مشاريع خيرية منتجة في الجزائر... استثمار في أنشطة غير تقليدية

12 ابريل 2021
لا بدّ من أن يولّي زمن هذه المساعدات (رياض كرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -

 

تتّجه مؤسسات وجمعيات خيرية في الجزائر إلى ما يشبه نظاماً جديداً من العمل الخيري المنتج، يقوم على أنشطة وقفية متعددة وعلى استثمار أموال المحسنين والزكوات التي تجمعها في مشاريع إنتاجية بهدف توفير عائدات منتظمة لتمويل مشاريع كفالة الأيتام وإسناد المرضى ودعم الأسر الفقيرة والمعوزة.

جمعية "إيثار" لرعاية الأيتام في ولاية الوادي جنوبي الجزائر، واحدة من تلك الجمعيات، وقد أطلقت استثماراً خيرياً كبيراً تحت عنوان "مشروع وقف لكفالة الأيتام" يقضي بزرع سبعة آلاف نخلة لكفالة ألف يتيم من مختلف مناطق البلاد. وبالفعل، أنجزت حتى الآن الجزء الأكبر من المشروع بزراعة خمسة آلاف نخلة في خلال شهر واحد، تمّ شراؤها من تبرعات المحسنين. وإذا كان المشروع يعتمد في بدايته على اليد العاملة التطوعية، فإنّه سيخلق في وقت لاحق عشرات فرص الشغل لشبان سيعملون على رعاية الواحة وزراعتها وقطف التمور وتوزيعها وبيعها. وذهبت هذه الجمعية الخيرية إلى هذا النوع من المشاريع الوقفية كبديل للأنشطة الخيرية التقليدية التي تكون فيها الجمعيات مجرّد وسيط بين المحسنين والمعوزين. ويشرح عبد العالي نواري وهو عضو في "إيثار" لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذا النوع الجديد من الأنشطة الخيرية القائمة على الأوقاف والذي يسمّى الفعل الخيري المنتج، يتجاوز الفعل الخيري المستهلِك ويسهم في خلق ثروة لا تنضب تعود مداخيلها إلى الأيتام وتخلق فرص شغل وتعود بالفائدة على الفقراء. وأكثر من ذلك، يمكن أن تجعل من المستفيدين أنفسهم جزءاً من اليد العاملة في هذه المشروعات ليكسبوا من عرق جبينهم كذلك".

والجمعيات التي تبدي انفتاحاً على مبادرات منتجة من خلال أعمال خيرية، تتوزّع في مناطق جزائرية مختلفة. وقد أقدم متطوعّون يدعمون جمعية "الأنوار" الخيرية في ولاية خنشلة شرقي الجزائر، على شراء عشر ماكينات خياطة تمّ توزيعها على أسر معوزة لتكون وسيلة لتأمينها الرزق. فهي توفّر لها وسيلة إنتاج تمكّنها من خياطة الملابس وسلع أخرى وتسويقها والاستفادة من عائداتها لتغطية احتياجاتها بدلاً من الاستمرار في الاعتماد على عطايا الجمعيات الخيرية، مع العلم أنّ ذلك يتوقّف أساساً على ما توفّره عطايا المحسنين. ويقول جمال الدين جفال وهو ناشط في "الأنوار" لـ"العربي الجديد": "فكرنا في كيفية التمكّن من تجاوز الفعل الخيري الاستهلاكي الذي يقوم على توزيع قفة من المواد الغذائية أو الملابس. ودرسنا عدداً من التجارب، فوجدنا أنّ الخيار الأفضل هو تحويل المجهود الخيري إلى صيغة إنتاجية، يتحوّل من خلالها المعوز أو العائلة الفقيرة إلى مساهم في محاربة الفقر والحاجة بجهد ذاتي وبدعم من الجمعية. من هنا، منحنا الأسر ماكينات خياطة على سبيل المثال، تساعدها في تلبية بعض احتياجاتها من دون الحاجة إلى مدّ يدها". يضيف جفال أنّه "بهذه الطريقة، يصير العمل الخيري فعلاً منتجاً من شأنه أن يرفع الغبن عن الأسر ويحفظ كرامة الأفراد، من خلال ما يجنونه من جهودهم المبذولة في العمل. والهدف يبقى تحويل الأفراد المعوزين من مستهلكين إلى منتج، ومن تابعين إلى فاعلين، وفي ذلك تنمية للمجتمع وخير للبلاد".

