تتعاظم أزمة شح المياه في الأردن منذ أعوام، إذ تصنف البلاد ضمن الدول العشرة الأفقر عالمياً في مصادر المياه، بينما يرفض الأردنيون اتفاق "الماء مقابل الكهرباء" الذي وُقع مع الاحتلال الإسرائيلي بدعم إماراتي ورعاية أميركية، والذي ينص على توليد الأردن الكهرباء من الطاقة الشمسية لصالح الاحتلال، بينما تتولى تل أبيب تحلية المياه في المقابل.
وفق إحصاءات وزارة المياه الأردنية، تراجعت حصة الفرد المائية إلى ما دون 100 متر مكعب في السنة، وهي من بين النسب الأكثر انخفاضاً على مستوى العالم، إذ يبلغ خط الفقر المائي العالمي ألف متر مكعب من المياه للفرد في السنة. ووفق بيانات إدارة الأرصاد الجوية، فإن الموسم المطري الحالي "دون المُعدل العام للأمطار في أغلب المناطق"، وقد بلغ الأداء المطري في إربد (شمال) 86 في المائة، وفي عجلون وجرش بين 64 إلى 73 في المائة، وارتفع في البلقاء وعمان والمناطق الوسطى إلى ما بين 87 و98 في المائة، لكنه انخفض بشكل كبير في المناطق الجنوبية والغربية، مُسجلاً ما بين 50 إلى 69 في المائة.
وقالت وزارة المياه والري إن "حجم التخزين الكلي في السدود بلغ 113 مليون متر مكعب، بنسبة 40 في المائة من طاقتها التخزينية". ويُعرف الأداء المطري بأنه النسبة المئوية لكمية الأمطار التراكمية التي تهطل مُقارنة مع كمية الأمطار التراكمية المُفترض هطولها، ويجري حسابه بناءً على ما سُجّل على أرض الواقع خلال ثلاثين سنة ماضية.
يقول أستاذ علوم المياه الجوفية في الجامعة الأردنية، إلياس سلامة، لـ"العربي الجديد": "نسب الأمطار مختلفة، والوضع مريح نسبياً مقارنة مع العامين الماضيين، وهي نسب جيدة في الجنوب، لكننا بحاجة إلى مزيد من الأمطار من أجل الزراعة، أما في الشمال، فالكميات أقل من المأمول، ونتمنى أن يهطل مزيد من الأمطار خلال الفترة المقبلة. أمطار العام الحالي أقل من المعدلات، لكن الكثير منها هطلت خلال الشهور الباردة، مما جعل الاستفادة منها جيدة".
ويوضح سلامة: "كل المياه في الأردن مصدرها الأمطار، وعندما يهطل المطر تخزن المياه في السدود، ويستقر جزء منها تحت سطح الأرض ضمن المياه الجوفية. العمل جيد في الأردن على صعيد تجميع مياه الأمطار، ومحاولة استغلالها، لكن التغيّر المناخي أصبح مؤثراً، ما ينعكس على كميات المياه التي يجري تجميعها في السدود، أو التي تغذي المياه الجوفية. يستخدم الأردن 950 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، لكنه يحتاج إلى كميات أكبر بكثير، لذا يجب أن يتوجه إلى مصادر أخرى للمياه، والحل الوحيد المتوفر حالياً هو تحلية مياه البحر".
بدوره، يقول رئيس الجمعية الأردنية للمحافظة على المياه، أحمد الروسان، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المعدّل المطري للعام الحالي دون المتوسط، وبعض المناطق لم يصل المعدل فيها إلى 50 في المائة، والمياه التي وصلت إلى السدود أقل من المتوقع. الهطول المطري السنوي يقدر بـ8 مليارات متر مكعب، وفي هذا العام لن يتجاوز 5 مليارات متر مكعب، والتوزيع الجغرافياً سيء، ففي الشمال كان المطر قليلاً، وأفضل قليلاً في الجنوب، وبعد ذلك حصل انحباس مطري".
ويوضح الروسان: "نمر بأزمة مياه شديدة، وهي تتضح بشكل أكبر في الصيف، والتحدي المائي يشكل العبء الأكبر على المواطن، والحكومة تسعى إلى البحث عن مصادر جديدة. لكن التصريحات الحكومية، ومن بينها تصريحات وزير المياه، محمد النجار، أغلبها سياسية، وهناك تباين في الأرقام التي تصدر عن الجهات والمسؤولين، فيما الناقل الوطني لن يكون منتجاً قبل 4 أو 5 سنوات".
يتابع: "مياه الأمطار تغطي نحو 60 في المائة من الاحتياجات، ورغم هطول كميات جيدة من الأمطار في بعض المناطق فإنها كانت سريعة، مما ينعكس سلباً على كميات المياه المُتجمعة في السدود والآبار الجوفية. لدينا مشكلة في إدارة مصادر المياه، خصوصاً في سياق سرقة المياه، وإجراءات الحكومة أغلبها إعلامية، فوزارة المياه تتحدث عن 470 بئراً مخالفة، والأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير. فضلاً عن حفر الآبار من دون ترخيص، والتعدي على ينابيع المياه من أصحاب الصهاريج، ومشكلة الفاقد التي تصل إلى 45 في المائة بسبب اهتراء الشبكات، إضافة إلى استهلاك بعض الزراعات كميات كبيرة من المياه، رغم كونها غير مجدية اقتصادياً".
ويضيف الروسان: "نعمل في الجمعية على 3 محاور، أهمها توعية شرائح المجتمع كافة، بما يشمل تأسيس الأندية البيئية في المدارس، ومنح المدارس التي تنخفض فواتيرها للمياه جوائز، والمحور الثاني هو صيانة مرافق المياه، والعمل على الحصاد المائي في المدارس والمساجد من خلال حفر وتشييد خزانات، والثالث يتمثل في مشروع إعادة تدوير المياه الرمادية، بالتعاون مع عدد من المؤسسات المانحة".
من جانبه، يقول المتحدث باسم وزارة المياه والري، عمر سلامة، لـ"العربي الجديد": "الموسم المطري لم ينته بعد، ونتوقع أن يتزايد هطول المطر خلال الفترة المقبلة. بلغ الهطول المطري 75 في المائة من المعدل السنوي، وهذا أفضل من معدلات العامين الماضيين، كما أن ما خزنته السدود أكبر. الموسم يبعث على الطمأنينة، لكن لا نستطيع القول إنه موسم جيد، والوزارة تضع خططاً للتعامل مع الواقع المائي، خاصة خلال فصل الصيف المقبل، والعمل جار على إيجاد مصادر جديدة. بعض السدود التي كانت فارغة خلال العام الماضي، خزنت هذا العام كميات جيدة من المياه، خاصة سدي (الوالة)".
وتابع: "هناك خطة لخفض الفاقد من المياه بمعدل 2 في المائة سنوياً، ضمن مشروع بقيمة 350 مليون دولار أميركي لتحديث وتطوير الشبكات، وفي العام الماضي جرى تخفيض الفاقد بمقدار 10 ملايين متر مكعب، وبحلول عام 2040، سنكون وصلنا إلى خفض 25 في المائة من الفاقد، مقارنة مع نسبة 45 في المائة حالياً".