقع وسط حرمان من الكساء

11 ابريل 2024
بحث عن كسوة العيد في جنوب قطاع غزة، في الخامس من إبريل 2024 (محمد عابد/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في قطاع غزة، يعاني الفلسطينيون من نقص حاد في الملابس والأحذية بسبب الحصار الإسرائيلي والقيود على الواردات، مما يجبرهم على الاعتماد على الملابس القديمة أو المساعدات الشحيحة.
- الأطفال والمواليد الجدد هم الأكثر تضررًا، حيث تضطر العائلات لإلباسهم ملابس مستعملة تم الحصول عليها من التبرعات أو الاستعارة، مما يزيد من معاناتهم النفسية والجسدية.
- الفلسطينيون يلجأون إلى حلول مبتكرة مثل البحث عن ملابس مستعملة أو الاعتماد على الخياطين المحليين، لكن هذه الحلول لا تكفي لتلبية احتياجاتهم المتزايدة، مما يبرز الحاجة لتدخل دولي أكبر لتوفير الاحتياجات الأساسية.

تكثر احتياجات الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر والمستهدف بآلة الحرب الإسرائيلية، والملابس من بينها. وقد برزت الحاجة إليها في خلال عيد الفطر، علماً أنّ الملابس الدافئة كانت غير متوفّرة في موسم الشتاء، الأمر الذي تسبّب في أمراض بين نازحين كثيرين.

في ظلّ تشديد الاحتلال الإسرائيلي حصاره على قطاع غزة منذ أكثر من ستّة أشهر، بالتزامن مع عدوانه المتواصل عليه، لم يُصَر إلى إدخال ملابس ولا أحذية إلى الفلسطينيين في القطاع إلا بكميات ضئيلة جداً، فقط من ضمن عدد من شحنات المساعدات التي لا تغطّي حاجة أهل غزة. فتلك المساعدات الشحيحة، التي تنجح في إدخالها وكالات الأمم المتحدة ومنظمات دولية إنسانية وإغاثية، تضمّ بأكثرها مواد غذائية وأخرى خاصة بالنظافة وكذلك أدوية ومستلزمات طبية بالإضافة إلى مستلزمات أخرى للعيش تُعَدّ أولويّة في مثل الأوضاع القائمة. كذلك الأمر بالنسبة إلى المساعدات التي يُصار إسقاطها في إنزالات جوية، والتي تأتي بمعظمها غذائية. بالتالي لا تتوفّر اليوم ملابس وأحذية في الأسواق سوى البضاعة القديمة التي سلمت من القصف الإسرائيلي، علماً أنّ كميّاتها محدودة.

لكنّ الفلسطينيين المحاصرين والمستهدفين بآلة الحرب الإسرائيلية في حاجة إلى ما يكسوهم، ولا سيّما أنّهم بمعظمهم تركوا بيوتهم على عجل وقد هُجّروا من مناطقهم، وبالتالي لم يتمكّنوا من حمل ما يحتاجون إليه من ملابس وأحذية. ولعلّ الأزمة الكبرى تتعلّق بالأطفال والمواليد الجدد، ويمكن للمراقب أن يلحظ منشورات تكثر في هذا الإطار على مواقع التواصل الاجتماعي، يطالب فيها الناس بالكساء، سواء في مقابل مبالغ بسيطة أو مجاناً من قبيل المساعدات أو من خلال المبادلة. يُذكر أنّ المأساة الإنسانية الكبرى التي يعيشها الفلسطينيون أجبرتهم على اللجوء إلى طرق مختلفة من أجل تأمين ما يحتاجون إليه، ليس فقط من ملابس وأحذية تستر أجساد الكبار كما الصغار إنّما من مختلف مستلزمات الحياة.

