لا تتوقف الفلسطينية، منى وشاح، والدة الشاب المفقود، وائل وشاح، من مدينة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، الذي اختفت آثاره على متن السفينة التي كانت تقلّ عشرات الفلسطينيين والعرب والأفارقة، إلى المهجر في أوروبا، في 6 سبتمبر/أيلول 2014، عن التأكيد على أنّ نجلها حيُ يرزق.
وفي سبتمبر/ أيلول 2014، أعلنت السلطات المصرية عن غرق السفينة التي كانت تقلّ على متنها قرابة 450 لاجئاً، ووفاة جميع من كانوا على متنها. وكان من بين الموجودين على متنها فلسطينيون ومصريون وسودانيون وأفارقة.
ويقدّر عدد الأشخاص الذين كانوا يقيمون في قطاع غزة واستقلوا السفينة المفقودة، بقرابة 75 شخصاً، غادروا القطاع عبر معبر رفح البري بطريقة شرعية، من أجل السفر عبر البحر ومحاولة الوصول إلى أوروبا، لخلق مستقبل أفضل لهم ولعائلاتهم.
وفي الوقت الذي تصرّ فيه السلطات المصرية على أنّ جميع ركّاب السفينة لقوا حتفهم، وأنّها غرقت ولم يُعثر على أيّ من أفرادها، حصلت عائلاتهم على الكثير من الشواهد التي تثبت أنّ أبناءهم أحياء، وأنّهم محتجزون لدى السلطات المصرية، وأبرز هذه الشواهد صور سُرّبت لهم بعد توقيفهم بيوم، في مركز شباب الأنفوشي.
وتقول وشاح لـ "العربي الجديد"، إنّ لديها عدداً من الشواهد والدلائل التي تثبت أنّ نجلها وغيره من المفقودين على متن تلك السفينة، ما زالوا أحياء، وأنّهم محتجزون في سجون السلطات المصرية منذ ست سنوات.
ومن بين الدلائل التي حصلت عليها وشاح، التي تحمل الجنسية المصرية، معلومات من مسؤول مصري يشغل منصباً كبيراً، أكّد وجود نجلها في سجن العزولي بالإسماعيلية، وهو سجن يتبع للجيش المصري الثاني في تلك المنطقة.
وتضيف أنّ المسؤول الذي نقل هذه البيانات أكّد أنه حيّ يرزق، وأنه محتجز من دون توجيه أي تهمة له، فيما تمّ تسجيله برقم بدلاً من اسمه الحقيقي، من أجل منع أي محاولة للوصول إليه، فضلاً عن شهادات لعدد من المسجونين الذين خرجوا من السجون المصرية، تعرّفوا على أوصافه ونقلوا ذلك لعائلته.
وتعرّضت أم وائل وشاح، للتهديد خلال فترة وجودها في مصر، قبل قرابة عامين. إذ نقلوا إلى زوجها قبل وفاته، بأنّه عليها التوقّف عن متابعة الملف، والتوجّه من مكان لآخر بحثا عنه، حتى لا تضرّ بنجلها، وهو ما دفعها للعودة إلى القطاع آنذاك بشكلٍ فوري.
وتشير كذلك إلى أنّ رقم الهاتف المحمول المصري الخاص بنجلها، ظلّ يعمل بشكلٍ طبيعي وكان يرد عليها شخص برتبة أمين شرطة، فيما كان ينكر أنه رقم نجلها وائل، ويصرّ على أنه رقمه الشخصي.
ووفقاً لوشاح فإنّ الرقم وصفحة نجلها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، ظلّا يعملان بشكل طبيعي، حتى جمعهم لقاء بمسؤول ملف فلسطين في الاستخبارات المصرية، اللواء أحمد عبد الخالق، في غزة، وبمجرد عودته إلى القاهرة توقف الرقم عن العمل ولم يعد الهاتف أو حساب فيسبوك يعملان.
وتتكرّر المعاناة نفسها أيضاً مع الفلسطينية، رحاب المقوسي، التي لا تتوقف عن متابعة أيّ تطورات أو تفاصيل متعلّقة بقضية المفقودين على متن السفينة التي مرّ على اختفاء من كانوا عليها ست سنوات، إذ هي تتمنى رؤية نجلها ولو للحظة واحدة.
وتقول المقوسي لـ "العربي الجديد" إنّ نجلها غادر القطاع وزوجته حامل، والآن أصبح ابنه يبلغ من العمر 6 سنوات، ولم ير والده إلاّ من خلال الصور التي التُقطت له قبل غرق السفينة بأيام معدودة فقط.
وتطعن السيدة الفلسطينية في رواية وفاة نجلها في ظلّ الكثير من الدلائل التي وصلت أهالي المفقودين خلال السنوات الأخيرة، وتعرّف الكثير من المسجونين لدى السلطات المصرية، على أشخاص كانوا على متن تلك السفينة.
وعلى النهج ذاته، سارت عائلة الشاب المفقود، محمد الرنتيسي، التي تشكك هي الأخرى بالرواية المصرية بشأن وفاة نجلها، بعد أن سُرّبت صورة له خلال فترة احتجازه، هو وعدد من ركّاب السفينة، خلال وجودهم في مركز شباب الأنفوشي.
وتقول شقيقته، شيماء الرنتيسي، لـ "العربي الجديد" إنّ الصورة التي تمّ تسريبها لشقيقها محمد، كانت بعد الإعلان عن غرق السفينة والحديث عن وفاة من كانوا عليها، وهو ما يؤكّد صحة المعلومات التي تتحدث عن وجودهم أحياء.
وتطالب الرنتيسي، الرئيس محمود عباس، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بالعمل الفوري والجاد لإقفال هذا الملف، وإعادة جميع المفقودين إلى عائلاتهم في ظلّ امتلاك الكثير من العائلات معلومات عن وجود أبنائهم أحياء.
بدوره، يؤكد رئيس لجنة المفقودين، سمير عصفور، لـ "العربي الجديد" ضرورة تدخل الرئيس عباس، والفصائل الفلسطينية، للضغط على مصر والسلطات هناك، من أجل إغلاق هذا الملف بأسرع وقت، ووقف معاناة الأهالي.
ويستحضر عصفور، لقاء جمعه عام 2018، باللواء في الاستخبارات المصرية، أحمد عبد الخالق، بحضور عضو المكتب السياسي لحركة حماس، روحي مشتهى، مع أحد المحتجزين سابقاً في السجون المصرية، والذي تعرّف على عدد من المفقودين ممّن كانوا على متن السفينة.
وشكّك رئيس لجنة المفقودين بالرواية المصرية بشأن غرق السفينة، خصوصاً في ظلّ عدم وجود أيّ جثة لأيّ منهم، وكثرة الدلائل التي تشير إلى وجود عدد كبير منهم في السجون المصرية، منذ لحظة الإعلان عن غرق السفينة وفقدان من كانوا عليها.
ورغم تأكيدات الأهالي، إلاّ أنّ الفصائل الفلسطينية تبدو الغائب الأبرز عن هذا المشهد، خاصة في ظلّ الصعوبات التي تواجهها في تواصلها مع الجانب المصري، وعدم قدرتها على الضغط على السلطات في القاهرة لتحريك هذا الملف. ويبقى الأهالي متمسّكون بحبل الأمل، بأنّ يتم الإفراج عن أبنائهم قريباً.