مقاطع فيديو قليلة تضمه مع والده ووالدته خلال زيارتهما إلى قطر خلال بطولة كأس العالم 2022، وعدد قليل من الصور هي كل ما تبقى للفلسطيني محمد صيام من عائلته التي كانت من بين ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وقد أصبحت تلك الصور ومقاطع الفيديو أغلى ما يملك.
يعيش صيام في الدوحة منذ 10 سنوات، وهو حالياً باحث دكتوراه، ولم يتمكن طيلة تلك السنوات من العودة ولو مرة واحدة إلى قطاع غزة، حيث والده ووالدته وأشقاؤه وشقيقاته، وهو يتذكر زيارة والديه له بكل تفاصيلها، ويتذكر إصرارهما على تلك الزيارة رغم صعوبة الخروج من غزة.
يقول لـ"العربي الجديد": "لا أدري كيف خطر ببالي حينما تمكنت من إحضار والدي ووالدتي إلى الدوحة خلال فعاليات كأس العالم، تسجيل مقاطع فيديو لهما، وبعد مغادرتهما صرت كلما اشتقت إليهما، أقوم بتشغيل تلك الفيديوهات لكي أراهما صوتاً وصورة. خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وقبل استشهاد عائلتي، كنت كلما نجحت في الاتصال بهم أسجل المكالمات، لكي يبقون في ذاكرتي، وأعتقد أن ذلك من أفضل ما حصل لي".
لا يزال محمد يتذكر أول خبر في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حول استهداف عائلته في قطاع غزة، والتي قتلها الاحتلال الإسرائيلي بالتقسيط، إذ تم استهداف منزل عائلة خاله، فاستشهد 25 شخصاً، ولم يتبق على قيد الحياة سوى شخصين، وبعد 10 أيام، استشهدت أخته وزوجها وابنتاها وحفيدها وزوجة ابنها، وكان العدد في هذا القصف 20 شهيداً.
يقول: "كانت الضربة الكبرى حين استهدف بيتنا في حي الزيتون بمدينة غزة، ما أودى بحياة أمي، وزوجة أخي، واثنين من أبناء أخي، كما أصيب زوج أختي وثلاثة من أبنائه، واستشهد جميع أفراد عائلة عمي ما عدا شخصاً واحداً. في اليوم التالي استشهد أبي وشقيقتي الكبرى حين استهدفت رصاصة قناص إسرائيلي أختي، وحين قام أبي ليحاول اكتشاف ما حدث لأختي، فإذا برصاصة أخرى من نفس القناص تقتله".
استشهد أفراد عائلة صيام في قصف منزلهم بحي الزيتون في مدينة غزة
ويروي صيام: "قتل الصاروخ الإسرائيلي الذي دمر منزلنا كثيراً من أفراد العائلة، لكن جثمان أمي ظل تحت ركام المنزل لنحو 40 يوماً، حتى تمكن بعض الأقارب والجيران من انتشال الجثمان ودفنه، وأبي الذي قتلته رصاصة قناص إسرائيلي كان يبلغ من العمر 76 سنة، وقتل عن سابق إصرار وترصد في بيته، وعائلتي كانت قد غادرت المنزل، ونزحت إلى بيت أختي، وكانوا يعودون بين الفينة والأخرى إلى البيت لقضاء حوائجهم، وفي وقت القصف كان البيت مزدحماً، وتم استهدافهم جميعا. من ذكرتهم هم الشهداء من العائلة المقربة، لكن هناك أيضاً مجموعة كبيرة من أفراد العائلة الكبيرة الذين استشهدوا في حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأعداد كبيرة من الأصدقاء والجيران ورفاق العمر".
ويتحدث صيام عن ذكريات جمعته بأفراد عائلته، وبعضها يصعب نسيانه، حتى أنها صارت تطارده، فهو يستعيد صورهم وأصواتهم ومواقفهم طوال الوقت. يقول: "والدي رجل بسيط، لكنه كان متعلماً، وكان محباً للحياة، ويحب شراء أغلى الثياب والعطور، ويحب الساعات الفاخرة، والتي كان يطلبها من الخارج، وكان حنوناً، وينهرنا إذا قسونا على الأطفال، وكانت أمي تتمنى زيارة بيت الله الحرام، وكانت نيتنا أن تعتمر في رمضان المقبل، ومن ثم تسجيلها للحج، لكنها استشهدت قبل أن تدرك هذه الأمنية".
يضيف: "كان ملفتاً أيضاً في عائلتي تلك العلاقة المميزة التي ربطت أختاي أم عامر وأم عبد الله، لدرجة أنهما زوجا ابنتيهما لابنيهما لشدة تعلقهما ببعضهما بعضاً، فابن أختي الذي استشهد هو زوج ابنة أختي الثانية التي استشهدت، وفي قصة استشهاد خالي جرح غائر، فكل العائلة كانت تقول لي إنني أشبهه، وها قد رحل خالي الذي أشبهه مع زوجته وبناته وأحفاده. أما خالي الثاني، فهو يعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وحتى هذه اللحظة ما زال في أريحا، يسمع أخبار استشهاد أبنائه وبناته وأحفاده وأفراد عائلته، ولا يستطع أن يودع أحداً منهم".
ولم تتوقف آلام صيام عند فقدان الكثير من أفراد عائلته، إذ قامت قوات الاحتلال بنبش مقبرة التفاح في مدينة غزة، حيث دفن شهداء العائلة، ليتضح فقدان جثمان زوجة أخيه واثنين من أبنائها، وعن هذا الفقدان يقول: "هذا الألم سيستمر، فأخي لن يستطيع زيارة قبور زوجته وابنيه. هذا العدو الغاشم لا يكتفي بقتل الناس، وإنما يسرق جثامينهم أيضاً".
لم تنته قصة محمد صيام هنا، فلا يزال قلبه معلقاً بمن تبقى من عائلته في قطاع غزة، وهو يحاول تلمس أخبارهم، ويدعو لهم بالسلامة بينما الاتصالات صعبة، لكنه يواصل محاولات الاطمئنان على من تبقى من العائلة، خصوصاً المصابين من أبناء شقيقه وشقيقته اللذين قتلهما الاحتلال.