تراجعت مهنة المحاماة في العراق خلال سنوات ما بعد الغزو الأميركي عام 2003، بتأثير التوسع الكبير في استحداث جامعات وكليات خاصة لتدريس القانون، ومزاولة كثيرين لها بلا ترخيص، في حين زاد عدد الطلاب الذين بحثوا عن كليات تضعهم في مجالات عمل بعيدة عن صراع الوظائف الحكومية.
ويظهر دليل الطالب للقبول المركزي في الجامعات العراقية للموسم الدراسي 2022 – 2023 وجود 21 كلية حكومية لتدريس القانون في العراق، مع استثناء تلك الموجودة في إقليم كردستان التي توفر غالبيتها دروساً مسائية يُقبل عليها عدد كبير من الطلاب، مقارنة بعدد المقبولين في الدراسة الصباحية، علماً أن مجموع درجات علاماتهم أقل.
أما عدد كليات القانون الخاصة فيتجاوز 35 كلية من دون تلك التي في إقليم كردستان، وتطبق شروط قبول بسيطة جداً على صعيد مجموع الدرجات، ما تسبب في انضمام عدد كبير جداً من المحامين إلى النقابة، والذين يرغبون في العمل في المحاكم، ما أضر بقيمة الأجور التي يتقاضونها في ظل تنافس شديد، ورفع نسبة البطالة في صفوفهم إلى مستويات قياسية غير مسبوقة.
في محافظة النجف، تقول المحامية زينب العامري لـ"العربي الجديد"، إن "نقابة المحامين العراقيين طالبت وزارة التعليم العالي مرات برفع معدلات قبول الطلاب الراغبين في درس القانون، في حين ظهرت المشاكل حين اعترفت الوزارة بالكم الهائل من كليات القانون الخاصة، بعدما ظلت تتحلى برصانة لسنوات، ولا تقبل إلا أصحاب المعدلات الجيدة".
تضيف: "تحاول النقابة الحدّ من تزايد عدد المحامين عبر فرض دورات واختبارات ومقابلات على الخريجين بعد تقديمهم طلب الانضمام إلى النقابة".
ضباط يحتكرون محامين
من جهتها، لا تربط المحامية عروبة عبد القادر، التي تمارس المهنة في العاصمة بغداد، في حديثها لـ"العربي الجديد"، تراجع المهنة بوجود عدد كبير من الكليات الخاصة، "إذ يتحمل المحامون أيضاً جزءاً من المسؤولية، باعتبار أن معظم المنضمين إلى النقابة حالياً يفتقرون إلى أساليب التعامل والحوار، حتى أن بعضهم لا يجيدون أوليات العمل، ما يضعهم في مواقف محرجة مع أطراف الدعاوى المقدمة والقضاة".
وتشدد على ضرورة تكثيف دورات التدريب لتعويض فقدان الطلاب التأهيل العلمي والعملي خلال سنوات الدراسة التي رافقت انتشار فيروس كورونا، وتقول: "يؤثر عدد المحاكم والقضاة مقارنة بعدد الدعاوى المسجلة أيضاً على عمل المحامين، فعدد محاكم الاستئناف في العراق باستثناء إقليم كردستان 16، فيما يبلغ عدد المحامين المسجلين حوالي 150 ألفاً وهو قابل للزيادة".
تتابع: "في الوقت الراهن أصبح التعيين الحكومي حلماً مستحيلاً للخريجين، أما القطاع الخاص ففرصه شبه معدومة، فلا يبقى بالتالي أمام الطلاب سوى الانضمام إلى النقابة، والعمل بشكل منفرد أو مع شركات للمحاماة تقدم رواتب قليلة جداً لا تتناسب مع جهود المحامين".
وتذكر عبد القادر أن "ضباطاً يحتكرون محامين من خلال الاتفاق معهم على مبالغ معينة مقابل ترشيحهم للدفاع عن متهمين، وإقناع أهاليهم بتوكيلهم في دعاوى، ما يؤثر بشكل كبير على فرص توكيل محامين جدد".
