مصر: مصحات إدمان غير مرخصة

14 ديسمبر 2020
الجيزة من أبرز المحافظات على مستوى انتشار الإدمان (ديفيد ديغنر/ Getty)
+ الخط -

فوضى كبيرة يشهدها قطاع علاج الإدمان في مصر، خصوصاً مع تزايد أعداد مدمني المخدرات، وغياب الرقابة، ما يؤدي إلى استغلال مصحات غير مرخصة المرضى وتعريضهم لخطر قد يصل إلى حدّ الوفاة، بهدف تحقيق الأرباح

فتحت واقعة وفاة شابة مصرية خنقاً داخل مصحة غير مرخصة لعلاج الإدمان بقرية شبرا منت التابعة لمركز أبو النمرس بمحافظة الجيزة، مجدداً أزمة تلك المصحات التي يطلق عليها البعض "مراكز بير السلّم". فالهمّ الأساس لدى هذه المصحات الحصول على المال، ما قد يؤدي أحياناً إلى موت المرضى، لعدم اعتماد طرق علاجية مرخصة، وعدم تجهيز المصحات للتعامل الفعلي مع الإدمان.
أمرت النيابة العامة المصرية بتشميع (إقفال) المركز، واستمعت إلى أقوال أسرة الفتاة، الذين قالوا إنّهم لجأوا إلى تلك المصحة عن طريق أحد معارفهم، بسبب انخفاض التكاليف المالية للعلاج مقارنة ببقية المصحات. تابعوا أنّ المجني عليها كانت تعاني من إدمان الهيروين لفترة طويلة.

وكشفت التحقيقات التي أجريت مع أربعة أشخاص من المصحة، وهم العاملتان اللتان حاولتا السيطرة على الفتاة، والطبيب المعالج، ومدير المصحة، أنّ الفتاة حاولت الانتحار بإلقاء نفسها من المبنى وجرى إنقاذها، وبعدها حاولت قطع شرايينها، ودخلت في حالة من الهياج، فحاولوا السيطرة عليها، لكنّهم خنقوها عن طريق الخطأ ما أدى إلى وفاتها. وبعد تلك الواقعة قام أصحاب أربع مصحات في القرية نفسها بإغلاقها خوفاً من إلقاء القبض عليهم، فيما أكدت مصادر طبية، انتشار المصحات غير المرخصة لعلاج الإدمان بالقرية ومركز أبو النمرس عموماً، لانتشار إدمان المخدرات بين الشباب. وأضافت المصادر أنّ تلك المصحات منتشرة بكثرة في محافظة الجيزة، سواء في الأحياء الشعبية أو الراقية.
وأشارت المصادر، التي تعمل بقطاع الصحة النفسية بوزارة الصحة، إلى أنّ حادثة وفاة الفتاة سبقتها واقعة مماثلة في حدائق الأهرام، وهو أحد أحياء محافظة الجيزة، إذ توفي شاب نتيجة حقنة بجرعة مخدر زائدة، أثناء خضوعه للعلاج داخل مركز يديره عدد من غير المختصين، وهؤلاء يستأجرون عدداً من الشقق كبيرة المساحة وأحياناً فيلات، من دون وضع أيّ لافتة توضح نشاطهم، ثم يستقبلون الراغبين في العلاج من خلال التواصل معهم عبر وسطاء يعملون في مستشفيات الصحة النفسية. وشددت المصادر على أنّ زيادة إدمان المخدرات بين الشباب، أدت إلى زيادة تلك المراكز غير المتخصصة في علاج مخاطر الإدمان، وبالرغم من كلّ ما فيها من مخالفات، يُقبل عليها المرضى للعلاج، مؤكدين أنّ الكلفة تبدأ من 7 آلاف جنيه (445 دولاراً أميركياً) وتصل إلى 50 ألف جنيه (نحو 3200 دولار) شهرياً، بحسب نوع اختصاص المصحة وشهرتها.
تشير البيانات الرسمية الصادرة عن صندوق مكافحة الإدمان في وزارة التضامن الاجتماعي، إلى تزايد أعداد مدمني المخدرات في مصر، خلال السنوات الخمس الماضية، وتسجل نسبة الإدمان من بين السكان حالياً 2.9 في المائة، فيما يرتفع التعاطي إلى 11 في المائة، ما يتعدى بكثير نسبة التعاطي العالمية البالغة 5 في المائة من سكان العالم. وبحسب الأرقام المعلنة من وزارة الصحة، ممثلة في إدارة علاج الإدمان بالأمانة العامة للصحة النفسية، وصل عدد المدمنين في مصر إلى نحو 4 ملايين، فيما أكدت المصادر الطبية أنّ عددهم يتجاوز 8 ملايين. ومن جهتها، تقول البرلمانية منى منير، إنّ أرقام التعاطي بحسب الجنس، تتوزع بين نحو 72 في المائة للذكور ونحو 28 في المائة للإناث.
بدوره، يقول الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي بوزارة التضامن الاجتماعي، إنّ أكثر أنواع المخدرات انتشاراً بين المدمنين هي أقراص "ترامادول" (حبوب مهدئة تسبب الهلوسة) بنسبة 58.1 في المائة، ثم الهيروين بأكثر من 25 في المائة، ويليهما الحشيش (قنب هندي) بنسبة نحو 23 في المائة، إلى جانب أنواع جديدة من المخدرات مثل "الإستروكس" و"الفودو" وهي تمثل نسبة 20.7 في المائة. يتابع أنّ نسبة الإدمان بين تلاميذ المدارس الثانوية تبلغ 7 في المائة. ويلفت إلى أنّ عدد المراكز الطبية المرخصة التي تعالج الإدمان هو 22 مركزاً على مستوى المحافظات، موضحاً أنّه يجري تمويل صندوق تلك المراكز من الغرامات التي توقع على تجار المخدرات، بأمر من النيابة العامة.

صحة
التحديثات الحية

من جهته، يقول الدكتور محمد حمودة، استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، إنّ مشكلة مراكز علاج الإدمان الخاصة تكمن في ضعف الرقابة عليها، إذ لا زيارات تفتيش تجريها الجهات المسؤولة، وهو ما تسبب في انتشار أعدادها بالمحافظات المصرية. يضيف أنّ بعضها تحول إلى "بيزنس" لتحقيق مكاسب مالية فقط على حساب المرضى من دون تقديم فائدة تذكر، بل يزداد الأمر سوءاً من خلال تسرب المواد المخدرة للخاضعين للعلاج، ما يؤدى إلى مصرع البعض نتيجة تعاطي كميات كبيرة من المخدرات بعد انقطاع لفترة. ويشدد على أهمية زيادة أعداد مستشفيات الإدمان والأمراض النفسية بالمحافظات المصرية، حتى لا يقع أحد فريسة لأصحاب المراكز العلاجية غير المرخصة، وغير المؤهلة لاستقبال المرضى، إذ وصل الأمر إلى التعامل مع المرضى بعنف وصولاً إلى التعذيب وفقدان الحياة. كذلك، يشير إلى "أهمية مواجهة تجار المخدرات بكلّ قوة، من خلال الحملات الأمنية المفاجئة لتطهير البلاد من براثن تلك الآفة الخطيرة التي تهدد الشباب من الجنسين".

المساهمون