ليبيا: إهمال يطاول معوّقي الحرب

12 اغسطس 2021
في مركز علاج بمصراتة (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال المئات من جرحى النزاعات المسلحة في ليبيا، والذين بُترت أعضاء في أجسامهم أو باتوا من الأشخاص ذوي الإعاقة، يواجهون مصيراً مجهولاً، في وقت تلاقي ملفاتهم لدى الحكومة مصير العجز والإهمال، رغم أن جبهات النزاع المسلح تشهد هدوءاً منذ نحو عام، ونشاطاً متزايداً على طريق تحقيق توافق سياسي.
يفيد مركز "جنزور" لتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة، وهو المركز الصحي الحكومي الوحيد في البلاد المعني بعلاج هذه الشريحة، بأن السلطات تجري اتصالات لترحيل جرحى، من ذوي الإعاقة، بمن فيهم مبتورو أطراف، للعلاج في الخارج، في حين يؤكد مسؤولون في مركز المعلومات والتوثيق التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، أن الوزارة لا تزال عاجزة عن حصر عدد هذه الشريحة، في وقت تطالب بتوفير مرتبات شهرية لهم لأنهم يخضعون لقانون الضمان الاجتماعي.

في حديثه لـ"العربي الجديد"، يقول خليل جعاكة، الشاب الثلاثيني، الذي رضي بقدره أخيراً، بعدما فشلت كل محاولاته لعلاج رجله المصابة خلال معارك شهدتها العاصمة طرابلس العام الماضي، وبات يدير متجره الخاص ببيع أجهزة الاتصالات في ضاحية تاجوراء الشرقية: "جرى إسعافي مع ثلاثة من رفاقي من إصابات مختلفة، ثم قرر الأطباء بتر رجلي، وهو ما عارضته، مطالباً بمنحي حق الخضوع لعلاج على نفقة الدولة في الخارج، فأرسلت إلى تونس، حيث رفضت مستشفيات استقبالي بسبب ديون متراكمة على سفارة ليبيا، ما اضطرني إلى العودة". يضيف: "تنقلت لاحقاً بين مستشفيات عدة في البلاد، لكن الأطباء أجمعوا على استحالة علاج رجلي وضرورة بترها، وأبلغوني بأنني سأستطيع استخدام رجل اصطناعية للتحرك. واستطعت تركيب هذه الرجل، لكن تكاليفها الباهظة اضطرتني إلى الاستغناء عن فكرة تغييرها الذي يجب أن يحصل بعد فترة. وتراكمت الديون على أسرتي، فقررت تأسيس مشروع خاص بي لا يتطلب حركة كثيرة، وافتتحت متجراً للاتصالات".

يلعبان كرة السلة على كرسي متحرك (محمود تركية/ فرانس برس)
يلعبون كرة السلة على كرسي متحرك (محمود تركية/ فرانس برس)

تقصير 
قد يكون جعاكة نجح في التغلب على إعاقته، لكن آخرين عجزوا عن ذلك، بسبب حجم إصاباتهم الأكثر خطورة وتأثيراً على حياتهم اليومية، وأحدهم صديقه عبد الحكيم المدهون الذي فقد بصره كلياً بسبب إصابات في عينيه. ويعترف جعاكة بأن إصابة رفيقه المدهون كانت كبيرة، لكنه يستدرك أنه "لو نقل للعلاج في الخارج ربما كان حظي بمزيد من الأمل في تحسّن حالته على الأقل. والواقع أن مصابي الحروب يتعرضون دائماً لإهمال في حال أصيبوا بعجز. وهو يعيش حالياً من إعانة شهرية تقدمها له الهيئة الحكومية لرعاية أسر الشهداء والمفقودين ومبتوري الأعضاء".
وبعد عدة احتجاجات نظمها معوقو الحرب أمام مقار السلطات في طرابلس، وافقت هيئة رعاية أسر الشهداء والمفقودين والمبتورين الحكومية على تشكيل أفراد من هذه الشريحة لجنة لمتابعة حقوقهم، لكنّ أحد الأشخاص ذوي الإعاقة، من المصابين بالحرب، عرّف عن نفسه باسم جبريل، فقط، يعتبر أن قانون حقوق ذوي الإعاقة التي سببتها الحرب يخضع لتقصير كبير في التنفيذ، أثّر بشكل كبير على عمل الهيئة. ويوضح جبريل، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّه بموجب قانون إنشاء الهيئة، تألفت لجنة لحصر ذوي الإعاقة، لكن جهود هذه الهيئة تقتصر حتى الآن على حصر الأشخاص ذوي الإعاقة ممن شاركوا في الحروب. ويسأل: "ما مصير المدنيين الذين أصيبوا بشظايا ورصاص وقذائف عشوائية؟ أليس هؤلاء من معوّقي الحروب؟".
ولم تنجز لجنة حصر الأشخاص ذوي الإعاقة التي سببتها الحرب، عملها بسبب استمرار النزاعات المسلحة من جهة، ومن جهة أخرى بسبب عدم رغبة قادة الأطراف المسلحة في تقديم بيانات واضحة عن الأشخاص ذوي الإعاقة، خشية كشف حجم خسائرهم الحربية. وفي السياق، يقول جبريل إنّ "معسكر شرق ليبيا يعرقل في كل مرة جهود حصر ذوي الإعاقة في صفوف قواته".

تدخّل جهات أمنية 
يؤكد الناشط المدني في بنغازي عقيلة الأطرش، متحدثاً عن فشل مبادرة أهلية أطلقها نشطاء لجمع أموال من أجل إرسال ثلاثة أطباء إلى دول أوروبية للتدرب على تركيب أطراف اصطناعية بديلة، بسبب تدخل جهات أمنية رفضت منحها الموافقة لإنجاز المبادرة. ويقول الأطرش لـ"العربي الجديد": "أبلغنا مسؤولون أمنيون بأن التدخل في قضية مبتوري الأطراف أمر شديد الحساسية، ونصحونا بالتخلي عنها، رغم محاولتنا إقناعهم بأن متضررين من الحرب قد يكونون أصيبوا بانفجار ألغام ومخلفات الحرب".

قضايا وناس
التحديثات الحية

في المقابل، يبدو الوضع أفضل حالاً في مصراتة، إذ استجابت سلطات المدينة لمبادرات نفّذها الأهالي من أجل دعم المركز الوطني للأطراف الصناعية الذي استحدث في السنوات الماضية، وحاول عقد تعاون مع مركز العلاج الطبيعي التابع لجامعة مصراتة للإفادة من إمكاناته وخبرات العاملين فيه.

المساهمون