وعن الصعوبات التي تواجه المحامين في ممارستهم المهنة، تشرح عبد القادر أنها "تشمل بطء إجراءات إنجاز الأوراق الرسمية، ما يضعهم في مواقف محرجة مع موكليهم، والمحاماة ليست مهنة سهلة، إذ يتعرض معظم المحامين إلى تهديدات من قبل الخصم في الدعوى المقامة. وأحياناً يهددهم الموكلون أنفسهم في حال فشلوا في كسب قضية، وصولاً إلى استهدافهم بمحاولات اغتيال. وأدى تكرار الحوادث ضد المحامين في الآونة الأخيرة، إلى السماح بحصولهم على رخص لحمل أسلحة شخصية. ومعلوم أيضاً أن تدخلات خارجية تؤثر في مسارات الدعاوى، وفي مقدمها التدخلات العشائرية التي ترافق غالباً الدعاوى الشرعية وتلك الخاصة بحقوق المرأة وحضانة الأطفال. وقد أجبرت هذه التدخلات إحدى موكلاتي على التنازل عن أطفالها وإنهاء الدعوى".
وفي واقعة أخرى، يخبر المحامي في محافظة ميسان أحمد الساعدي "العربي الجديد"، بأن "أحد القضاة اضطر إلى إغلاق دعوى مهمة بعدما تعرض لضغط كبير من رجال عشائر من أجل اتخاذ قرار بتحويلها إلى فصل عشائري، وفض النزاع بينهم بعيداً عن المحاكم والقضاة". وفي بعض الأحيان، يمتنع المحامي عن التوكل في قضايا يكون أحد أطرافها منضماً إلى فصيل مسلح خارج القانون أو تابع لجهة سياسية معينة يريد المحامي أن يتجنب مواجهتها".
ألف محامٍ لمحكمة واحدة
ويعلّق عضو نقابة المحامين العراقيين أحمد العبيدي بالقول لـ"العربي الجديد"، إن "محامين كثيرين لا يستحقون مواجهة البطالة، في حين أن عدد الدخلاء على المهنة كبير جداً، وبعضهم يقبل بالترافع عن مجرمين أو أشخاص متورطين بجنح، فيظلمون الضحايا بالدفاع عنهم وإخراجهم من السجون مستغلين علاقاتهم الواسعة التي تدخل فيها مسائل الفساد المالي والإداري التي تنخر مؤسسات الدولة".
ويصف مشكلة بطالة خريجي كليات القانون والحقوق في العراق بأنها "نتيجة الضخ الكبير والمستمر لخريجي القانون في سوق العمل. ويوجد ألف محامٍ على الأقل في مدن تضم محكمة واحدة، لذا يعمل بعضهم في تنفيذ المعاملات أو يقدمون خدمات عند أبواب الدوائر".
ويرى أن رفع الثقافة القانونية في شركات القطاع الخاص والمؤسسات العامة سيخلق فرص عمل للمحامين.
التدخلات العشائرية
أما المحامي مؤيد العزي، الذي يعمل في محافظة كركوك، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن "التدخلات العشائرية في دعاوى تلعب دوراً إيجابياً لحل إشكاليات ونزاعات كثيرة ومعالجتها بالتراضي بين جميع أطراف النزاع، علماً أن محاضر الفصل العشائري تعتبر من المستندات الثبوتية التي تأخذ بها المحاكم".
ورغم شح فرص العمل وصولاً حتى إلى انعدامها خصوصاً بالنسبة إلى خريجي السنوات الأخيرة الذين يواجهون أيضاً صعوبات وتحديات كبيرة في حال توكيلهم بدعاوى معينة، يدفع المحامي 600 ألف دينار عراقي (411 دولاراً)، للحصول على بطاقة عضوية النقابة إذا كان من خريجي الكليات الحكومية، و850 ألف دينار (582 دولاراً)، إذا كان من خريجي الكليات الخاصة، فيما يدفع كلاهما 225 ألف دينار (154 دولاراً)، لتجديد البطاقة سنوياً.