قضايا وناس
التحديثات الحية

في السياق نفسه، نجحت جمعية "دير الخير" (افعل الخير) التي تنشط في مدينة ميلة شرقي الجزائر، في إطلاق برنامج دعم الأسرة المنتجة عبر مشاريع استثمارية عدّة في 12 منطقة ريفية على تخوم المدينة، من أبرزها مشروع "محضنة دجاج" بتكلفة تقدّر بمائة ألف دينار جزائري (نحو 630 يورو) لكلّ خمّ يضمّ 35 دجاجة وثلاثة ديوك. أمّا مدخول كلّ خمّ لمدّة شهرين من الرعاية، فيعود إلى عائلتَين معوزتَين. ويشرح وليد بولعراس وهو عضو في "دير الخير" لـ"العربي الجديد"، أنّه "من خلال دراسة تبيّن لنا أنّ مدخول الأسرة الشهري يصل في البداية إلى 100 يورو ليرتفع إلى 400 يورو بعد أربعة أشهر أو خمسة. فالمعنيّ سوف يتمكّن بعد هذه الفترة من الحصول على البيض وبيعها للمحلات". يضيف بولعراس أنّ "المشروع الذي يستهدف في بدايته عدداً محدوداً من العائلات المعوزة سيتوسّع مع الوقت، فيشمل عدداً آخر من  الأسر".

الصورة
امرأة فقيرة في الجزائر (فايز نور الدين/ فرانس برس)
بدلاً من تشجيعها على الاستعطاء، لنساعدها على الإنتاج (فايز نور الدين/ فرانس برس)

تجدر الإشارة إلى أنّ عملية الانتقال من العمل الخيري المستهلِك إلى المنتِج تفتح الباب واسعاً لمبادرات أكبر في مناطق جزائرية مختلفة، وذلك من ضمن رؤية تتعلق بتجديد آليات العمل الخيري وأهدافه ووسائله مع رسم استراتيجيات جديدة له ليصير رافداً من روافد التنمية الحقيقية المتكاملة. وتشرح الباحثة في الاقتصاد سعيدة باعلي لـ"العربي الجديد" أنّ "جملة من التحولات وقعت بناءً على احتكاك كوادر الجمعيات الخيرية الجزائرية بتجارب العمل الخيري في العالم. وقد ساعد ذلك في تطوير فكرة العمل الخيري وإخراجه من إطار جمع المال والمساعدات لإعادة توزيعها، إلى تسخير المال وعائدات التبرّعات لتمويل مشاريع صغيرة أو متناهية الصغر لمصلحة أفراد معوزين وعائلات معوزة". تضيف باعلي أنّ "هذا التطوّر ينطلق من الفلسفة الشهيرة: بدلاً من أن تعطه سمكة، علّمه الصيد".

ومن خلال هذه التجارب، ينحى العمل الخيري إلى مجالات أخرى تتعلق بتمويل تعليم التلاميذ والتدريب وبناء المكتبات والمراكز الصحية في القرى والمناطق الجبلية. فتأتي تلك المشاريع ذات الأهمية الكبيرة لتفيد السكان وتحسّن أوضاعهم. ودفع التجارب الجديدة في ما يتعلق بالأعمال الخيرية التي بدأت تلقى رواجاً، إلى الاعتقاد بأنّ الجهد الخيري في الجزائر قد يتوسّع مستقبلاً في قطاعات خدماتية ليتخذ طابعاً مؤسساتياً وفقاً لسياسات التنمية المستدامة.

المساهمون