ليبيا: الأسعار الباهظة تخفي فرحة عيد الأضحى

18 يونيو 2024
أسعار مرتفعة للأضاحي في ليبيا هذا العام (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في ليبيا، ارتفاع أسعار الأضاحي يؤثر سلبًا على احتفالات عيد الأضحى، مما يدفع بعض الأشخاص للتخلي عن شراء الأضاحي ويحفز المنظمات والمتبرعين لتقديم المساعدة.
- الأسباب الرئيسية لارتفاع الأسعار تشمل الأزمات السياسية، ضرائب النقد الأجنبي، الأوبئة، وتأثيرات العاصفة "دانيال" على المراعي والماشية، مع فشل الإجراءات الحكومية في التخفيف من الأزمة.
- الجمعيات الخيرية تنشط لتوفير الأضاحي للفقراء، وسط تغيرات في العادات الاحتفالية تشمل تأخير شراء الأضحية وتفضيل السفر كجزء من الاحتفال، مما يعكس تغيرات في التقاليد والثقافة المحلية.

يُبدي ليبيون استياءهم من ارتفاع أسعار الأضاحي التي تشكّل بالنسبة إليهم محور غالبية مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى. وقرّر بعضهم عدم شراء أضاحٍ، في حين لم يستطع آخرون الحصول على أي شيء، ما حتم تحرك منظمات ومتبرعين لتنفيذ هذه المهمة.

تراجعت مظاهر الفرح الخاصة بعيد الأضحى في ليبيا هذا العام بسبب غلاء الأسعار، خاصة أن فرحة العيد ترتبط في شكل أساسي بالأضحية والطقوس والتقاليد التي تدور في فلكها.
وليس لعيد الأضحى تقاليد كثيرة منفصلة عن الأضحية في ليبيا، كما الحال في عيد الفطر حيث تتعدد مظاهر الفرح عبر شراء لوازم الحلويات والملابس الجديدة، وتبادل الزيارات وغيرها.
يقول عبد الرؤوف المعمري الذي يسكن في حي جنوبي العاصمة طرابلس، لـ"العربي الجديد": "تبدأ مظاهر الفرح بعيد الأضحى قبل أسبوع من حلوله. ولا حديث في الأسبوع السابق للعيد إلا عن أنواع الخراف وأسعارها، وشراء لوازم الذبح وتنظيم جلسات الشواء. وعند شراء الأضحية تصبح فرحة الأطفال والأسرة لا توصف، ثم تبلغ ذروتها في يوم العيد الذي يشهد تنفيذ عادات الذبح التي تقضي باجتماع كل أفراد الأسر في بيت الأب أو الجد تمهيداً لتنظيم حفل جماعي ينتظره الجميع".
لكن هذه العادات قد لا تحضر هذا العام بسبب الغلاء الفاحش في أسعار الأضاحي التي يقول المعمري إن أرخصها يتجاوز راتبه الشهري، في حين لا يتقاضى، على غرار ليبيين كثيرين، أكثر من 1000 دينار (200 دولار)، في حين أن سعر أرخص خروف هو 1700 دينار (340 دولاراً).
وفيما يأمل محمود عجينة الذي يسكن في حي جنزور غربي طرابلس في أن تتراجع أسعار الأضاحي قبل العيد، يؤكد لـ"العربي الجديد" أن الكثير من أصدقائه ومعارفه تخلوا عن شراء الأضحية هذا العام، واكتفوا بكميات من اللحوم لتنظيم حفل شواء لأطفالهم.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

