معلمات فلسطينيات يُحوِّلن غُرف النزوح لفصول تعليمية

05 يناير 2024
محاولة لتعليم الأطفال (مصطفى حسونة/ الأناضول)
+ الخط -

أطلقت معلمات فلسطينيات في مراكز النزوح مبادرات لتعليم الأطفال، وتحدين كل الظروف الصعبة رفضاً لتجهيل الأطفال

يتجمع أطفال بشكل عفوي داخل بعض مراكز النزوح للاستفادة من المُبادرات التعليمية الفردية التي ابتكرتها بعض المُعلِمات النازِحات، من دون طابور أو تمارين الصباح المعتادة أو حقيبة على الظهر أو الزي المدرسي. وحوّلت بعض المدرسات والمتطوعات الفلسطينيات غرف النزوح التي تضم عائلات فقدت بيوتها بفعل العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة مُنذ قرابة ثلاثة شهور، إلى فصول تعليمية وتربوية يتعلم فيها الأطفال سواء من خلال دروس مباشرة أو قصص تربوية مفيدة.
ويدفع الأهالي بأطفالهم إلى مراكز اللجوء للاستفادة من تلك الدروس والقصص التربوية، والتي توصل المعلومات بشكل يتناسب مع عقول وقدرات الأطفال، بهدف استغلال الوقت الذي أهدره العدوان الإسرائيلي مُنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو التاريخ الذي تزامن مع انتهاء الشهر الأول من العام الدراسي 2023/2024.
تقول أُميمة السيلاوي، وهي والدة الطفلة رهف، إنها شجعت طفلتها على الإندماج في الدروس التوعوية والتربوية التي تنظم بشكل تطوعي من بعض المعلمات في مدرسة النزوح بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، بهدف إبعادها عن التفكير في الحرب، وأصوات القصف المتزايدة، بالإضافة إلى الاستفادة التعليمية، في ظل ابتعاد الأطفال منذ فترات طويلة عن مقاعدهم الدراسية.
وتوضح السيلاوي لـ "العربي الجديد" أهمية المبادرات التوعوية والتعليمية والتثقيفية والتربوية، في ظل طول أمد الحرب الإسرائيلية على المدنيين في قطاع غزة، وتوقف كافة أشكال الحياة، بما فيها إفساد البيئة التعليمية الخاصة بمئات آلاف الطلاب.
وعلى الرغم من عدم قدرة الأطفال الذكور والإناث على الالتزام بالزي المدرسي، إلا أنهم يحرصون على الانضباط أمام المعلمات اللواتي خصصن جزءاً من وقتهن لتعليم الأطفال بعض الدروس والمبادئ الحياتية والمجتمعية، سعياً إلى استغلال وقت النهار بما هو مفيد.

تقول المعلمة الفلسطينية أسماء مصطفى، إنها ومنذ نزوحها إلى مدرسة الفُخاري في مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، بعد شهر من الحرب، تحاول إظهار قوتها كمدرسة وأم فلسطينية أمام أطفالها وطلابها حرصاً على نفسيتهم. وتوضح لـ "العربي الجديد" أنها استغلت مقر إقامتها داخل المكتبة المدرسية في مركز اللجوء، والتي تضم مئات الكتب والقصص القصيرة للأطفال، لقراءتها وقَصِها على الأطفال المقيمين في الغرفة ذاتها قبل النوم، ثم بات الأطفال يتجمعون عصراً للاستماع إلى القصص، فقررت استغلال الموقف لنقل التجربة إلى خارج الغرفة.
وتبين مصطفى تطور المبادرة تدريجياً بناء على رغبتها المنسجمة مع رغبة الأهالي في باقي فصول اللجوء، وضرورة تنظيم لقاء مع باقي أطفال المركز، وتقول "بِت أربط نهاية القصص بأسئلة خاصة بما استفاده الأطفال منها، إلى جانب إلقاء بعض الدروس التعليمية والتربوية للخروج بأكبر قدر ممكن من الاستفادة في كل لقاء، مع تحفيز الأطفال المشاركين بالهدايا والحلوى".

