استمع إلى الملخص
- **قصص مأساوية للعائلات:** قصص مثل عائلة حجاج التي فقدت الرضيع عز الدين، وعائلة حسنين التي فقدت الطفلة زينة ووالدتها، تعكس حجم المأساة ومعاناة العائلات التي فقدت أحلامها وأحبائها.
- **الأثر النفسي والاجتماعي:** الناجون يعيشون في صدمة وندم، مثل محمد حسنين الذي فقد زوجته وطفلته. الأطفال الناجون يعانون من سوء التغذية والجفاف، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني في غزة.
كان أطفال غزة ولا يزالون هدفاً للاحتلال الإسرائيلي في القطاع، حتى أنه لم يتردد في استهداف الرضع الذين ولدوا خلال العدوان ولم ينجوا منه رغم محاولات أهلهم حمايتهم.
ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بقصة الشاب محمد مهدي أبو القمصان (33 عاماً) الذي لم يمض على فرحته بطفليه التوأم آسِر وآيسل إلا القليل، ليقتلهما الاحتلال الإسرائيلي بصاروخ مباشر استهدف البيت الذي كانا يقيمان فيه مع والدتهما الطبيبة جمانة عرفة، بينما كان أبو القمصان يحاول استخراج شهادتي ميلاد لهما، بعد تهجير متكرر من مدينة غزة إلى محافظات عدة وصولاً إلى مدينة دير البلح.
الطفلان أبو القمصان هما من بين عشرات الأطفال الذين ولدوا أثناء العدوان الإسرائيلي واستشهدوا خلال العدوان نفسه. وكانت عائلاتهم تنتظر انتهاء العدوان في أقرب وقت كي ينعم أطفالهم بحياة عادية بعيداً عن أصوات القصف والمتفجرات. وبينت أرقام وزارة الصحة أنه مع استشهاد الطفلين أبو القمصان اللذين وُلدا في التاسع من أغسطس/ آب الجاري، يكون عدد إجمالي الأطفال الرضع الذين وُلِدوا واستشهدوا خلال العدوان قد بلغ 115 طفلاً.
وذكر بيان وزارة الصحة أن الأطفال عاشوا لحظات قصيرة قبل أن تُزهق أرواحهم تحت وطأة القصف والعدوان. كما أن 14 طفلاً منهم كانوا قد واجهوا سوء التغذية والجفاف إلى أن توفوا. ويعاني قرابة ألف طفل من مواليد العدوان سوء التغذية والجفاف، وقد تسوء حالتهم الصحية في أية لحظة. وفي أواخر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، قضى الرضيع عز حجاج (50 يوماً) بين الأنقاض في مجزرة إسرائيلية، علماً أن رحلة الولادة كانت صعبة في المستشفى المعمداني (الأهلي العربي)، إذ ولد بعد أسبوع واحد من مجزرة المستشفى. وبعدما واجهت والدته صعوبات أثناء الولادة، كان يحتاج إلى عناية مكثفة في الحضانة وقد قضى أسبوعاً كاملاً ثم خرج وسط ظروف صعبة وخطيرة في منطقة التركمان في حي الشجاعية.
انتظر الوالد الطفل الذكر عز الدين لأكثر من 12 عاماً، إلا أنه استشهد مع والدته وشقيقته سلمى (5 سنوات)، فيما نجا والده ووشقيقتاه. وانتظر الوالد أكثر من أسبوعين لاستخراج الجثامين من تحت الأرض. وكانت زجاجة الحليب التي اشتراها له من إحدى الصيدليات في حي الزيتون على مقربة منه.
وفي محيط مجمع الشفاء الطبي، كان الاحتلال قد دمر منزل والد محمد أبو القمصان الذي فقد طفليه التوأم، والذي كان يفكر في النزوح إليه خلال بداية العدوان قبل أن يهدد الاحتلال الإسرائيلي المجمع الذي كان في ذلك الوقت يضم ومحيطه عشرات آلاف النازحين. لكنه نزح إلى مدينة خانيونس ثم إلى مدينة رفح ثم إلى دير البلح، حيث استشهد أفراد أسرته بالكامل، بالإضافة إلى والدة زوجته التي كانت ترعى ابنتها والتوأم في عمارة القسطل شرق مدينة دير البلح.
كان أبو القمصان قد تزوج قبل عام، وكانت زوجته طبيبة متخصصة في الأمراض الجلدية. عاش سنوات في تركيا محاولاً تحسين حياته، لكنه اختار العودة إلى غزة للعيش بين أفراد عائلته والزواج والإنجاب. لكن كل أحلامه تبخرت بعد استشهاد جميع أفراد أسرته.
بقيت الذكرى
يعيش حجاج بين المهجرين غرب مدينة دير البلح. وكلّما سمع عن استشهاد طفل، تذكر طفله عز الدين الذي أذّن له عند ولادته في المستشفى، وكان يدعو الله أن يحميه من أي مكروه. فمنذ بداية العدوان، استشهد طفلان من العائلة، كما فُقِد اثنان من أبناء شقيقه في حي الشجاعية خلال عدوان عام 2014.
