قد يجد "مركز القدس للمساعدة القانونية" ومقره مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، نفسه غير قادر على الاستمرار بتقديم خدماته القانونية، وخصوصاً تمثيل الفلسطينيين الذين يتهدد منازلهم الهدم بقرارات عسكرية إسرائيلية، وقضايا أخرى تتعلق بانتهاكات الاحتلال أو حتى القضايا الحقوقية الداخلية؛ في حال تم تطبيق التعديلات القانونية الأخيرة على قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية التي صدرت بقرار من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في الثاني من الشهر الجاري.
ذلك التخوّف عبّر عنه عصام العاروري مدير المركز، في حديثه مع "العربي الجديد"، اليوم الخميس، موضحاً أنّ التعديل الذي حمل رقم (7) لسنة 2021؛ يفرض في مادته رقم 3 بأن لا تزيد رواتب الموظفين والمصاريف التشغيلية في الجمعية أو الهيئة عن 25% من إجمالي الموازنة السنوية.
ويشرح العاروري أنّ القيود التي وضعت على المصاريف التشغيلية والرواتب "ستؤدي إلى عدم قدرة المركز على القيام بدوره، لأنه يقدم خدماته من خلال المحامين أولاً، والباحثين الميدانيين الذين يوثقون الانتهاكات".
يعمل لدى المركز 12 محامياً وفق نظام الرواتب، وليست للمركز خدمات أخرى كالبنية التحتية أو الدواء أو بناء المساكن أو الخدمات الاستهلاكية، ويتابع المركز حوالي 2800 منزل فلسطيني مهدد بالهدم أو أسرة مهددة بالترحيل في المناطق المصنفة (ج) وفق اتفاق أوسلو؛ أمام مختلف درجات التقاضي في محاكم الاحتلال، وينفق المركز معظم الأموال على المصاريف التشغيلية والرواتب لأن خدماته تعتمد عليها، بحسب العاروري، متسائلاً عن التزامن مع حملة إسرائيلية ضد العمل الأهلي الفلسطيني بسبب عمله على ملاحقة الاحتلال في محكمة جرائم الحرب وعمله في القدس ومناطق (ج).
تتخوف المؤسسات من تأثير التعديلات الأخيرة على مجمل العمل الأهلي في فلسطين
تتخوف المؤسسات من تأثير التعديلات الأخيرة على مجمل العمل الأهلي في فلسطين، فقد حذر مدير عام "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان" (ديوان المظالم) عمار دويك، خلال مؤتمر لإعلان نتائج تقرير حقوقي في ائتلاف "أمان"، من إغلاق عدد كبير من المؤسسات الأهلية الفلسطينية وخاصة التي تقوم بالرقابة على أعمال الحكومة.
تحذيرات لا ترتبط فقط بالتقييدات المالية على المصاريف، بل بالتدخل المباشر من الحكومة في خطة عمل المؤسسات، من خلال المادة 2 من التعديلات التي باتت تفرض "تقديم الجمعية أو الهيئة خطة عمل سنوية وموازنة تقديرية للسنة المالية الجديدة؛ منسجمة مع خطة الوزارة المختصة"، والتدخل في شروط الحصول على تبرعات، من خلال المادة 4 من التعديلات التي تفرض "نظاماً يصدر عن مجلس الوزراء يحدد فيه شروط وأحكام المساعدات غير المشروطة وجمع التبرعات".
وتلفت المؤسسات الحقوقية، إلى السياق الذي تأتي فيه التعديلات، فهي تسبق بشهرين فقط انتخابات المجلس التشريعي المنوط به تعديل القوانين، وتأتي بعد سلسلة تعديلات قانونية تحكم سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء.
يشكك دويك في جدية إجراء انتخابات حرة ونزيهة إثر استمرار إصدار القرارات بقانون، ويقول: "هذا لا يعطي مؤشراً على جدية إجراء انتخابات حرة ونزيهة أو إتاحة الفرصة للمواطنين للتنافس بحرية في الانتخابات" المرتقبة في مايو/ أيار المقبل، فتلك التعديلات حسب دويك، تمس بشكل جوهري حرية العمل الأهلي والمؤسسات التي تراقب الحكومة، و"هي تقريباً الصوت الوحيد المتبقي للمواطنين للتعبير عن معارضتهم واستيائهم والتعبير عن أي تظلمات لديهم لما تقوم به السلطة التنفيذية".