تحمل ما تبقى من كتب (محمود الهمص)
الصورة تحمل ما تبقى من كتب (محمود الهمص)

وتقول مصطفى: "تسعى آلة الحرب الإسرائيلية إلى تجهيل الأطفال في قطاع غزة، والذين هم بالأساس الفئة الأكثر استهدافاً. إلا أن أياً من المعوقات لا يمكنها إيقاف المعلم أو المربي عن عمله، فالطفل أمانة في أعناقنا وكل من يستطيع فعل شيء عليه المبادرة دون أن يطلب منه".
أما عن الضغوط المرافقة لعملها، فتوضح مصطفى أنها تعمل رغم المخاطرة الكبيرة في ظل التهديدات التي تتعرض لها بضرورة الإخلاء الفوري وإفراغ المكان من النازحين خلال وقت محدد، إلى جانب ضعف الإمكانات ونقص الأماكن والمقاعد. ويضطر الأطفال إلى الجلوس على الأرض وفي الممرات لاكتظاظ الغرف بالنازحين.
وتشير إلى حق الأطفال في العيش بسلام بعيداً عن الخوف والدمار. وتقول: "لا ذنب للطفل في ما يحدث من حوله. نريد أطفالاً أسوياء نفسياً ومفعمين بالأمل والحيوية، وليس بالخوف والرعب. علينا جميعاً المحافظة على عقل الطفل ناقداً ومُفكراً وواعياً ومُستجيباً لما يحدث حوله، وتعليمه بعض المفاهيم والمبادئ والقيم والآداب الحياتية".
وانقطع الأطفال الفلسطينيون في قطاع غزة منذ نحو تسعين يوماً عن كافة أشكال التعليم الوجاهي أو الإلكتروني بفعل انقطاع الانترنت والكهرباء وكافة وسائل التواصل، فيما يعيشون داخل مراكز اللجوء حياة لا يُعرف أمدها في ظل حالة التعقيد التي تُرافق العدوان الإسرائيلي، ما دفع بعض المتطوعات إلى استغلال الوقت، في مسعى للتعايش مع الظروف الصعبة، وإبقاء الأطفال على اتصال مع التعليم.

وتنشغل المعلمة شيماء العوضي في جمع الأطفال في دائرة كبيرة وإعطائهم الدروس المتناسبة مع فئتهم العمرية. ومع نهاية كل درس، تقسم المجموعة الكبيرة إلى ثلاث مجموعات صغيرة لبدء الأسئلة التنشيطية، وإشعال روح المنافسة في ما بين الأطفال، وحثهم على التركيز في الدروس التي تحمل القيم التربوية والتعليمية بشكل غير مباشِر.
وتلفت العوضي، في حديثها لـ "العربي الجديد"، إلى أنها اندفعت نحو التفكير في مبادرتها الشخصية داخل مركز النزوح الذي تقيم فيه مع عائلتها، والذي يضم عدداً من الأطفال، بعد مشاهدتها إحدى المبادرات الترفيهية الشبابية التي استهدفت الأطفال النازحين، ومدى تأثيرها الإيجابي عليهم. وتقول: "عمدت إلى استغلال أوقات الفراغ المتاحة عبر تنظيم جلسات تعليمية عفوية مع الأطفال"، لافتة إلى أنها تحاول تقسيم الأطفال بحسب فئاتهم العمرية قدر المستطاع، إذ تختلف الدروس التي يتم تقديمها لكل فئة، في محاولة لتحقيق الاستفادة.
وترى العوضي أن تفاعل الأطفال معها "إيجابي ورائع"، خصوصاً في ظل حالة التهميش التي يتعرضون لها في ظل الأوضاع المأساوية التي تسبب فيها العدوان الإسرائيلي.

المساهمون