يقول حجاج لـ "العربي الجديد": "منذ إعلان الاحتلال الإسرائيلي عن العملية العسكرية، وأنا أفكر في زوجتي وطفلي القادم. في مايو/ أيار من العام الماضي، علمت من الطبيبة الروسية التي كانت تشرف على حالة زوجتي أن المولود ذكر، وهنأتني لأنها كانت تعرف أنني وزوجتي نحلم بمولود ذكر. حتى بناتي الصغار كن يردن أخاً. كنت أعتني بزوجتي خلال فترة حملها وأحياناً أعد الطعام للعائلة". يضيف: "خضعت زوجتي لولادة قيصرية، ووضع ابني في الحاضنة في المستشفى التي كانت متضررة. ويوم المجزرة، كنت أنا وبناتي نائمين. أثناء القصف لم نشعر بشيء. ومن كانوا في الغرفة مع زوجتي وطفلي وطفلتي وزوجتي استشهدوا. ليتني أصحو من هذا الكابوس".
استشهدت الطفلة زينة أثناء العملية العسكرية التي استهدفت مجمع الشفاء الطبي ومحيطه في مارس/ آذار الماضي، حين قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلاً لعائلة حبوش حيث كانت السيدة نعمة حسنين وطفلتها التي لم تبلغ الشهر من العمر. استشهدت الأم أمل والطفلة، وقد نزحتا بعيداً عن الزوج الذي كان في المنطقة الشمالية. استشهدت الطفلة زينة ووالدتها نتيجة القصف العشوائي الذي استهدف جميع المنازل والمدنيين في مجمع الشفاء الطبي، بعدما حاصرهم الاحتلال الإسرائيلي لأيام وارتكب العديد من المجازر بحق المدنيين الموجودين في ساحة وأقسام المجمع. حاولت الأم مناشدة الجهات الدولية والصليب الأحمر الدولي للخروج من المباني التي تضم نساء وأطفالاً من دون أية استجابة، واستشهدت وطفلتها بالإضافة إلى ثلاثة أطفال آخرين كانوا في المكان.
ضاع الحلم
لا يزال محمد حسنين (35 عاماً) يعيش صدمة ويحلم بزوجته وطفلته، هو الذي يوجد في منطقة المواصي التي نزح إليها عقب المجزرة مع أشقائه وهم من ذوي الإعاقة ووالدته المسنة بصعوبة. ويشعر بندم كبير لأنه سمح لزوجته بالنزوح مع أهلها وصولاً إلى منطقة مجمع الشفاء الطبي.
كان حسنين شديد التعلق بزوجته كما يقول، وقد رزق بطفلته بعد انتظار دام ست سنوات. كان يتخيل علاقته بابنته هو الذي لطالما أحب أن تكون له ابنة . لكن فرحته لم تدم أكثر من أسبوعين. واليوم لم يبق له غير الصور التي يحتفظ بها على هاتفه.
خسر حسنين عدداً من أطفال العائلة الذين استشهد بعضهم داخل منازلهم جراء سوء التغذية والجفاف في المنطقة الشمالية، بالإضافة إلى القصف الذي طاول مناطق عدة في شمال قطاع غزة. لكن طفلته كانت بالنسبة إليه الأمل الكبير وسط الحرب. كانت زوجته في بداية العدوان حاملاً، وحاول أن يوفر لها الطعام، حتى أنه كان يحرم نفسه في أوقات كثيرة من الطعام لضمان غذاء زوجته.
يقول حسنين لـ "العربي الجديد": "آخر ما جلبته لطفلتي كان الحفاضات. عندما توجهت إلى موقع القصف الإسرائيلي، رأيت الدفاع المدني ينتشل أشلاء زوجتي وطفلتي بالإضافة إلى حقيبة زهرية كانت تضع فيها زوجتي الحليب والحفاضات والمناديل المبللة. كنت قد أمنت هذه الأغراض لزوجتي قبل أشهر، حين سمعت أن كل شيء سيصبح مفقوداً من الأسواق".
يضيف: "حلمت طويلاً باليوم الذي تكبر فيه ابنتي وتناديني بابا. لكن ها أنا بعد المجزرة، أرمل ومن دون ابنة. أطفال العالم ينعمون بالحقوق الأساسية، فيما حرمت طفلتي من حليب أمها، إذ كان جسدها هزيلاً وكانت تقاوم حتى تلد طفلتنا. لكن الاحتلال لا يستثني الأطفال والنساء والشيوخ. قتل جميع من كانوا في المنزل. حتى الأطفال في الممرات استشهدوا".
كما استشهد الطفل عبد الله صيام في مدينة غزة في الثاني من فبراير/ شباط الماضي، هو الذي لم يتجاوز عمره الثلاثة أشهر، وقد رفضت عائلته النزوح من مدينة غزة إلى الجنوب خشية أن يصاب بأمراض نتيجة مناعته الضعيفة في هذا العمر. لكنه استشهد باستهداف إسرائيلي لأحد المباني في حي الرمال، وقد سقط الحائط فوقه. تقول والدته هيام صيام (40 عاماً) التي توجد بين النازحين في مخيم دير البلح لدى أقاربها: "قتلوا الصغير والكبير ومن هم في الحضانة ومن هم داخل المستشفيات. لم يبق لنا أحد. تمنيت أن أموت بدلاً من طفلي الذي كان يصحو من شدة الانفجارات ويبكي".