في إطار سعي السلطات الصينية إلى تقليص الفجوة بين الجنسين، ومعالجة عزوف الجيل الجديد من الشباب عن الإنجاب، أطلقت مؤسسات مدنية تموّلها الحكومة حزمة برامج للتأهيل المجتمعي، وقررت تشكيل لجان لإدارة الحياة الأسرية في البلاد. ويقول القائمون على الحملة التي تنظمها جمعية الأسرة الصينية بالتعاون مع الجمعية الوطنية للتعليم والصحة الأسرية، إن "الصين عانت خلال السنوات الأخيرة من ظاهرة الحب بلا زواج، والزواج بلا إنجاب، والإنجاب بلا تعليم وثقافة، ما يؤثر على البيئة الاجتماعية على المديين المتوسط والبعيد، لذا لا بدّ من تعليم الشباب كيف يجدون شريك الحياة المناسب، وإدارة حياتهم العاطفية والأسرية لضمان بيئة صالحة للزواج والإنجاب".
وقدم اتحاد نقابات العمال لعموم الصين خطة من أجل دفع النقابات إلى إنشاء مكان عمل صديق للأسرة، وتجربة توفير مرافق خاصة بتقدم خدمات رعاية الأطفال في مؤسسات ودوائر العمل، ثم محاولة توسيع الخدمات لتشمل التوجيه والدعم والإرشاد الأسري، إلى جانب تطبيق إجراءات مرنة في العمل، وتوسيع تغطية تأمين الأمومة.
تعزيز مفهوم الارتباط
يقول ليانغ تشون، عضو فرع جمعية الأسرة الصينية في بكين، لـ"العربي الجديد": "تهدف الحملة إلى الحدّ من خوف الشباب من الزواج، من خلال تعزيز مفهوم الارتباط والأسرة، وتوجيه الجيل الجديد لتكوين نظرة عقلانية وصحية تجاه الشراكة مع الآخر، ومساعدة الأزواج في حل الصعوبات العملية على صعيد إدارة الأسرة، وتوفير بيئة اجتماعية صحية لإنجاب الأطفال".
يتابع: "تنشد الحملة التي تمولها الحكومة عبر دعم المؤسسات القائمة عليها وتسويقها إعلامياً، الوصول إلى أكبر شريحة من الشباب والأسر الصينية. وهي تنقسم إلى مرحلتين تستهدف الأولى فئة الشباب العازفين عن الزواج، والثانية الأزواج غير الراغبين في إنجاب مزيد من الأطفال".
ويلفت إلى أنه "من المهم جداً بعد الزواج إدارة العلاقة العاطفية بكلفة منخفضة لبناء عائلة سعيدة ومتناغمة. وإذا كان لا بدّ من حدوث خلافات، فمن المهم إيجاد طرق لحلها تعتمد أساليب صحيحة في التواصل، وهو ما ستتكفل الحملة بتنفيذه".
من جهتها، تقول سون تشين، المسؤولة في دائرة العلاقات العامة بالجمعية الوطنية للتعليم والصحة الأسرية في مدينة شينزن، لـ"العربي الجديد"، إن "الحملة تركز أيضاً على رفع مستوى الأبوة والأمومة لدى أولياء الأمور، وتسعى إلى حث الأفراد على أن يصبحوا آباءً فعّالين ومؤهلين للتأثير إيجاباً في توجهات أبنائهم. ففعّالية الأبوة والأمومة عامل أساسي في التأثير على سلوك الأبناء لأنها مفتاح تثقيف الأسرة. وهكذا يمكن ضمان احترام الوالدين لخيارات أبنائهم في ما يتعلق بالحب والزواج".
هدف واحد
ويعلّق الباحث في مركز "دا شينغ" للصحة النفسية وو جيانغ، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأن "الحملات من هذا النوع تشير إلى أن الدولة تستشعر حقيقة الأزمة الديموغراغية التي قد تضرب البلاد خلال السنوات المقبلة، بسبب تراجع معدلات المواليد بصورة غير مسبوقة. وتنشد الإجراءات والقرارات التحفيزية التي تطلق كل فترة بعناوين مختلفة هدفاً واحداً يتمثل في حث الشباب على الزواج والإنجاب، مثل السماح بإنجاب طفل ثالث، وتمديد فترة الأمومة بالنسبة إلى الأمهات العاملات، وتوسيع نطاق التأمين الاجتماعي، وتدخل الحكومة في مسألة الإجهاض، وحظر التعرّف إلى جنس الجنين قبل ولادته، وغيرها من الإجراءات التي لم تلقَ استجابة مجتمعية".
ويعزو وو جيانغ العزوف المجتمعي إلى "ضغوط العمل، وعدم الاستعداد النفسي بالنسبة إلى جيل الطفل الواحد الذي نشأ في ظل السياسات الصارمة لتحديد النسل، لكسر حالة التنميط التي تسببت فيها عقود من الالتزام والانضباط الاجتماعي. كما تدفع حالة عدم اليقين بسبب جائحة كورونا وتسريح عشرات آلاف الموظفين في الاتجاه ذاته، حيث يشعر العديد من الشباب بعدم الأمان الوظيفي الذي يجعلهم يخشون من الإقدام على الزواج أو الإنجاب في هذا التوقيت الحرج"، لكنه شدد في الوقت ذاته على أهمية برامج التأهيل الاجتماعي والمحفزات التي تقدمها الحكومة، حتى لو كانت الاستجابة بطيئة، "فتوفير أرضية وبيئة اجتماعية صالحة لاتخاذ قرار الزواج مهم جداً بالنسبة إلى الشباب في وقت لاحق، خصوصاً حين يتعافى الاقتصاد الصيني وتنهض البلاد من جديد بعد التغلب على الوباء".
يشار إلى أن عدد المواليد الجدد في الصين شهد انخفاضاً حاداً في عام 2020، بنسبة 15 في المائة مقارنة بالعام السابق. وبلغ 12 مليوناً، وهو رقم أقل بكثير من المتوسط السنوي البالغ 16 مليوناً. ويعتبر هذا الانخفاض الأدنى في تاريخ البلاد منذ ستة عقود، وعزاه خبراء في الصحة الإنجابية إلى تدني الانخفاض المستمر في عدد النساء في سنّ الإنجاب، باعتباره نتيجة حتمية لاختلال التوازن بين الجنسين، وعزوف عدد كبير من الشباب عن الزواج لأسباب تتعلق بالظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة.