ساهم عدد من المحامين والقضاة في إحدى محاكم العاصمة تونس في الحيلولة دون تجديد حبس مواطن من ذوي الاحتياجات الخاصة، في قضية نفقة، بعد أن مثل أمام العدالة بتهمة عدم دفع متخلفات نفقة بقيمة 840 ديناراً لفائدة طليقته وأبنائه.
وبسبب وضعه الصحي وحال العوز التي يشكو منها الموقوف، بادر عدد من المحامين في قاعة الجلسة بجمع المبلغ الذي يسجن من أجله المواطن، وتقديمه إلى هيئة المحكمة مرفوقاً بطلب الإفراج عنه.
وتحرّك المحامون داخل قاعة الجلسة بدافع إنساني من أجل منع تجديد حبس مواطن يشكو من إعاقة فقدان النطق والسمع، عبر جمع مساهمات نقدية لجمع المبلغ الذي يتعيّن على الرجل دفعه، وذلك في أثناء سير عملية المحاكمة، ولا سيما أن المعني بالأمر مثل أمام القضاء دون فريق للدفاع عنه.
وقالت المحامية نادية الشواشي، إن "المحامين الذين كانوا في قاعة الجلسة استشعروا حال العوز والعسر المادي الذي يعاني منه الموقوف وعدم قدرته على توفير مبلغ النفقة، فقاموا بجمعه لفائدته في 10 دقائق".
وأكدت الشواشي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المحامين وهيئة المحكمة ساهموا في جمع نحو 910 دنانير، وحصلوا على حكم بإطلاق سراح المواطن الموقوف"، معتبرة أن السجن لا يمكن أن يكون حلاً في قضايا النفقة.
وأفادت الشواشي أن هيئة المحكمة ساهمت في جمع التبرعات لفائدة الموقوف، رغم أنها أصدرت في وقت سابق قرار إيداعه بالسجن امتثالاً لنص القانون، ولا سيما أن إثبات حال العسر التي يعاني منها الرجل لم يكن عبر الاختبارات الاجتماعية اللازمة.
وانتقدت الشواشي قصور النص القانوني في ما يتعلّق بقضايا النفقة، مطالبة بإحداث صندوق خاص وتحمّل المشرّع مسؤولياته في هذا المجال، من أجل منع سجن المعوزين، غير القادرين على توفير النفقة لفائدة أسرهم في حال الطلاق.
وأضافت في سياق متصل أن إثبات حال العسر وعدم القدرة على الدفع وفقاً للتراتيب المعمول بها يحتاج إلى بحث اجتماعي، لا يتم في أغلب الحالات، ما يجعل القضاة يأمرون بحبس المتخلفين عن دفع النفقة بصفة آلية، باعتبار أن النفقة تكتسي وفق القانون التونسي الصبغة المعاشية.
ويقدر عدد قضايا النفقة المرفوعة أمام دوائر المحاكم التونسية سنوياً، بنحو 34 ألف قضية، بمعدل زيادة بألفي قضية من عام إلى أخر، بحسب بيانات رسمية لوزارة العدل.
وتكتسى قضايا النفقة الصبغة المعاشية، ويجري النظر فيها استعجالياً وفق مواد مجلة الأحوال الشخصية التونسية.
ويعتمد القضاء في تقدير النفقة على عناصر أساسية، كحال المنفق، وحال المنفق عليه، وحال الوقت، والأسعار في نطاق الواقع المادي والاجتماعي المبسوط لديها بملف القضية، وما لها من حق الاجتهاد في الأدلة المعروضة عليها واستخلاص النتائج القانونية.
وإزاء استحالة تحصيل نساء لنفقة أبنائهن من طريق الأحكام القضائية، حاول المشرع التونسي عام 1993 توفير بدائل ترعاها الدولة، وذلك عبر إحداث صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق، الذي يتولى دفع مبالغ النفقة أو جراية الطلاق الصادرة بها أحكام باتّة تعذر تنفيذها لفائدة المطلقات وأولادهن من المحكوم عليه، بسبب تلكّئه، وذلك وفق شروط معينة، من بينها العسر المالي.