كشفت دراسة أعدتها منظمة "أبعاد" (منظمة نسائيّة حقوقيّة لبنانيّة) أنّ "6 من أصل 10 نساء تعّرضن للاعتداء الجنسي في لبنان لم يبلّغن عن الجريمة بسبب العرض والشرف، ما يعني أن أكثر من نصف النساء (55 في المائة) لم يبلغن. كما أنّ 3 من أصل 10 نساء تعرضت بناتهنّ للاعتداء الجنسي لم يبلغن لأنّ أحداً لن يصدّقهنّ". وأظهرت أنّ "75 في المائة من النساء اعتبرن الاعتداء الجنسي بالدرجة الأولى اعتداءً جسديّاً ونفسيّاً على المرأة، بينما أكّدت 71 في المائة أنّ المجتمع يراه بالدرجة الأولى اعتداءً على عرض العائلة".
وتطلق "أبعاد" دراستها حول العنف الجنسي ضد النساء في لبنان والتبليغ عنه، بهدف معرفة مدى لجوء النساء اللّواتي يتعرّضن للعنف الجنسي للتبليغ من عدمه، وأسباب الامتناع عنه. وعام 2017، نجحت في إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني، والتي كانت تعفي المغتصِب من العقاب في حال تزوّج من ضحيّته، بالتوازي مع إطلاقها حملة إعلاميّة تحت شعار "الأبيض ما بيغطّي الاغتصاب".
وتأتي الدراسة ضمن حملة وطنية تطلقها "أبعاد" وتبدأ اليوم، تحت عنوان "#لا_عرض_ولا_عار"، بمناسبة حملة الـ 16 يوماً العالمية التي تهدف إلى إنهاء العنف ضدّ النساء والفتيات وتعديل الفصل الأوّل من الباب السابع من قانون العقوبات اللبناني الخاص بجرائم الاعتداء الجنسي. وتسعى المنظمة إلى الحصول على موافقة وتواقيع الكتل النيابيّة والنواب على مقترح التعديل، ليتّخذ بعدها المسار التشريعي المناسب.
وأسفت مديرة "أبعاد" غيدا عناني، في بيانٍ، لاستمرار "ربط جرائم الاعتداء الجنسي في لبنان بالعرض والشرف والعار"، قائلةً: "منذ بدء عملنا على هذه القضيّة، أكّدنا أهميّة النظر إلى هذا النوع من الجرائم خارج السياق التنميطي المجتمعي والتعامل معها بحزم. فأبعاد ومنذ عملها على إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني، رفعت الصوت للمطالبة بتعديل وتشديد العقوبات على جرائم الاعتداء الجنسي، كون هذا الموضوع يشكّل رادعاً لمنع حدوث مثل هذه الجرائم". وكشفت عناني أنّ المنظمة "عملت على أن يكون مقترح التعديل منصفاً لكلّ ضحيّة وناجية، ونحن نعوّل على السلطة التشريعية لإنصاف النساء والموافقة على التعديلات المقترحة".
انتهاكٌ لكرامة الإنسان
وتوضح المحامية في "أبعاد" دانيال الحويّك لـ "العربي الجديد" أنّ "المادة 522 كانت تكرّس ثقافة مفادها بأنّ جسد المرأة ليس ملكها وحدها، بل ملك العشيرة والقبيلة. وعلى الرغم من إلغائها، فإنّ النظرة لم تتغيّر ولم يشكّل ذلك رادعاً، لاسيما وأنّ العقوبات الموجودة أصلاً خفيفة بالنسبة لحجم الجريمة. لذلك، نطمح اليوم إلى زيادة العقوبات وتعديل الفصل الأول ككلّ، والذي يصف في عنوانه حتى جرائم الاعتداء الجنسي بأنّها جرائم الاعتداء على العرض، علماً أنّها جرائم كبيرة كاملة فيها اعتداء على كرامة الإنسان وإرادته وحريّته وليس على عرضه. وتستوجب بالتالي عقوبات مشدّدة رادعة، كرفع عدد سنوات السجن من 5 سنوات لعقوبة الاغتصاب إلى ما لا يقلّ عن عشرين سنة، وقد تصل إلى 30 سنة وحتّى السجن المؤبّد، بحسب حجم الجريمة".