الصورة
ملابس مستعملة للبيع في رفح جنوبي قطاع غزة - 23 مارس 2024 (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
ملابس مستعملة للبيع إلى جانب سلع أخرى في جنوب قطاع غزة، في 23 مارس 2024 (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)

أطفال غزة من دون ملابس العيد

وقد شعر الفلسطينيون في قطاع غزة أكثر بمدى حاجتهم إلى ملابس، لأطفالهم خصوصاً، في عيد الفطر الذي حلّ أوّل من أمس الأربعاء. فالأطفال يرتدون ملابس جديدة في الأعياد عادة، لكنّ عيد صغار غزة هذا العام أتى مغايراً وقد نغّصت الحرب كما النزوح فرحته. لكنّ محالاً عدّة، واقعة في أسواق بمناطق انسحبت منها قوات الاحتلال، عرضت ملابس كانت محفوظة في مخازن نجت من القصف، غير أنّ الكميات كانت قليلة في مقابل طلب الناس. يُضاف إلى ذلك أنّ المبالغ اللازمة لشرائها لم تكن متوفّرةً لدى كثيرين، فكلّ السلع ارتفت أسعارها بطريقة جنونية وسط الحرب.

مرام الأزهر من بين الفلسطينيين الذين شعروا بحسرة لأنّهم لم يتمكّنوا من تأمين ملابس العيد لأطفالهم. تخبر "العربي الجديد" أنّها اضطّرت إلى إجبارهم على ارتداء ملابس مستعملة أحضرها زوجها. ولا تخفي الأزهر غصّتها وهي تشير إلى أنّها المرّة الأولى التي تحصل فيها عائلتها على ملابس من تبرّعات، منذ بداية العدوان الإسرائيلي. وتقول الأزهر إنّ "العيد حلّ قاسياً علينا. هذه المرّة الأولى التي نجبر فيها أطفالنا على ارتداء ملابس يرونها بشعة. وقد رحنا نحاول إقناعهم بأنّها أفضل بكثير من المتاح لأطفال آخرين، وبأنّ ثمّة أطفالاً من دون ملابس".

ولا تخفي الأزهر أنّها حاولت "مرّات عدّة توفير ملابس لأطفالي، من دون جدوى. وقد عمدت إلى استعارة بعض ملابس من شقيقتي النازحة التي تمكّنت من حمل كميّة أكبر في خلال تهجيرها. فأعمار أبنائها متقاربة من أبنائي الثلاثة". تضيف الوالدة: "أنا أعلم تماماً أنّ الملابس المستعملة مضرّة للأطفال وأنّها قد تساهم في نقل أمراض، لكنّني وجدت نفسي عاجزة أمام حاجتهم لتدفئة أجسادهم الباردة في الشتاء. صحيح أنّني عثرت في مرّات عدّة على ملابس في السوق لكنّ أسعارها كانت غالية جداً وأنا لا أملك المال اللازم، فزوجي خسر مصدر رزقه بالكامل في محلّه التجاري".

الملابس المستعملة حلّ لأهالي غزة

بسام طالب من مدينة بيت لاهيا الواقعة في شمال قطاع غزة الذي عزله الاحتلال كلياً عن بقيّة المناطق، وهو من الفلسطينيين الذين هجّرتهم الحرب الإسرائيلية. يخبر طالب "العربي الجديد" أنّه نجا مرّات عدّة من القصف في خلال نزوحه الذي تنقّل في خلاله بين محافظات القطاع، مع عائلته الصغيرة (زوجة وطفل رضيع). ويشير طالب إلى أنّ طفله يامن، الذي وُلد قبل أقلّ من شهرَين من بدء العدوان، بلغ في العشرين من مارس/ آذار الماضي شهره السادس. وقد حاول طالب تأمين ملابس تناسب صغيره الوحيد، في مدينة رفح الواقعة أقصى جنوبي القطاع، فلم يجد سوى عدد قليل فقط وبأسعار جدّ مرتفعة مقارنةً بالأسعار قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. لذا استدان طالب مبلغاً من أقاربه ليضيفه إلى ما في حوزته من أجل شراء الملابس التي وجدها لطفله، لكنّها اختفت. فالطلب كبير والعرض قليل. وهكذا راح الوالد يبحث عن ملابس مستعملة، لدى أقاربه ونازحين آخرين، تلائم عمر ابنه. لكنّه لم يتمكّن من الحصول إلا على عدد محدود جداً.

