تُعدّ كوريا الجنوبية أدنى دولة في العالم في معدل الخصوبة، في مقابل معدل شيخوخة مرتفع. وتلد المرأة فيها في المتوسط 0.78 طفل، وتتراجع معدلات الحمل والولادة عاماً بعد عام. وتفيد هيئة الإحصاء الوطنية بأن البلاد بشكل عام "تحتاج إلى معدل خصوبة يبلغ 2.1 للحفاظ على استقرار السكان في ظل موجات الهجرة".
وفي عام 2020، سجلت البلاد لأول مرة عدد وفيات أكثر من المواليد، وهو الاتجاه المستمر منذ ذلك الحين. ويحتاج كل بلد طفلين على الأقل لكل زوجين (معدل 2.1) للحفاظ على عدد السكان ثابتاً، من دون حساب الهجرة. يأتي ذلك في وقت يقبل العديد من الكوريين الجنوبيين على اقتناء الحيوانات الأليفة، وخصوصاً الكلاب التي تصبح جزءاً من الأسر.
في هذا الإطار، تنتشر المطاعم ودور الحضانة والمقاهي والملابس الخاصة والمراكز الصحية لرعاية الحيوانات الأليفة. ويتحدث البعض عن تفضيل اقتناء هذه الحيوانات على إنشاء أسر وإنجاب الأطفال، وهو ما يطلق عليه "أنسنة الحيوانات الأليفة".
وتشير تقارير ترصد ظاهرة اقتناء الكلاب في كوريا الجنوبية إلى أنه من بين حوالي 51 مليون نسمة، فإن أكثر من 11 مليوناً يملكون كلاباً. ويتوقع أن تصل قيمة الأسواق المتعلقة بالحيوانات الأليفة في البلاد إلى نحو خمسة مليارات دولار عام 2027. وما بين عامي 2017 و2020، زاد عدد الأعمال المتعلقة بالحيوانات الأليفة في البلاد من 4500 إلى أكثر من 19 ألفا.
ويرتاد مربو الكلاب المطاعم والمقاهي المخصصة لها، علماً أن العاصمة سيول تحتوي سلسلة مطاعم ومقاه مخصصة للعائلات التي تتبنى أو تربي كلاباً. كما تحرص تلك العائلات على شراء أغذية ومنتجات عالية الجودة. وفي عدد من تلك المطاعم، يتناول المربي والكلب وجبات متشابهة. وتقدم سلسلة مطاعم "ماما" المعكرونة بولونيز، والأرز المقلي، والراجو الإيطالي، وأكلات يونانية شهيرة وغيرها للكلاب. كما دخلت شركات الأزياء في السباق لتصميم ملابس فاخرة للكلاب.
وبحسب تقرير لصحيفة "ذا كوريا هيرالد" صدر في مايو/ أيار الماضي، فإن المستشفيات والعيادات الراقية في العاصمة سيول باتت تقدم علاجات بالليزر للحيوانات الأليفة، وأصبحت رائدة في علاج الأمراض الجلدية".
وفي منطقة شيونغدام دونغ في سيول، يمكن إيجاد العيادة الأشهر والأغلى ثمناً لعلاج حساسية الجلد بالليزر للحيوانات الأليفة. وكلفة الجلسة الواحدة تتجاوز 245 ألف وون (حوالي 180 دولاراً)، وأخرى لعلاج حب الشباب لدى الكلاب. وترتفع الكلفة كلما كان العلاج أكثر دقة.
وفي وقت يشكو كثيرون في كوريا الجنوبية ارتفاع كلفة تربية الأطفال، فإنهم لا يترددون في تربية الكلاب وإنفاق الكثير من الأموال لتأمين رفاهيتهم. ويعمد موظفون إلى إرسال كلابهم إلى دور الحضانة أثناء فترة غيابهم عن البيت، ويطلبون من المسؤولين فيها أن يرسلوا لهم صوراً وفيديوهات.
وكان رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، قد اعترف في سبتمبر/ أيلول الماضي، بأنه تم إنفاق أكثر من 200 مليار دولار أميركي في محاولة لزيادة عدد السكان على مدى السنوات الـ 16 الماضية. وقدمت حكومة كوريا الجنوبية مبادرات مختلفة مثل تمديد إجازة الأبوة المدفوعة، وتقديم قسائم أطفال نقدية للآباء الجدد، بالإضافة إلى تنظيم الحملات الاجتماعية التي تشجع الرجال على المساهمة في رعاية الأطفال والأعمال المنزلية.
وفي وقت سابق، نقلت شبكة "جي تي بي سي" التلفزيونية المحلية عن مسؤول بمكتب التعليم الإقليمي في غان ون دو، قوله إن عدد طلاب المدارس الابتدائية آخذ في التناقص "بسبب انخفاض معدل المواليد، إذ بات لا يوجد أطفال في المناطق الريفية". وأشار إلى أن بعض الأشخاص "يفضلون توفير المال والذهاب إلى مدينة راقية في نهاية حياتهم، بدلاً من إنفاق تلك الأموال على تربية الأطفال". يشار إلى أن كلفة تربية الأطفال في كوريا الجنوبية تعد باهظة، يضاف إلى ذلك غلاء المساكن. وفي دراسة لبيانات عام 2021، يشير خبراء إلى أن ارتفاع كلفة المعيشة وأسعار المساكن وتأثير جائحة كورونا، أثرت على قرار العائلات المتعلق بالإنجاب.