اطّلع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، السبت، على ملامح مشروع قانون الأحوال الشخصية (الأسرة) الجديد، موجهاً بإنشاء صندوق لرعاية الأسرة، ووثيقة تأمين لدعمها مادياً في مواجهة النفقات والتحديات ذات الصلة بمسائل الأحوال الشخصية، وتوفير المصادر التمويلية للصندوق، ودعمه من قبل أجهزة الدولة.
وفي اجتماع مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير العدل عمر مروان، ورئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي جمال عوض، ورئيس لجنة إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية عبد الرحمن محمد، استمع السيسي إلى عرض بشأن أعمال اللجنة، وأبرز ملامح مشروع القانون الجديد، والذي يهدف لأن يكون بديلاً عن 6 تشريعات سارية.
وشدد السيسي على أهمية الحفاظ على الترابط الأسري، ومستقبل الأنجال، موجهاً بأن تكون صياغة التشريع الجديد مبسطة ومفصلة على نحو يسهل على جميع فئات الشعب فهمه، واستيعاب نصوصه، لا سيما من غير المشتغلين بالمسائل القانونية.
وبحسب بيان للرئاسة المصرية، عقدت لجنة إعداد مشروع القانون 20 اجتماعاً، انتهت فيها من الصياغة الأولية لعدد 188 مادة. وتضمنت مسودة القانون ما يتعلق بوضع الإجراءات ومسائل الولاية على المال، أخذة في الاعتبار شواغل الأسرة المصرية، من خلال الاستناد إلى الإحصائيات الرسمية للدولة، وواقع القضايا والمشاكل المتكررة التي مثلت عاملاً مشتركاً خلال العقود الماضية.
وأشار السيسي إلى أهمية الارتكاز على العلوم الاجتماعية والطبية والنفسية، في ما يخص مشاكل الرؤية ومسكن الحضانة والاستضافة وأحكام الخطبة.
ومنح مشروع القانون صلاحيات جديدة للقاضي للتعامل مع الحالات العاجلة من أجل دعم الأسرة، إلى جانب إقرار نظام جديد يجمع منازعات كل أسرة أمام محكمة واحدة. واستحداث إجراءات للحد من الطلاق، والحفاظ على الذمة المالية لكل زوج، ونصيب كل منهما في الثروة المشتركة التي تكونت أثناء الزواج.
واستجابة من اللجنة لطلب السيسي، أورد مشروع القانون إجراءات توثيق الطلاق كما هو الحال في توثيق الزواج، وعدم ترتيب أي التزامات على الزوجة إلا من تاريخ علمها به. إلى جانب إعادة صياغة وثيقتي الزواج والطلاق، بما يضمن اشتمالهما على ما اتفق عليه الطرفان عند حالتي الزواج والطلاق.
وسحبت الحكومة المصرية مشروع قانون الأسرة الذي قدمته إلى مجلس النواب في فبراير/ شباط 2021، بسبب اعتراض الأزهر الشريف على الكثير من مواده، وفي مقدمتها مواد تنظيم الخطبة، وعقد الزواج وآثاره وأحكامه، والطلاق والنفقة والحضانة. ورغم ذلك، يصر السيسي على تمرير مشروع القانون الجديد متضمناً عدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، على الرغم من الاعتراضات المتكررة من الأزهر، وإقرار هيئة كبار العلماء - برئاسة شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب - بوقوعه استناداً إلى أحكام الشريعة الإسلامية.
وتنص المادة الثانية من الدستور المصري على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، فيما تخول المادة السابعة الأزهر الإشراف على كل جوانب التشريع، "لكونه المرجع الأساس في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم".
وكان السيسي قد قال في سبتمبر/ أيلول 2021: "إنه تجنب الصدام مع مؤسسة الأزهر، بعدما رفضت طلبه عدم اعتماد الطلاق الشفهي في حال عدم توثيقه". وأضاف على هامش إعلانه "2022 عاماً للمجتمع المدني": "تحدثت كثيراً عن تجديد الخطاب الديني، ورفضت التمسك برأيي في مواجهة المؤسسة التي عارضته، وتعمدت شخصياً ترك الموضوع يتفاعل في المجتمع لمنع الصدام، واحترام منطق الزمن والتغيير".
وتشهد العلاقة بين السيسي وشيخ الأزهر توترات بين الحين والآخر. ومنها مخاطبة السيسي شيخ الأزهر أثناء الاحتفال بعيد الشرطة عام 2017، قائلاً: "تعبتني يا فضيلة الإمام"، وذلك في سياق حديثه عن ضرورة تغيير الموقف الشرعي من قضية "الطلاق الشفهي"، واعتباره كأن لم يقع إذا لم يتم توثيقه.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2018، وقع سجال بين السيسي والطيب خلال الاحتفال الرسمي للدولة بذكرى المولد النبوي، والذي شن فيه شيخ الأزهر هجوماً عنيفاً على الداعين لاستبعاد السنة النبوية من التشريع. ما وصفه مراقبون، حينها، بأنه كان موجهاً لرئيس الدولة، الذي دأب على توجيه انتقادات للخطاب الديني، داعياً إلى تنقيته تحت شعار التحديث.
الأمر تكرر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، إذ أثارت كلمة الطيب في الاحتفال بذكرى المولد النبوي، التي خصصها للحديث عن خطبة الوداع حفيظة السيسي. إذ قال إن "النبي أول من وضع دستوراً عالمياً لحماية الدماء والأعراض والأموال، فقد كان أول بند من بنود خطبة الوداع تحذير العالم أجمع من فوضى الدماء والعبث بالأموال والأعراض". ونفى السيسي في كلمته بعد الطيب نفياً قاطعاً "طمعه في حكم مصر"، مشيراً إلى أنه "لم يكن ينوي الترشح لرئاسة الجمهورية"، على حد زعمه.
يذكر أن الأزهر - ممثلاً في هيئة كبار العلماء - قد أصدر بياناً مذيلاً بتوقيع الطيب عام 2017 يرفض فيه طلب (رئيس الجمهورية) تعديل قانون الأحوال الشخصية، حتى يصبح الطلاق المعتمد فقط هو الموقع أمام المأذون، على اعتبار أن ذلك يتنافى مع الشرع.