من جهته، يصف رجب المشيطي الذي يسكن في حي القربولي شرقي طرابلس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أسعار الأضاحي بأنها "جنونية هذا العام، ولم يسبق أن عرفتها ليبيا". ويعزو مجدي خشيبة، أحد باعة الأغنام في حي تاجوراء شرقي طرابلس، ارتفاع أسعار الأضاحي إلى تداعيات الأزمات السياسية على الوضع الاقتصادي، وعلى رأسها فرض ضريبة على بيع النقد الأجنبي. ويلفت خشيبة إلى سبب آخر لارتفاع أسعار الأضاحي يتمثل في انتشار أوبئة قضت على أعداد كبيرة من الأغنام، ومن بينها الحمى القلاعية، إضافة إلى إتلاف العاصفة "دانيال" التي ضربت مدينة درنة في سبتمبر/ أيلول الماضي مساحات واسعة من المراعي، وقتلت أعداداً كبيرة من الماشية.
ويصف خشيبة إجراءات الحكومتين بأنها "غير مجدية"، ويوضح أن "أزمة المواطنين ليست غلاء الأسعار، بل عدم قدرتهم على الحصول على أموال من البنوك. وحتى لو جرى دعم سعر الأضحية لا يملك معظم الناس أموالاً لشرائها، وفي حالة القرض تشترط البنوك الدفع إلكترونياً عبر بطاقات رقمية لا يقبلها معظم التجار لأنهم يدركون أنهم لن يحصلوا على أموالهم التي ستبقى مجمّدة في حساباتهم".

تتشارك أسر لشراء أضحية العيد (محمود تركية/ فرانس برس)
تتشارك أسر لشراء أضحية العيد (محمود تركية/ فرانس برس)

وخلال الأيام الأخيرة للعيد نشطت الجمعيات الخيرية لتوفير الأضاحي للأسر الفقيرة، وأطلق ائتلاف واسع من الجمعيات الخيرية حملة باسم "كلنا نضحي" عبر منصات التواصل الاجتماعي، ودعا المتبرعين إلى الانضمام إلى هذه الحملة ودعمها.
ويوافق المعمري على أن سخط المواطنين كبير من ارتفاع الأسعار الأضاحي، لكنه يستدرك بالقول إنه "يغلب على ثقافة الناس وصم من لا يشترون أضحية بأنهم فقراء وقليلو ذات اليد، وهذا الوصف لا تقبله الأسر في القرى والأرياف التي تضطر في نهاية الأمر الى التكاتف لشراء أضحية لأي فرد لا يملك ثمنها، لذا تستدين أموالاً وتثقل كاهلها بالتزامات مالية الكبيرة لأنها لا ترضى بمرور العيد من دون جلب أضحية".
كذلك يلفت المعمري إلى ظاهرة جديدة تتعلق بتأخر شراء الأضحية، ويقول: "في السابق كان المواطنون يشترون أضحيتهم قبل أسبوع من العيد على الأقل، لكن الآن لا أحد يريد الالتزام بتكاليف الأضحية، خاصة في المدن حيث يسكن غالبية الناس في شقق ومنازل صغيرة لا تسمح لهم برعاية الأضحية لأيام وتوفير علف لها، لذا يشترون الأضحية عشية العيد".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويتحدث المعمري عن تراجع مظاهر الفرح بالعيد، مثل الافتخار بحجم الأضحية وسعرها العالي أمام الجيران وأبناء العمومة، فالأسعار الباهظة تجعل هذه المظاهر تختفي، كما أن إقبال الشبان حديثي الزواج على ذبح الأضحية لدى جزارين طلباً للراحة وعدم التعب يحرم الأسر من بهجة الاجتماع لذبح الأضحية ومن تقاليد إعدادها للطبخ والشواء. أما العادات الجديدة فكثيرة، منها أن الأسر الحديثة باتت تعتبر أن السفر في ثاني أيام العيد لقضاء بقية العطلة في مصايف على البحر فقرة ثابتة وجديدة في العيد، وهو ما لم نعرفه سابقاً".
ومن المظاهر التي لا تزال مستمرة في عيد الأضحى، بحسب المعمري، الإقبال على شراء بعض اللوازم الخاصة بالذبح والشواء، والاجتماع لأداء صلاة العيد والتجمهر أمام المساجد وفي أزقة الأحياء لتبادل التهاني، ثم الاجتماع لتناول الغداء الذي يصنع من لحم أضحية العيد.
وتختلف عادات تناول الطعام خلال يوم العيد بين منطقة وأخرى، ففي غرب ليبيا يتضمن إفطار صباح يوم العيد "السفنز" (نوع من المعجنات الطرية المقلية)، أو الخبز المعروف بـ"غروم يمضرز"، أما وجبة الغداء غرب البلاد فتشمل "البازين" وفي الشرق "المثرودة"، وفي الجنوب "الفتات"، وكلها تصنع من لحم الأضحية.

المساهمون