ويقول طالب: "طفلي واحد من أطفال كثيرين يعيشون في الخيام منذ أشهر، من دون ملابس مناسبة. وتفكيري كلّه ينصبّ على أيمن وعلى مصيره وصحته". يُذكر أنّ طفله كان قد أُصيب بالمرض مرّات عدّة في فصل الشتاء من جرّاء البرد، إذ لم يحصل جسده الصغير على الدفء اللازم بسبب عدم توفّر الملابس الدافئة. ويتساءل طالب: "إلى متى سوف يتحمّل صغيري الظروف التي نعيشها؟"، مضيفاً أنّ "في الأيام الماضية بحثت في السوق عن ملابس بالة، من دون جدوى. كذلك قصدت جمعيات عدّة لعلّني أجد عندها ما نحتاجه، لكنّ النتيجة كانت نفسها".

ويتابع طالب: "لم أتخيّل في يوم أن أعيش هذا الواقع مع طفلي الوحيد. أشعر أنّني وسط كابوس. نحن كنّا قد جهّزنا له كلّ ما يحتاجه من ملبس، منذ الشهر الرابع من حمل زوجتي، لكنّ ما حملناه معنا في خلال نزوحنا إمّا ضاع وإمّا لم يعد مناسباً لحجمه وإمّا اهترأ نتيجة غسله بصابون مخصّص لغسل الأيدي ومياه ملوّثة".

الصورة
خياط في رفح جنوبي قطاع غزة - 30 ديسمبر 2023 (أحمد حسب الله/ Getty)
خيّاط متفرّغ لإصلاح ملابس النازحين في رفح جنوبي قطاع غزة، في 30 ديسمبر 2023 (أحمد حسب الله/ Getty)

لجوء إلى الخياطين في غزة

ويميل عدد آخر من الفلسطينيين في قطاع غزة إلى التوجّه إلى الخيّاطين في كلّ مرّة تتضرّر فيها ملابسهم. ويتوزّع الخياطون اليوم في مناطق تركّز النازحين وفي الأسواق الشعبية. وهؤلاء يشغّلون ماكينات الخياطة على محرّكات يدوية وعجلات دراجات هوائية، لعدم توفّر الكهرباء. محمد نصر واحد من هؤلاء، وقد نصب بسطة في سوق مدينة رفح الواقعة في أقصى جنوب القطاع، فيما يساعده شقيقه من خلال تحريك عجلة دراجة هوائية. يقول نصر لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة رجالاً أحضروا لي جاكيتات (سترات) في أكثر من مرّة وبناطيل وقمصاناً من أجل إصلاحها. كذلك أصلحت عدداً كبيراً من ملابس الأطفال، أحياناً من خلال رقعها".

مراد خير الدين من هؤلاء الذين يلجأون إلى الخيّاطين. يخبر "العربي الجديد" أنّه عمد إلى إصلاح ملابس أبنائه الأربعة وكذلك أحذيتهم، بالتزامن مع محاولات مستمرّة لتوفير ملابس أخرى. ويشير إلى أنّه اشترى لهم "ملابس مستعملة من البالة قبل أربعة أشهر، عندما كنّا نازحين في مدينة خانيونس (جنوب) قبل أن ننتقل إلى مدينة رفح. لكنّ تلك الملابس استُهلكت" وصاروا بالتالي في حاجة إلى غيرها. وخير الدين هُجّر من مدينة غزة في شمالي القطاع، وقد خرج مع عائلته من المنزل مع حقيبة واحدة وضعوا فيها بعضاً من الملابس، ظنّاً منهم أنّهم سوف يعودون قريباً، كما هي حال الفلسطينيين في قطاع غزة عموماً. لكنّ منزله، الواقع في حيّ الكرامة بالمدينة، دُمّر وذهبت معه ملابس أفراد العائلة. وخير الدين مسؤول عن 12 فرداً، هم أبناؤه وزوجته وشقيقاته وأبناؤهنّ. ويقرّ: "طالبت مؤسسات عدّة أن تؤمّن لنا الملابس، لكنّ الاستجابة بطيئة للأسف والكميات محدودة جداً".

تجدر الإشارة إلى أنّ البضائع، التي كانت تدخل إلى قطاع غزة منذ ما قبل السابع من أكتوبر، لطالما واجهت قيوداً، ولا سيّما بسبب ارتفاع تكاليف شركات الشحن والضرائب المفروضة على الملابس. وبالتالي فإنّ المتوفّر اليوم في الأسواق ملابس قديمة من موسم الدخول المدرسي، وموسمَي عيد الفطر وعيد الأضحى في عام 2023 الماضي.

المساهمون