مجسمات خشبية "ورشة حياة" مريض سرطان في غزة

26 يونيو 2022
علاء الدماغ عمل وقوة إرادة (محمد الحجار)
+ الخط -

في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، تبعث ورشة نجارة صغيرة الأمل للأشخاص الذين يمرون أمامها، ويشاهدون مجسمات خشبية لعربات وشاحنات وجرافات خشبية صغيرة وأدوات بعضها مخصص للزينة يصنعها رجل يحارب مرض سرطان الغدة الدرقية يدعى علاء الدماغ، ويبلغ 41 من العمر، ويظهر خلال عمله ابتسامات دائمة تعكس بهجته الداخلية المغلّفة بالقوة.
أصيب علاء بمرض سرطان الغدة الدرقية قبل ثلاثة أعوام، بعدما رزقه الله 6 أولاد أكبرهم في الـ16 من العمر حالياً. عمل سابقاً في جهاز شرطة السلطة الفلسطينية، ثم جلس مرغماً على غرار كثيرين في المنزل بعد أحداث الانقسام الفلسطيني، لكنه لم يهتم بذلك وتابع هواية طفولته بالرسم وتنفيذ أشكال من ورق وكرتون، ثم شرع في تنفيذ مجسمات وأشكال خشبية قبل ست سنوات، كما صمّم رفوفاً وديكورات من خشب وأدوات بسيطة كي يستطيع تأمين مصاريف أسرته وأبنائه وتلبية احتياجاتهم اليومية، لكنه أصيب بمرض السرطان عام 2019، وأجرى عمليات جراحية عدة وتلقى علاجات مكثفة.  

وحتم ذلك تعايش علاء مع النظرات القاسية للناس وأفراد في أسرته يعتبرون أن مرضى السرطان هم فعلياً على مشارف الموت، خصوصاً أن مضاعفات حالاتهم قد لا تمنحهم خيارات تلقي العلاجات المطلوبة داخل قطاع غزة أو خارجه، في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 15 سنة.
لكن الدماغ تمسك بإرادة تغيير هذه النظرة خصوصاً أمام أبنائه وعائلته، وعاد إلى ورشة معمل الخشب رغم أن جسده كان متعباً من العمليات الجراحية في البداية، واستأنف صنع مجسمات خشبية وأخرى على شكل ألعاب تستخدم لتزيين المنازل.

الصورة
يعمل الدماغ منذ 6 سنوات في مجال الأخشاب (محمد الحجار)
يعمل الدماغ منذ 6 سنوات في مجال الأخشاب (محمد الحجار)

يقول الدماغ لـ "العربي الجديد": "شخصياً أعتبر مرض السرطان مثل مرض الرشح، لكن ما ضايقني هو معاملة أسرتي لي كأنني سأموت. ورشتي هي حياتي، ومكان تحقيق سعادتي الأكبر منذ ثلاث سنوات. تتضمن أدوات بسيطة جداً بينهما مفكات ومطارق وغراء وجهاز منشار وديسك كهرباء للقص، وأنا أبقى فيها طوال وجود الكهرباء التي احتاجها لتنفيذ أعمالي".
يصنع الدماغ مجسمات من خشب المشاتيح التي تستخدم في تحميل بضائع، ثم يعاد تدويرها وتنظيفها لاستخدامها مجدداً في صنع أدوات تعتبر صديقة للبيئة. وهو يصنع منها مجسمات على شكل مركبات وسيارات وشاحنات وقطارات وباصات وألعاب أطفال، وتحف معلقة وصناديق لمختلف الاستخدامات وقطع يدوية.

الصورة
طوّر هواية طفولته لصنع مجسمات خشبية (محمد الحجار)
طوّر هواية طفولته لصنع مجسمات خشبية (محمد الحجار)

حب الجرافات والشاحنات
يستحضر أفكار المجسمات من تفاصيل عاشها خلال حياته. وقد صنع نموذج قطار قديم يعمل على الفحم، لاستعادة حقبة عمله كوسيلة نقل مهمة بين المناطق في أنحاء العالم، ومشاهدته له طفلاً في أفلام كرتون بالأبيض والأسود. كما صنع مجسم شاحنة لجبل الباطون كان شاهد أحدها لدى تشييد طابق فوق منزله.
تتراوح أسعار المجسمات التي يصنعها بين 20 و80 شيكلاً (6.30 و25 دولاراً)، وينجزها بمهارة عالية وحرفية، لكنه يعتبر أن مشكلة انقطاع الكهرباء تشكل عائقاً أساسياً لعمله الذي يشمل ثلاثة أو أربعة أيام خلال فترة الصباح، وباقي الأيام خلال فترة المساء فقط. وتنخفض ساعات العمل في فصل الشتاء حيت تصبح ساعات التغذية بالتيار أقل في قطاع غزة، ما يضطره إلى تكييف عمله مع نمط ساعات وجود التيار التي قد لا تتجاوز 4 فقط في بعض الأيام.

الصورة
أفكار المجسمات من تفاصيل حياته (محمد الحجار)
أفكار المجسمات من تفاصيل حياته (محمد الحجار)

يقول: "أحتاج أحياناً إلى أسابيع عدة لإنجاز مجسمات وأدوات بوجود الكهرباء، وأنا أتمتع كثيراً بصنع مجسمات الجرافات والشاحنات الكبيرة، لأنها بين الأول التي صنعتها بعدما تعافيت من المرحلة الأولى من العلاج، وأرفع أحياناً أسعار مجسمات الجرافات والشاحنات حين يأتي أشخاص لشرائها لإبقائها في الورشة والتمتع بمشاهدتها".

وفي إطار التسويق، ينشر الدماغ صور المجسمات التي يريد صنعها على الإنترنت، ثم يخطط طريقة تنفيذ أجزائها المختلفة ويشرع في بناء كل منها بحسب مقاسات يحددها مسبقاً على الورق، مع مراعاة ضرورة أن تتلاءم كل قطعة مع الأخرى لدى تنفيذه عمليات قص الخشب. ويشير إلى أنه يملك أفكاراً كثيرة لمجسمات ينوي صنعها خلال الفترات القادمة، مثل مجسم سفينة "تايتنك" الشهيرة، وأخرى تحاكي مرضه، ويطمح إلى أن تسلك مجسماته طريق المشاركة في معارض محلية وأخرى خارج قطاع غزة.

المساهمون