خرج المئات في وقفات نظمت في "ساحة الإرادة" وسط العاصمة الكويت خلال الأيام الماضية للتضامن مع غزة والتنديد بمجزرة المستشفى المعمداني، وكان أبرزها تظاهرة حملت اسم "جمعة الغضب"، دعت إليها معظم القوى والتيارات السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، والنقابات العمالية والطلابية، وشارك فيها أكبر عدد من المحتجين منذ أن بدأ العدوان على القطاع.
وأطلق مدونون عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملات لمقاطعة منتجات أيدت إسرائيل، وتفاعل كثيرون معها، فانتشرت صور لمحال خالية من الزبائن، وأخرى لواجهات محال كُتبت عليها عبارات تدعم المقاومة وتُندد بالاحتلال، وترافق ذلك مع إطلاق حملات لجمع تبرعات بهدف دعم الفلسطينيين في غزة.
يعبّر المسعف الكويتي محمد الشمري عن مشاعره بالقول لـ"العربي الجديد": "نقلت مرات جثث بشر، وجمعت بنفسي أشلاء أجساد متناثرة، وأتعامل مع الموت يومياً بسبب طبيعة عملي، لكن مشاهد العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة، والدمار الهائل، والأوضاع البائسة للأطفال أعادتني إلى فطرتي الطبيعية، ولا أعرف عدد المرات التي بكيت فيها، وبت أشعر بوجع نفسي لا يُطاق".
يضيف: "أفهم ما يشعر به زملائي المسعفون في غزة، وحجم المسؤولية التي تقع عليهم في ظل الظروف الصعبة السائدة، وأتفهم جيداً حجم الألم في مقاطع الفيديو التي تنشر لهم، خاصة أنهم يتعاملون مع موت الأهل والأقارب والمعارف". يتمنى الشمري أن تُتاح له فرصة التطوع ميدانياً للانضمام إلى أبطال القطاع الصحي في غزة، وتسخير معرفته وخبرته لأهل غزة في هذه الأوضاع المأساوية.
وتقول الكاتبة ضحى سالم لـ"العربي الجديد": "لا أمنع نفسي عن مشاهد الموت والدمار، ولا عن مشاهد الأطفال الخائفين والذين يرتجفون. ومهما ضعفت وتألمت تربي هذه المشاهد الثأر في نفسي، وأنا أقول إن من يمنع نفسه عن مشاهد الموت يمنع ذاكرته من تربية الحقد والانتقام، وهذا ما لا يجب أن يحدث. ومثلما احتل مشهد استشهاد محمد الدرّة ذاكرتنا الطفولية، يجب أن تحتلّ كل مشاهد الموت اليوم ذاكرتنا الآنية والتراكمية والجماعية. لا أنام إلا ساعات قليلة منذ أن بدأت هذه الحرب، وتصفني صديقتي الغزيّة آية بأنني مذياعها النشط الذي لا يتوقف عن النشر والتفاعل والسؤال".
وعن علاقتها بآية تقول: "نحن صديقتان منذ 3 سنوات حين كنا ندرس الماجستير في الدوحة، وأصبحت خريطتي لمعرفة ما لا يعرفه العالم عن غزة، ومناطقها وشوارعها وعائلاتها، وكل خبر لقصف موقع أو استشهاد عائلة يجعلني أرتجف لأنها سبق أن حدثتني عن شيء يخص هذه الأماكن والعائلات، لذا أشعر أن كلّ ما في غزة يخصني، وتفاعلي يستند إلى معرفتي بما يعانيه الغزيّون في حياتهم اليومية، وما يقاسونه منذ بدء الحصار، والذي يحتل موقعاً هائلاً في ذاكرتي، فقد عشت الحصار كطفلة".
وتصف سالم تفاعلها مع الأخبار بأنه "تفاعل الدم مع الدم، فأنا لا أريد أن تهدأ قلوبنا أو يبرد الدم فيها، بل أن نظلّ على خط النار مع الفلسطينيين، فثأرهم ثأرنا وحربهم حربنا ونصرهم نصرنا، والعالم أجمع يجب أن يدفع فاتورة ما يحدث في غزة وفلسطين. أعترف بأنني لا أشارك بقوة في التفاعل الكويتي الذي يستحق الاحترام، ويشمل الاعتصامات ومقاطعة العلامات التجارية المطبعة، فأنا مشدودة إلى كل ما يحدث في غزة من جرائم حرب وإبادة وتطهير عرقي، وأقضي يومي بالنبش والبحث، فهذه الحرب بقدر ما هي للتحرير والنصر، فهي حرب فضائح، لذا أحرص على فضح كل من يشارك بتبرير جرائم الاحتلال، فأكتب وأترجم وأنقل وأنشر".
بدورها، تقول معلمة المرحلة الثانوية فاطمة عادل، لـ"العربي الجديد": "أتابع الأخبار طوال اليوم على التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، ومشاعري متناقضة بين الاعتزاز والافتخار بقوة وثبات أهل غزة، وبين العجز القاتل الذي يُكبّل يدي. أنا متعبة لدرجة أنني غير قادرة على ممارسة حياتي في شكل طبيعي. والحقيقة أن انهيار معلمات فلسطينيات زميلات أمامي ومحاولتي مواساتهن جعلا أيامي أثقل، ولا أملك سوى قوة الكلمة في هذه الأوضاع".
وتشرح كيف تأثرت بمشاهدة فيديو طفلة تلعب في المستشفى المعمداني قبل قصفه، ثم ظهورها وهي تبكي لاستشهاد عائلتها. "أفكر دائماً بألم هذه الطفلة، وأسأل ماذا تفعل الآن؟ وينتابني الحزن في حين لم تعد مشاهد البكاء غريبة أو مُستهجنة هذه الأيام. ارتديت لأيام الكوفية الفلسطينية بعد طوفان الأقصى، وأن عدد المعلمات والتلميذات اللواتي يرتدين الكوفية في المدرسة زاد مع تصاعد الأحداث. ارتداء التلميذات الكوفية الفلسطينية يبعث على الطمأنينة، ويُحيي الأمل في إيمان الجيل القادم بالقضية".