تشهد الجامعات المصرية، الحكومية كما الأهلية والخاصة، أعمال توسّع غير مسبوقة لجهة إنشاء كليات طب، على الرغم من عدم توفّر مستشفيات جامعية خاصة بها. ويأتي ذلك استجابة لتوجيهات سابقة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أجل زيادة أعداد الخرّيجين من الأطباء، في ضوء العجز الشديد الذي تعانيه المستشفيات الحكومية والذي قدّرته وزارة الصحة والسكان في العام الماضي بنحو 53 ألف طبيب.
ويُقدَّر عدد الأطباء العاملين في إطار وزارة الصحة والسكان المصرية بنحو 57 ألفاً يتوزّعون على كلّ القطاعات الحكومية، ما بين طبيب تكليف وطبيب ريف و طبيب تخصص، في حين تحتاج الوزارة إلى 110 آلاف طبيب لسدّ احتياجاتها، علماً أنّ 82 ألف طبيب يعملون في المستشفيات الحكومية والجامعية والخاصة في مصر من إجمالي 213 ألفاً مسجّلين في النقابة العامة لأطباء مصر.
وفي العادة، لم تكن تقوم في مصر أيّ كلية للطب من دون أن يقابلها مستشفى خاص بالجامعة التي تتبع لها، غير أنّ السيسي وجّه في عام 2019 بإنشاء كليات للطب من دون مستشفيات جامعية لزيادة أعداد الخريجين، بما يخالف قرار الجمعية العمومية للنقابة العامة للأطباء القاضي بعدم قبول قيد خرّيجي كليات الطب في الجامعات الخاصة غير المرتبطة بمستشفيات جامعية.
وقبل توجيه السيسي، كانت ثمّة كليات ثلاث للطب في الجامعات الخاصة، وهي "جامعة 6 أكتوبر" و"جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا" و"جامعة نيو جيزة". وفي خلال العامَين الماضيَين، افتُتحت ستّ كليات طب جديدة في الجامعات الخاصة، وهي "جامعة النهضة" في بني سويف، و"الجامعة الحديثة للتكنولوجيا والمعلومات" في المقطم، و"جامعة حورس" في دمياط الجديدة، و"جامعة بدر" في القاهرة، و"جامعة دراية" في المنيا، و"جامعة الدلتا للعلوم والتكنولوجيا" في المنصورة. كذلك أنشئت ثلاث كليات للطب في الجامعات الأهلية التي تقبل بمجموع أقلّ من الحدّ الأدنى المطلوب من قبل الجامعات الحكومية وتلك الخاصة في ما يخصّ شهادة الثانوية العامة. والجامعات هي "جامعة الجلالة" في محافظة السويس، و"جامعة الملك سلمان الدولية" في شرم الشيخ، و"جامعة المنصورة الجديدة" في محافظة الدقهلية، في مقابل مصاريف دراسية ضخمة تصل إلى 105 آلاف جنيه مصري (نحو 6700 دولا أميركي) في العام الدراسي الواحد.
ويتعارض توسّع الحكومة في إنشاء الجامعات الأهلية في المدن والمجمعات الجديدة مع المادة 21 من الدستور المصري التي تلزم الدولة بـ"توفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة العالمية، وكفالة مجانيته في جامعات الدولة ومعاهدها" بالإضافة إلى "تشجيع إنشاء الجامعات الأهلية غير الهادفة للربح، والتزامها بضمان جودة التعليم في الجامعات الخاصة والأهلية". من جهتها، خفضت وزارة التعليم العالي في مصر الحدّ الأدنى للقبول في الجامعات الخاصة والأهلية مرّتَين متتاليتَين في تنسيق القبول في الجامعات لهذا العام، الأمر الذي وسّع الفارق مع الكليات العملية في الجامعات الحكومية إلى أكثر من 10 في المائة و25 في المائة مع الكليات النظرية، بدعوى إتاحة الأماكن للطلاب الراغبين في الالتحاق بكليات الطب والصيدلة والهندسة والإعلام على سبيل المثال، من دون النظر إلى انخفاض درجاتهم الدراسية.
