يقبع مئات من السجناء منذ سنوات من دون محاكمات في السجون الليبية، وكذلك أشخاص جرت تبرئتهم من دون الإفراج عنهم، علماً أن السلطات تحاول استرجاع سيطرتها على السجون بعد مرحلة الحرب، ودعم قطاع القضاء.
ويحفل تاريخ السجون في ليبيا بالعديد من المحطات السيئة التي لا تزال آثارها باقية حتى اليوم، وأبرزها مجزرة سجن أبو سليم في العاصمة طرابلس التي راح ضحيتها أكثر من 1200 سجين عام 1996، ولم يصدر القضاء أي حكم في شأنها.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن السجون التي تديرها الدولة وتضم أكثر من 8800 معتقل، تتوزع على 28 مركزاً في مختلف أرجاء البلاد. لكن الناشطة الحقوقية بدرية الحاسي تقول لـ"العربي الجديد" إن "الحكومات التي تعاقبت على إدارة البلاد لا تشرف على السجون الـ 28 إلا في شكل اسمي، إذ تخضع كلها فعلياً لسيطرة المجموعات المسلحة، وحتى تلك التي تعتبر مركزية ورئيسية، ومنها سجن الجديدة في العاصمة طرابلس الذي تشرف عليه مجموعة مسلحة تعمل باسم الشرطة القضائية".
وتؤكد أن "وضع السجون سيئ للغاية، وغالبية الزيارات التي تجريها فرق الأمم المتحدة والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان لا تستطيع الوصول إلا إلى الأقسام الأولى منها، فيما تعجز بالكامل عن الوصول الى المعتقلات المصنفة بأنها سرّية".
ولا تزال عزة حويل التي تسكن في منطقة جنزور غرب طرابلس، تنتظر الحصول على موعد لمثول زوجها أمام المحكمة الابتدائية في طرابلس، وهو ما لم يحصل في الفترة السابقة. وتوضح لـ"العربي الجديد" أن مجموعة مسلحة في طرابلس اعتقلت زوجها في منتصف عام 2018، وأودعته في سجن معيتيقة بطرابلس بتهمة المشاركة في شجار شهد استخدام أحد المتورطين فيه سلاحاً أصاب آخر في مرحلة أولى، ما أدى إلى مقتله لاحقا.
تقول عزة لـ"العربي الجديد": "اعترف الشخص الذي أطلق الرصاص بمسؤوليته عن القتل، وأهل القتيل نفسهم لم يقدموا شكوى ضد زوجي، ما يعني أن التهم بعيدة عنه، لكنه لا يزال في السجن من دون محاكمة وحتى من دون السماح له بالوصول إلى محامٍ. واستطعنا زيارته ثلاث مرات خلال أكثر من أربع سنوات، وراجعنا إدارة السجن مرات كثيرة، والتي كررت وعدنا بأن موعد عرضه على النيابة العامة قريب تمهيداً لحسمها قرار محاكمته أو الإفراج عنه، لكن هذا الوعد لم ينفذ".
وليست قضية زوج عزة الوحيدة غير المحسومة في السجون الليبية، وحتى أن وضعها أفضل من كريم بوضاوية الذي مثل في جلستين أمام المحكمة قبل أن يعلن عن حكم براءته مطلع العام الماضي، لكن حكم الإفراج عنه لم ينفذ حتى الآن.
ويشرح رجب بوضاوية، والد كريم، أن ابنه احتجز منذ إبريل/ نيسان 2020 في سجن قرنادة التابع لمليشيات اللواء خليفة حفتر (شرق) على خلفية الاشتباه بعلاقته مع مسلحين ينتمون إلى مليشيات تنشط في غرب ليبيا، ويقول لـ"العربي الجديد": "حصل ذلك عقب رجوع الجيش (مليشيا حفتر) من جنوب طرابلس، حين نفذت عمليات اعتقال واسعة شملت جميع من اشتبه في علاقتهم بمسلحي مليشيات في الغرب، ومثل أمام محكمة عسكرية وتمت تبرئته من التهم الموجهة إليه، باعتبار أن الأمر نتج من تشابه اسم ابني مع اسم شخص آخر، لكن حكم الإفراج عنه لم ينفذ حتى الآن، ولم اعد أستطيع الوصول إليه رغم أنني حاولت زيارته أكثر من مرة". ويؤكد بوضاوية وجود عشرات الأشخاص الذين جرت تبرئتهم مثل ابنه، لكنهم لا يزالون قيد الاحتجاز.
ومطلع يونيو/ حزيران الماضي، تداولت منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو أظهر سيدة مسنّة تناشد حفتر إطلاق سراح أبنائها المحتجزين في سجونه منذ أربع سنوات، وأشارت إلى أن السجون تضم عدداً كبيراً من المظلومين الذين دعت حفتر إلى عرضهم على محاكم.
وفي أول تصريح أدلت به بعد تسلمها منصب وزيرة العدل في حكومة الوحدة الوطنية، أعلنت حليمة البوسيفي عزمها الإفراج عن جميع المعتقلين من دون قضايا، وتشكيل لجنة بمشاركة دولية للإفراج عن جميع السجناء بلا أوامر اعتقال أو بقضايا ثبت أن لا أساس لها.
وفيما اعترفت بوجود مئات في السجون من دون محاكمات، وإنشاء سجون خارج سلطة الدولة، أكدت البوسيفي أن وزارتها في صدد فرض عقوبات وإخضاع مرتكبي جرائم الإخفاء القسري والسجن بلا محاكمات لمساءلة قانونية، لكن شيئاً لم يحدث في هذا الموضوع.
وفي إشارة إلى محاولتها متابعة الملف، عقدت البوسيفي لقاءات عدة مع مسؤولين لبحث هذه القضية، لكن الحاسي لفتت إلى أن الوزيرة نفسها تعرضت لمحاولة اغتيال مطلع العام الحالي، ونجت منها من دون أن تتمكن حتى الآن من تحديد المسؤولين عن محاولة اغتيالها.
وترى الحاسي أن ملف السجناء واستمرار تغييبهم في السجون الرسمية والسرية مرتبط بظاهرة تفشي امتلاك السلاح خارج سيطرة الدولة، "لذا لن تنتهي هذه المأساة إلا برجوع هيبة الدولة تمهيداً لدعم مؤسسات القضاء، واسترجاع سلطتها وسيطرتها على السجون".