"هذا الصوت الأخير يبدو أن هناك نية لإسكاته" يقول دويك، ويتساءل لكن لماذا؟ ويجيب عصام العاروري: "حتى المواقف لم تعد تحتملها السلطة التنفيذية، تريد أن تعمل دون حسيب أو رقيب دون مساءلة أمام الجمهور، دون الاعتراف بالأخطاء، وحتى تفعل ما يحلو لها"، وأعطى العاروري مثالاً على ذلك؛ الموقف المعلن من مؤسسات المجتمع المدني حول كيفية توزيع لقاح فيروس كورونا الأسبوع الجاري واضطرار وزارة الصحة للكشف عن حقيقة توزيع 10% من اللقاح لغير الفئات التي أعلنت كأولوية، ويقول: "لا يريدون أن يحتج أحد".
يرى المستشار القانوني لـ"مؤسسة الحق" أشرف أبو حية، في حديثه مع "العربي الجديد" أنه من غير المفهوم توقيت صدور القرارات بقانون قبيل الانتخابات إلا بمحاولة السيطرة والإجهاز الكامل على المجتمع المدني، بعد خطوات سبقت إقرار الحكومة نظام الشركات غير الربحية عام 2015 وتعديله لاحقاً؛ والذي تسجل وفقاً له عدد من المؤسسات الأهلية، بحيث يرتبط الحصول على تبرعات بموافقة الأجهزة الأمنية، وهو ما قد يتكرر برأيه في النظام المرتقب للجمعيات، ويأتي أيضاً بعد محاولة بتعديل القانون عام 2018 فشلت بعد رفض مؤسسات المجتمع المدني.
موقف "مؤسسة الحق" الذي عبّر عنه أبو حية، يعتبر التعديلات وكل القرارات بقانون انتهاكاً للقانون الأساسي وتحديداً المادة 43 التي تتيح في حالات الضرورة لرئيس السلطة الفلسطينية إصدار القوانين في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي، ويقول: "لا توجد أي حالة ضرورة خصوصاً أننا على أبواب مجلس تشريعي"، إضافة إلى انتهاك المواد الخاصة بحق تكوين الجمعيات وانتهاك المعايير الدولية التي انضمت لها فلسطين.
وفي المحصلة، يرى أبو حية أنّ التعديلات حولت الجمعيات والمؤسسات إلى إدارات تتبع الحكومة؛ متسائلاً عن نقطة مواءمة خطط الجمعيات مع خطط الوزارات المختصة، وكيف ستتعامل الوزارات إذا قدمت الجمعيات خططاً تتعارض معها، وتنقد سياسات الحكومة، وتتابع قضايا حقوق الإنسان.
وترفض المؤسسات الحقوقية القرار، وبعد إصدار مواقفها التي توالت؛ تسعى إلى إيصال رفضها إلى كل الجهات الرسمية والفصائلية وصولاً إلى النزول للشارع.
يقول عصام العاروري والذي يمثل أيضاً "شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية"،"إنّ "المؤسسات ستسعى لوضع الجميع تحت مسؤولياتهم حتى بعض الوزارات التي تقوم بتحويل المواطنين الذين يواجهون أوامر هدم إسرائيلية إلى المنظمات الأهلية، سنقول (للمسؤولين فيها): إن كنتم تريدون أن نغلق أبوابنا، فهل ستقومون بهذا الدور، هل نزودكم بملفاتهم؟ وفي حال عدم الإنصات لصوت العقل سنفكر بخطوات أخرى منها النزول إلى الشارع".
وتندرج تحت إطار هذه التعديلات معظم مؤسسات حقوق الإنسان، والمنظمات البحثية ومؤسسات استطلاع رأي، وجمعيات طبية وأخرى زراعية، ومؤسسات تعمل في ملفات الاستيطان، فضلاً عن الجمعيات الخيرية.
وتبدو التعديلات الأخيرة جزءًا من محاولات إنهاء ملفات هامة للسلطة التنفيذية قبيل الانتخابات التشريعية بحيث يصار إلى أمر واقع يصعب تغييره لاحقاً، يرتكز على سيطرة السلطة التنفيذية على مفاصل الحياة السياسية والقضائية والأهلية، قبل أن تعود الحياة السياسية إلى النظام السياسي عبر المجلس التشريعي، بعد أن تفردت السلطة التنفيذية بالتحكم بكل السلطات منذ الانقسام الفلسطيني عام 2007.