كذلك انخفض الحدّ الأدنى للالتحاق بكليات الطب في الجامعات الخاصة إلى 85 في المائة، وإلى 82 في المائة في الجامعات الأهلية، و80 في المائة في جامعة الملك سلمان الدولية، في مقابل 90.73 في المائة في الجامعات الحكومية. وبخصوص الحدّ الأدنى للالتحاق بكليات طب الأسنان في الجامعات الخاصة، فقد انخفض إلى 82 في المائة، وإلى 79 في المائة في الجامعات الأهلية، و77 في المائة في جامعة الملك سلمان الدولية، في مقابل 90.24 في المائة في الجامعات الحكومية.
وعلى الرغم من ذلك، أظهرت نتائج تنسيق القبول في الجامعات الخاصة أنّ ثمّة 1042 مقعداً شاغراً في كليات الطب في المرحلة الثانية من التنسيق، و1063 مقعداً في كليات العلاج الطبيعي، و3275 في كليات الصيدلة، نتيجة عزوف الطلاب عن الالتحاق بهذه الجامعات لارتفاع مصاريفها الدراسية التي تصل إلى نحو 210 آلاف جنيه (نحو 13 ألفاً و400 دولار) في بعض الجامعات الخاصة.
ويرى أطباء مصريون أنّه لا جدوى من قرار الحكومة التوسّع في إنشاء كليات الطب في الجامعات الحكومية والخاصة، لأنّ الأطباء الخريجين بغالبيتهم العظمى يسارعون إلى السفر إلى دول الخليج وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية بعد أن ينهوا دراستهم، نتيجة عدم معالجة الحكومة للأسباب التي تدفعهم إلى الهجرة، في مقدّمتها تدنّي الرواتب وغياب الحماية الواجبة لهم في أثناء تأديتهم عملهم وعدم تقدير تضحياتهم حيال مخاطر المهنة.
وتفيد دراسة أعدّتها أمانات المستشفيات الجامعية والمكتب الفني لوزارة الصحة والسكان المصرية، بأنّ 62 في المائة من الأطباء يعملون في خارج مصر، أو هم استقالوا من العمل الحكومي، أو حصلوا على إجازات. بالتالي يحظى كلّ 1162 مواطناً مصرياً بطبيب واحد، أي بواقع 8.6 أطباء لكلّ 10 آلاف فرد، في مقابل 434 فرداً لكلّ طبيب في المعدّل العالمي، أي بواقع 23 طبيباً لكلّ 10 آلاف فرد.
وعقب الموجة الأولى من تفشّي فيروس كورونا الجديد في العام الماضي، هاجر نحو سبعة آلاف طبيب مصري إلى الخارج، بحثاً عن ظروف عمل وفرص أفضل، بحسب ما جاء في دراسة لـ"المركز المصري للدراسات الاقتصادية" غير الحكومي. واتى ذلك على وقع معاناة العاملين في القطاع الطبي من ضعف في منظومة الأجور، ونظام صحي متهالك أدّى إلى وفاة مئات من الأطباء من جرّاء الإصابة بمرض كوفيد-19 الذي يتسبّب فيه الفيروس. يُذكر أنّ النقابة العامة لأطباء مصر أعلنت أخيراً ارتفاع عدد الضحايا بين أعضائها بسبب الإصابة بكوفيد-19 إلى 600 حتى الآن، في وقت رفضت فيه أغلبية البرلمان المدعومة من الحكومة، مناقشة مشروع قانون يقضي بإضافة الأطباء الضحايا في أثناء أزمة كورونا إلى القوائم الخاصة بتكريم شهداء وضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم، بهدف منحهم المزايا المادية والعينية نفسها التي يحصل عليها ضحايا الجيش والشرطة.