وتنطلق حملة "#لا_عرض_ولا_عار" اليوم من خلال مختلف الحسابات الإلكترونيّة الخاصّة بـ "أبعاد"، وعبر حسابات المؤثرة اللبنانية وعارضة الأزياء نور عريضة، الداعمة للحملة هذه السنة. وستتضمّن عرض أربع حلقاتٍ مصوّرة تتحدّث فيها الناجيات عن قصصهنّ في حوارٍ مع عريضة. كما ستشارك السيّدات والناجيات في وقفةٍ تعبيريّةٍ أمام البرلمان اللبناني للوقوف عند مطلبهنّ، وذلك صباح غد السبت.
وكانت الدراسة الإحصائيّة قد أعدت ما بين 13 و21 أكتوبر/ تشرين الأول 2022. وشملت 1800 امرأة وفتاة تراوحت أعمارهنّ ما بين 18 و50 سنة، بينهنّ 1200 امرأة وفتاة لبنانية و400 امرأة وفتاة سورية و200 امرأة وفتاة فلسطينية. وتوزّعت العيّنة على مختلف المناطق اللبنانية، وشملت مختلف المستويات الثقافية وفئات الدخل. وبيّنت النتائج أنّ "واحدة من أصل 20 امرأة شملتهنّ الدراسة تعرّضت لاعتداء جنسي، وواحدة من أصل 10 نساء شملتهنّ الدراسة تعرف امرأة تعرّضت لاعتداء جنسي. وأظهرت أنّ غالبية النساء (84 في المائة) اللّواتي لم يتعرّضن لاعتداء جنسيّ أعلنّ أنهنّ سيبلغن في حال لو تعرّضن لهذا الاعتداء".
التبليغ الفوري ينقذكِ
وأوردت "أبعاد" سلسلة شهادات للناجيات. وقالت إحداهنّ: "تعرّضتُ للاغتصاب وعلمتُ بحملي بعد خمسة أشهر من الجريمة. منعنتني عائلتي من التبليغ عن المجرم بسبب خوفها من المجتمع، وتعرّضتُ للتهديد بالقتل من شقيقي. تسبّبت لي الحادثة بصدمة كبيرة، ومررتُ بالكثير من العوارض النفسيّة، عدا عن الخوف والقلق الدائمين والرغبة بالعزلة. لذلك، أنصح الناجيات بالتبليغ الفوري، كونه ينقذ الحياة، ولو أنّني أبلغتُ السلطات أو الجمعيات فور حصول الاعتداء، لربّما تعافيتُ بشكل أسرع، ولكان المجرم نال العقاب الذي يستحقّه".
وقالت ناجية أخرى: "لم يكن لديّ أو لدى والدتي الجرأة للتبليغ عن الاعتداء. وقد أجبرتني عائلتي على الزواج من رجب الذي يكبرني سنّاً للتستر على عرضهم"، مناشدةً كلّ ناجية بالقول: "الذنب ليس ذنبك، حاولي أن تكوني قويّة وأبلغي من تثقين بهم لمساعدتك". ناجية تعرّضتُ للاغتصاب قالت: "لم أبلّغ القوى الأمنيّة بسبب عدم امتلاكي أوراقاً قانونيّة. أنا لاجئة في لبنان منذ سنوات، وكنتُ أخاف من أن يتمّ توقيفي في حال توجّهت إلى القوى الأمنيّة. لم أخبر أحداً بالجريمة، وأكثر ما يعذّبني إلى اليوم أنّ الجاني لم ينل عقابه".