مرشدون اجتماعيون في مدارس المغرب

15 ديسمبر 2020
داخل إحدى مدارس المغرب (فرانس برس)
+ الخط -

تجربة جديدة تعيشها مدارس المغرب في ظل الاستعانة بمرشدين اجتماعيين بهدف مساعدة التلاميذ نفسياً واجتماعياً، والحد من نسب العنف المرتفعة التي تؤثّر على العملية التعليمية

"من المؤسِف أن نشهد ارتفاعاً في الظواهر السلبية في محيط المدرسة أو خارجها، سواء على مستوى العنف اللفظي والجسدي أو العنف المادي، إذ لا يمر أسبوع من دون تسجيل حادثة عنف"، يقول التربوي أحمد العوني لـ "العربي الجديد"، تعليقاً على ما تعيشه المؤسسات التعليمية في المغرب، ما يؤثّر على التحصيل العلمي. 
ومع ارتفاع نسب العنف داخل المدارس، والإدمان على المخدرات، وغيرها من المشاكل، باتت مهمة الأساتذة والمعنيين في الإدارة التربوية صعبة وتحتاج إلى دعم. يقول العوني: "رغم جهودنا كتربويين وإداريين لمواجهة الظواهر أو المشاكل التي تؤثّر سلباً على التحصيل العلمي واندماج المتعلمين في العملية التعليمية، إلّا أنّ الأمر أصبح يتجاوزنا، كما أن كثرة المهام التي تقع على عاتقنا تجعل متابعة التلاميذ ومعرفة ما يعانونه من مشاكل نفسية واجتماعية وسلوكية شبه مستحيلة".

في ظل هذا الواقع، ينتظر العوني دور المرشدين الاجتماعيين الذين يعينون لأول مرة في تاريخ المنظومة التربوية في البلاد، ليكون في استطاعة مئات التلاميذ المغاربة الذين يعيشون أوضاعاً نفسية واجتماعية صعبة تؤثر على تحصيلهم الدراسي وسلوكهم سواء مع زملائهم أو الإداريين، الحصول على الدعم الاجتماعي والنفسي.
وفي وقت تُوجّه انتقادات حادة للمدرسة الحكومية بسبب ما باتت تعرفه من ظواهر سلبية، بدا لافتاً توجه وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، لتكوين ثلاثة آلاف مرشد اجتماعي ـ نفسي حاصلين على بكالوريوس في علم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة، في محاولة لدمج الدعم الاجتماعي والنفسي في صلب الحياة المدرسية للحد من ظاهرة العنف المدرسي بشتى أنواعه، والقضاء على الإدمان على المخدرات، وكل الظواهر التي تؤثر سلباً على التحصيل الدراسي واندماج التلاميذ في العملية التعليمية.
ويقول نائب رئيس الجمعيّة المغربية للمساعدين الاجتماعيين، هيثم أرحيوي، إنّ وجود مرشدين اجتماعيّين لأول مرة في تاريخ التعليم في المغرب في المدارس سيمنح فرصة مهمة للتلاميذ، للتعبير عن مشاكلهم واحتياجاتهم ورغباتهم والصعوبات التي تُعيق مسارهم التعليمي، في إطار ما يعرف بـ"خلايا الإنصات". كما سيوفّر وجودهم بعض الجهد على المؤسسة التعليمية في مجال الوساطة الاجتماعية بين المدرسة والأهالي وباقي الشركاء، وسيمنحها طاقة إيجابية للاستفادة من مختلف الموارد والإمكانيات لمصلحة التلاميذ.
ويلفت أرحيوي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أهمية دور المساعد الاجتماعي في المدرسة والخدمات التي سيقدمها للتلاميذ، مشيراً إلى أن عمله يبدأ من خلال معرفة أهم مشاكل التلاميذ، واحتياجاتهم النفسية والاجتماعية، ومتابعة الأشخاص الذين يواجهون صعوبات تعيق مسارهم الدراسي أو اندماجهم الاجتماعي، الأمر الذي سيمكن من معالجة سلوكهم، ومساعدة الأطر التربوية والإدارية على تحقيق أهداف العملية التعليمية وتنشئة جيل متوازن نفسياً قادر على الاندماج في الحياة، ومحب لوطنه ومشبع بالقيم الوطنية.
يضيف أن المساهمة في إيجاد حلول للمشاكل داخل المدارس والغوص في المشاكل النفسية والاجتماعية للتلاميذ، والتي لها خصوصيات، "تستدعي منا جميعاً كمساعدين اجتماعيين ومتدخلين وشركاء للمدرسة التعبئة". ويرى أن تحقيق الأهداف المرجوة يرتبط بمؤهلات المرشد الاجتماعي وقدرته على التعبئة والتنسيق وخبرته في مجال العمل الاجتماعي، بالإضافة إلى مدى ملائمة برنامج التكوين والتدريب في مجال المساعدة الاجتماعية المدرسية لدى الوزارة،  للمرشدين الاجتماعيين.
ولأن العمل على الاستعانة بمرشد اجتماعي يندرج في سياق الخطة الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015 – 2030، والقانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، كإحدى الحلول لتجاوز ما تعيشه المنظومة التربوية من تعثرات، بحسب الخبير التربوي وعضو المجلس الأعلى للتعليم (مؤسسة حكومية)، عبد الكريم ناجي، إلا أن السؤال الذي يتعين طرحه هو إن كان هذا الإطار الجديد قادراً على تحسين جودة التعلم، لا سيما وأن المنظومة التربوية المغربية تعاني منذ سنوات من مشاكل كبيرة، منها ضعف أداء الأساتذة، إذ تشير دراسات إلى أنّ مستوى كفاياتهم (مؤهلاتهم) التدريسية لا يتجاوز 30 في المائة.

ويقول ناجي: "أشك أن يساعد اللجوء إلى مرشدين اجتماعيين في تحسين جودة التعليم التي ترتبط بتكوين الأساتذة وقدرتهم على تحقيق الأهداف والغايات، وإكساب المتعلمين الكفايات الضرورية"، لافتاً في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أن أسئلة تطرح كذلك حول قدرة المرشدين الاجتماعيين على النهوض بمهامهم في ظل ضآلة عددهم بالقارنة مع وجود 8 ملايين متعلم في المؤسسات التعليمية على كافة التراب المغربي، وما يتبع ذلك من مواكبة ومعالجة المشاكل التي تواجههم خارج الوسط التعليمي وفي محيطهم الأسري.

المساهمون